أمة الخير: نجد قبل 120 سنة

قرأت في الأسبوع الماضي تغريدة في تويتر تقول إن باحثاً سعودياً كان في زيارة للصومال فوجد وثيقة كتبت قبل 120 سنة تتضمن فتوى من العلماء الشرعيين في الصومال يجيزون فيها إخراج الزكاة لأهل نجد لأن مجاعة شديدة ضربت نجد في ذلك الوقت، وقد وجدت في هذه التغريدة فرصة لمشاركة القراء الكرام في معانيها ودلالتها، إذ في ظني أن هذا التاريخ يعود إلى الفترة الكالحة التي يرويها الآباء عن آبائهم ويذكرون أن أهل نجد اضطروا لأكل الحيوانات النافقة من شدة الجوع، وفي ظني أن هذا التاريخ هو الذي وقعت فيه هجرة الكثير من الأسر النجدية إلى الأحساء والعراق والكويت وأماكن أخرى طلباً للرزق وهروباً من شدة الفقر الذي أوصل الكثير إلى الجوع ومن ثم الوفاة.
التأمل في هذه الوثيقة يستوجب منا ربط الماضي بالحاضر، الماضي الذي عاش فيه أهلنا بمجاعة، وفقر، وجهل، ماض تنعدم فيه وسائل المواصلات والاتصالات بكافة أنواعها، وقد تساءلت وأنا أقرأ هذه التغريدة كيف علم من أصدر هذه الفتوى من علماء الصومال وأهله ليس في المجاعة في نجد بل كيف علموا بنجد وهي المنطقة الصحراوية المنقطعة عن العالم، ذلك أن موقعها الجغرافي في وسط الجزيرة لا يؤهلها للاتصال بالعالم الآخر، إذ لا موانئ، ولا مقدسات، ولم تكن الدولة السعودية الثالثة قد وجدت، كما لا يوجد أي شكل من أشكال التواصل. لا شك أن العلم بواقع المجاعة التي تحدث في منطقة كنجد في ذلك الوقت قد لا يتم إلا من خلال الصدفة ولا غير.
دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الأسبوع الماضي لحملة تبرعات للشعب السوري الشقيق الذي يتعرض لمذبحة يمارسها بحقه نظام البعث بقيادة أسرة الأسد التي جثمت على صدر سورية منذ أربعة عقود، ومارست في حقه أبشع أنواع البطش من قتل، وتعذيب، ونفي، وكافة أشكال الجريمة. منذ سنة ونصف والشعب السوري يتعرض للمذابح لكن الظرف تغير، إذ ليست الأوضاع كما كانت قبل 120 سنة، وليست كما في الثمانينيات حين نفذ النظام بقيادة حافظ الأسد مذبحة حماه وراح ضحيتها 40 ألفا من أبناء سورية المجيدة، ومع وجود وسائل الاتصال والإعلام في ذلك الوقت إلا أن الجريمة مرت مرور الكرام، الوضع تغير، فالحدث أصبح ينقل مباشرة صوتا وصورة، ووسائط التواصل الاجتماعي كسرت الأسوار التي يراد من خلالها التكتم على جرائم الأنظمة، وأصبح كل ما يحدث في أي مكان من العالم يمكن مشاهدته ومتابعته أولاً بأول، ولعل ما يحدث في بورما للمسلمين من قتل وتنكيل من قبل البوذيين، وبدعم من حكومة بورما، شاهد آخر على قيام الحجة على المسلمين للقيام بواجبهم تجاه إخوان العقيدة لنصرتهم، وإغاثتهم بما يستطيعون.
العالم في هذا الوقت مدين لوسائل الاتصال الحديثة التي كسرت الحواجز وأتاحت للإنسان الوقوف على ما يحدث في أنحاء العالم، إننا نحن المسلمين، ومع اشتداد الأزمات على بعض شعوب الأمة، مطالبون بالقيام بواجبنا تجاه إخواننا لتحقيق قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". إن القيام بهذه المهمة يتطلب إيجاد مؤسسات ضخمة يعمل فيها أناس مدربون، وعلى دراية، وخبرة، وقدرة على التخطيط، إضافة إلى الحماس، ولعل ما نجده في الصليب الأحمر من جاهزية، واستعداد، وسرعة تحرك نحو أي مكان في العالم لمثال حي على أهمية العمل المؤسسي الذي يكون جاهزاً في أي وقت، ومستعداً للذهاب إلى أي بقعة. إن ما نراه من أحداث، وما ورد في الوثيقة التي أشرت إليها، يمثل عبرة لنا، ونحن نتقلب في النعم، وعلينا أن نتذكر أن الحياة لا تدوم على وضع، وكما يقال دوام الحال من المحال، ومثال الصومال قبل 120 سنة حيث كان الرخاء والنعمة ووضع أهله الآن حيث يعانون الجوع والفقر عبرة لمن يعتبر. كما أن ما يحدث في العالم يفترض ألا ينسينا فقراء الوطن الذين لهم حق علينا وقد نغفل عنهم لأي سبب من الأسباب.
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي