أخيرا.. الحكومة تستثمر في السياحة

بموافقة الحكومة على تطوير مشروع العقير السياحي، الذي يعد باكورة المشاريع السياحية الحقيقية في السعودية، تكون الحكومة قد بدأت وللمرة الأولى في الاستثمار بشكل مباشر في السياحة. تركت الساحة طويلاً من أجل تشجيع دخول القطاع الخاص في هذا القطاع الحيوي المهم. قلة من المستثمرين قاموا بذلك. الأغلبية لا تزال تنتظر وتترقب حتى يشتد ساعد الاستثمار السياحي في البلاد وبعد ذلك يكون القرار. وربما يعذر المستثمرون في ذلك وهم يرون الاستثمارات في هذه السياحة غير مربحة، على الأقل حتى الآن، ورأس المال جبان كما يُقال، غير أنه مع استثمار الحكومة ودخولها في شراكة نوعية مع القطاع الخاص، سيصبح الاستثمار مجدياً اقتصادياً وجاذباً للمستثمرين، كما سيجعل رأس المال الجبان شجاعاً.. لمن أراد ذلك.
1.4 مليار ريال ستدفعها الحكومة لتنفيذ البنية الأساسية، إضافة إلى الأرض التي سيقام عليها المشروع، وفي المقابل ستحصل الدولة على جملة من الفوائد قصيرة ومتوسطة المدى، منها: توطين السياحة الداخلية، تشجيع الاستثمارات المشتركة بين القطاعين الخاص والعام، دعم خطط التوسع العمراني في محافظة الأحساء، تنويع مصادر الدخل، التنمية المتوازنة في المناطق، العمل على أن يكون النمو في الناتج الوطني أعلى من معدل النمو السكاني، وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص لزيادة حصته في الناتج الوطني. ناهيك عن توفير فرص عمل مباشرة وأخرى غير مباشرة، وهذه من أهم العوائد الاستراتيجية العائدة من تطوير السياحة بشكل عام، فمثل مشروع تطوير العقير السياحي، سينتج ما لا يقل عن 30 ألف فرصة عمل مباشرة و50 ألف فرصة عمل غير مباشرة. ووفقا للتقرير الإحصائي عام 2011 للهيئة العليا للسياحة، فإن إجمالي الوظائف في قطاع السياحة يصل إلى أكثر من 670 ألف وظيفة، منها 129 ألفا يشغلها السعوديون، وهذه الأرقام غير مشجعة ، فالسياحة كنز من ذهب لتوطين الوظائف في كل دول العالم.
النموذج الاستثماري الذي تتبعه الهيئة العليا للسياحة، كما هو في مشروع تطوير العقير، ربما يكون الانطلاقة الحقيقية لمشاريع الاستثمار السياحي التي سيقبل عليها القطاع الخاص، بدعم حكومي بطبيعة الحال، فلا تزال نسبة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي البالغة 7.2 في المائة خجولة ولا تتواكب مع التنوع السياحي المتوافر في السعودية. لذا فإن مراهنة الحكومة على الدخول بقوة كمستثمر في السياحة ستحول هذا القطاع، فعلاً لا قولاً، إلى صناعة حقيقية تعود بالفائدة على الأطراف كافة.
وطالما تحدثنا عن صناعة السياحة، فلا بد من وضع اليد علـى الجرح، فالهيئة العامة للسياحة اسمياً هي الجهة المسؤولة تنظيماً وإشرافاً على السياحة في البلاد، أما فعليا فهي ليست كذلك. هل نبالغ لو قلنا إن الهيئة لا تشرف إلا على 50 في المائة من شؤون السياحة، أما الـ 50 في المائة الباقية فهي موزعة على جهات حكومية أخرى. حتى تكون لدينا صناعة سياحية فعلية تسهم في الناتج المحلي، ويمكن محاسبتها على تقصيرها، يجب أن تكون هي المسؤول الأول والثاني والثالث عن السياحة وليس جهات أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي