من التهديد بإغلاق مضيق هرمز إلى المطالبة بفرض رسوم لعبوره

يتكرر التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز بين الحين والآخر، لكن المسؤولين الإيرانيين يغيرون في كل مرة السبب الذي سيجعل بلادهم تغلق المضيق. ففي البداية كانوا يهددون بإغلاق المضيق إذا تعرضت بلادهم لهجوم عسكري غربي يستهدف تدمير منشآتها النووية. وعندما بدأت دول الاتحاد الأوروبي في الشهر الأخير من عام 2011، تدرس فكرة فرض حظر على شراء النفط الإيراني، هدد بعض المسؤولين الإيرانيين بالرد على هذا الحظر بإغلاق مضيق هرمز، حيث قال نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي بأنه ''إذا فرضت الدول الغربية عقوبات على النفط الإيراني، فلن تسمح إيران بقطرة نفط واحدة أن تعبر مضيق هرمز''، وقال قائد القوات البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله ساياري ''إن إغلاق إيران مضيق هرمز أمام ناقلات النفط سيكون أسهل من شربة ماء إذا رأت طهران ضرورة لذلك''.
ولكن دول الاتحاد الأوروبي لم تعبأ بهذا التهديد وقررت في 23/1/2012 فرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، منها حظر إبرام عقود جديدة لشراء ونقل النفط الخام والمنتجات النفطية الإيرانية، على أن يتم إنهاء العقود القائمة بحلول الأول من تموز (يوليو) 2012، وفعلاً بدأت الدول الأوروبية في تطبيق الحظر الشامل على شراء النفط الإيراني ابتداء من الأول من تموز (يوليو) الحالي. إزاء ذلك تخلت إيران عن فكرة الربط بين الحظر النفطي وإغلاق مضيق هرمز، فربطت إغلاق المضيق بحدوث أمر آخر؛ إذ أعلن ناصر سوداني، نائب رئيس لجنة الطاقة في مجلس الشورى الإيراني أن من المحتمل أن تغلق بلاده مضيق هرمز في حالة تفتيش أو توقيف ناقلات النفط الإيرانية في الموانئ النفطية العالمية، زاعماً أن ''جميع أشكال الحظر والضغوط ستؤدي إلى مزيد من ازدهار صناعة النفط في إيران''، ويبدو أن هذا التهديد جاء رداً على اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات جديدة من شأنها التأثير على قدرات إيران لتصدير النفط، حيث حددت وزارة الخزانة الأمريكية شركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية، و58 من سفنها و27 من الفروع التابعة لها على أنها امتداد للدولة الإيرانية، وهو ما يقوض محاولات إيران الهروب من العقوبات الاقتصادية عن طريق تغيير شركة ناقلات النفط الإيرانية الأسماء والأعلام على كثير من ناقلاتها قبل بدء نفاذ الحظر الأوروبي على استيراد النفط الإيراني. وقال مسؤول أمريكي ''إن هذه الإجراءات سيكون لها بعض الأثر على قدرات إيران على بيع النفط، وستجعل من الصعب على إيران خداع المشترين المحتملين بشأن منشأ النفط).
لقد أدرك قادة إيران أن التهديد بإغلاق مضيق هرمز لم يؤد كما كانوا يأملون إلى اضطراب السوق العالمية للنفط يجعل أسعار النفط ترتفع ارتفاعاً كبيراً على نحو يجعل الولايات المتحدة والدول الأوروبية تخفف من عقوباتها الاقتصادية وتنهي حظر شراء النفط الإيراني. وإن ما حدث هو العكس تماماً فأسعار النفط تتذبذب صعوداً وهبوطاً في الحدود الاقتصادية المقبولة دولياً، كما أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ماضية في تنفيذ العقوبات الاقتصادية التي قررتها ضد إيران حتى تستجيب للمطالب الدولية بشأن الرقابة الدقيقة على برنامجها النووي للتأكد من سلميته. كما أن الولايات المتحدة اتخذت التدابير العسكرية اللازمة لضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز.
إزاء ذلك لجأ المسؤولون الإيرانيون إلى التلويح باتخاذ إجراء آخر وهو فرض رسوم على السفن المارة في مضيق هرمز، حيث أعلن النائب الإيراني علي رضا خسروي أن ثمة اقتراحاً في مجلس الشورى الإيراني بشأن فرض رسوم على عبور السفن مضيق هرمز قائلاً: ''إن ثمة دول في الخليج تشارك في شكل مباشر في الإضرار ببيئة الخليج وسلامته، من خلال عبور سفنها النفطية، واقتراحنا يتمثل في أن تساعد على استعادة وضعه المثالي''. وأشار خسروي، وهو عضو في لجنة الإعمار في البرلمان، إلى أن ''60 نائباً أعلنوا تأييدهم للخطة، وثمة نواب يعكفون على درسها ومناقشتها''، معتبراً أنها ''تصب في مصلحة دول المنطقة والدول المطلة على الخليج، وعليها الموافقة عليها''.
ويثور هنا التساؤل: هل يحق لإيران بموجب أحكام القانون الدولي أن تفرض رسوماً على السفن التي تعبر مضيق هرمز؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل، تجدر الإشارة إلى أنه سبق أن أوضحنا في مقالات سابقة منشورة في صحيفة ''الاقتصادية'' الوضع القانوني لهذا المضيق، حيث قلنا إنه يعد مضيقاً دولياً يصل بين البحر العالي للخليج العربي والبحر العالي لخليج عمان ثم المحيط الهندي، ويشكل مياهاً إقليمية للدول المطلة عليه وهي إيران وعمان، ويخضع لحق المرور العابر لجميع السفن الأجنبية لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وبمراجعة الاتفاقية المذكورة لم أجد مادة تجيز للدول المطلة المشاطئة للمضايق المستخدمة للملاحة الدولية التي تربط بين بحرين عاليين، أن تفرض رسوماً على السفن الأجنبية التي تعبر هذه المضائق. وإذا كان المضيق يشكل مياهاً إقليمية للدول المشاطئة للمضيق مثل مضيق هرمز فإن المادة (26) من الاتفاقية نظمت مسألة الرسوم التي يجوز فرضها على السفن الأجنبية التي تمر من خلال البحر الإقليمي حيث قررت ما يلي:
1- لا يجوز أن تفرض رسوم على السفن الأجنبية لمجرد مرورها خلال البحر الإقليمي.
2- لا يجوز أن تفرض رسوم على سفينة أجنبية مارة بالبحر الإقليمي إلا مقابل خدمات محددة قدمت إلى السفينة. وتجبي هذه الرسوم من غير تمييز.
ومما سبق يتضح أنه لا يجوز لإيران أن تفرض رسوماً على السفن الأجنبية لمجرد عبورها مضيق هرمز. ولذلك فإن جميع دول العالم خصوصاً الدول التي تمر سفنها في هذا المضيق لن تسمح لإيران بأن تفرض هذه الرسوم. والواقع أن التهديدات الإيرانية سواء بإغلاق المضيق أو فرض رسوم على السفن لمجرد عبورها فيه لا تعدو أن تكون حرباً نفسية تستهدف التأثير السلبي على السوق الدولية للنفط بفرض بث الخوف من احتمال نقص الإمدادات وارتفاع أسعار النفط بمعدلات كبيرة، حتى تضطر الدول الغربية إلى تخفيف العقوبات التي فرضتها على إيران، وهي أهداف أخفقت إيران حتى الآن في تحقيقها.

المزيد من الرأي