من هم الأشرار الحقيقيون في ستاندرد تشارترد؟

من هم الأشرار الحقيقيون  في  ستاندرد تشارترد؟

بدأ هذا الأسبوع بمأساة مصرفية شكسبيرية أخرى، بطولة ستاندرد تشارترد الذي أخذ دور الشرير هذه المرة. والأربعاء سيكون يوم الحساب، عندما تسمع دائرة الخدمات المالية دفاع المصرف ضد تهمة إخفاء تورط عملاء للحكومة الإيرانية في معاملات برقية بلغت 60 ألف تعامل وتُقدر بنحو 250 مليار دولار على الأقل. يسمونها "لعنة أغسطس".
ستُركز جلسة الاستماع هذه على "فصل البرقيات" وكان موظفو ستاندرد تشارترد قد أخفوا حقيقة أن التحويلات الى نيويورك تأتي من المؤسسات المملوكة للحكومة الإيرانية بمحو ما يشير إلى إيران عن طريق التعليمات اللاسليكة، وهو ما أطلق ستاندرد تشارترد عليه "إجراء إصلاح" وأصر على أنه مسموح به.
ويرى رجال الإعلام ومحللو المصرف أن الموظفين الذين قاموا "بالإصلاحات" والمديرين الذين يشرفون عليهم هم الممثلون الأشرار في هذه المأساة، بينما برأ آخرون ستاندرد تشارترد متقبلين تبرير المصرف بأن نطاق المخالفات لم يتعد الحد الأدنى وليس له علاقة بالإرهاب. لكن المنظمين في نيويورك أصدروا أوامر بشأن مراكز المستشارين القانونيين العموم للمصرف ومكاتب الإذعان. وهذا التركيز على المحامين هو المهم.
ومن بين الوثائق التي تدينهم مذكرات ورسائل البريد الإلكتروني من محاميي المصرف، الذين نصحوهم بأن التعليمات البرقية لا ينبغي ألا تحدد أسماء العملاء الإيرانيين لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى التدقيق في نيويورك، وبدا من الواضح تورط موظفي الشؤون القانونية في خطة "مشروع الغزال" الذي سعى إلى بناء أعمال المصرف مع العملاء الإيرانيين دون تعريض فرع نيويورك "لخطر خرق العقوبات". ونظراً لهذه الادعاءات، ستكون افتتاحية جلسة استماع الأسبوع المقبل عن "أول شيء نقوم به، هو أن نقتل جميع المحامين".
وبالفعل، فإن النظام يضع محاميي المصرف وكبار مسؤولي الإذعان في قلب مؤامرة تجريد البرقيات، حتى وإن نصح المستشار القانوني الخارجي بخلاف ذلك.
وفي وقتٍ مبكر من عام 1995، بعد فترة وجيزة من إعلان الرئيس بيل كلينتون فرض عقوبات اقتصادية ضد إيران، زعم المحامي العام للمصرف "أنها تبنت إطارا تنظيميا تهريبيا" وأوضح بمخطط استراتيجي كيفية تجنب التدقيق من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الولايات المتحدة، والمعروف باسم أوفاك OFAC، وشدد على الموظفين التعامل مع المذكرة التي تصف خطة تجنب الإذعان التنظيمي بوصفها "سرية للغاية" ولا يجب إرسالها إلى الولايات المتحدة".
نعلم جيداً أن المصرفيين يكونون عديمي الرحمة عند السعي وراء الأرباح، ولكن لا يفترض على محاميي المصارف التفكير مثل المصرفيين، فمنذ عقودٍ مضت، كان المستشار العام للمصرف يفكر في الأخلاق أكثر من الكفاءة. ولكن اليوم، عادة ما فقد تحول مقر المحامي إلى مراكز أرباح شعارات من الحكمة حول كيفية تجنب القواعد المحاسبية وخفض الضرائب والحفاظ على سرية ممارسات الربا. وأحد أسباب الموجة الأخيرة من الانتهاكات التي حدثت في المصارف الكبرى هي أن تركيز المحامين على السرعة والربح كان أكبر من تقرير الصواب والخطأ.
وبدا أنه من الواضح الآن أن السرعة كانت أحد الأمور التي اهتم بها محامو ستاندرد شارتردز، إذا ما كانت التعليمات البرقية قد تضمنت أي مراجع تشير إلى إيران، فربما يكون التحقيق فيها تم وأُسقط. وقد وصف رئيس قطاع الشؤون القانونية والشكاوى بالمصرف العمليات المصرفية الكلية التي ينتج عنها خطر التأخير بأنها "كسارة الصفقات" عند بذل الجهد لتطوير أعمال جديدة.
كذلك فإن محاميي ستاندر شارتردز يقولون عملية الشكوى برمتها التي قدمها مكتب ضبط الأصول الأجنبية بفرع نيويورك إلى شيناي في الهند لا تستند إلى أي دليل على الإشراف أو التواصل بين مكاتب شيناي ونيويورك. إن عدم كفاية تدريب واجتهاد العاملين ألقت المسؤولية فوراً على كل من "إجراءات الإصلاح"، و"الإذعان"، ويطلق المنظمون على هذا الدور المزدوج وصف "مهمة متناقضة لقول القليل"، وهناك مزاعم أن موظفي الهند قاموا بالاتصال بالعملاء عندما وجدوا أن هناك إفصاحات محل تساؤل، ليقوم هؤلاء العملاء بدورهم بإرسال برقيات "معدلة" تنفي أي علاقة بإيران، حتى وإن كانت هذه العمليات قانونية فإنها قد تمت لمجرد الثقة في الاسم فقط.
وأوضحت الإخفاقات التي شهدها مصرفا باركليز وإتش إس بي سي وحاليا ستاندرد تشارترد أن موظفي المصارف العالمية الكبرى يفتقدون بوصلة الأخلاق بصورة كبيرة. إن بعض المحامين ومسؤولي التسويات قد يكونون نماذج يحتذى بها على المستوى الأخلاقي، لكن السواد الأعظم يعملون كوسطاء تسهيلات أو منفذين فيوضحون للموظفين أفضل الطرق التي يمكنهم بها تفادي القانون، وهذا الأمر لم يقتصر على محامي عصابات المافيا، بل على النقيض من ذلك وبخلاف ما عليه رجال المصارف فإن رجال العصابات يدركون قيمة المستشار الحيادي الذي يخبرهم متى يتعين عليهم أن يتوقفوا.
صار المديرون التنفيذيون محل انتقادات في الآونة الأخيرة وتم استبدالهم، ورؤوس كثيرة سيطاح بها، وليس مصرف ستاندرد تشارترد بمنأى عن ذلك، فقد اتبع موظفو المصرف نفس النهج في السودان، وميانمار، وليبيا، وبينما تتكشف لنا الأحداث الدرامية، فقد يتساءل بعض الجمهور: من هم الأشرار الحقيقيون؟ الصيارفة؟ أم المحامون الذين يضللونهم ويساعدونهم ويجرئونهم على ذلك؟ كان من المفترض أن يكون المحامون أكثر نضجاً في هذه الحفلة، وأن يكونوا المحترفين الذين يرشدون زملاءهم ويخبرونهم لماذا يمكنهم القيام بأمر ولا يمكنهم القيام بأمر آخر. كان من الواجب عليهم أن يكونوا ملجأ المظلومين لا وسطاء مسهلين. إن أحد الدروس المستفادة من هذه الفضائح الأخيرة أن المصارف تحتاج إلى مستشار محايد مستقل يمكن الاعتماد عليه ويعمل داخل المصرف، وأن تكون لديه خلفية أخلاقية قوية.

* الكاتب هو أستاذ القانون والمالية في جامعة سان دياجو ومؤلف كتاب "انتظر".

الأكثر قراءة