سامحني !!

يهزنا الشوق فنشدّ الرحال لنسلّم عليك .. ونسأل الله شفاعتك، أنت المرتضى والمجتبى والحبيب المصطفى، ونعلم أن وجهك الكريم يبرق من السرور ويردّ الله الروح إليك لترد السلام على من صلىً وسلم عليك. أتيناك نبغي الصلاة في مسجدك لأنها "خيرٌ مِنْ ألفِ صلاَةٍ في ما سِوَاهُ إلاّ المسجدَ الحرامَ". أتيناك يا نُورَ الله الَّذي يُسْتَضاءُ به من بعد صلاة الفجر وقالوا لنا أن الزيارة مشرّعة من السادسة والنصف وأنتظرنا مع الآلاف وقوفاً وجلوساً شاخصين قرابة الساعتين، تهون الساعات ويفديك الزمن بأبي أنت وأمي يارسول الله، من أجل أن أقف أمام قبرك بأدب وخفض صوت لأسلّم عليك وعلى صاحبيك أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

ووالله لم أكن أنوي إطالة الوقوف بحضرة مقامك لأني أعلم أن هناك كثيرٌ غيري ممن يكبرونني سناً وقدراً قد جاؤوك من أصقاع الدنيا ليسلموا عليك (بعد صبر ومشقّة سفر)، لكنهم لم يتركوا شبراً واحداً ولم يكن لي الحظ والنصيب ! أنهكني الوقوف وأنهكتني كثرة الضجيج والتدافع وسوء تنظيم الأفواج، وضايقني علو صوت المرشدات العاملات بالحرم وفظاظة ماينطقن به من توجيهات ، وسوء إدارة الحشود. كانوا يحاولون (يا رسول الله) القيام بِحقِّ حرمك الشريف مْعترفات بالتَّقصير، كلنا إن سكتنا ورضينا شاركنا في وزر التقصير. فالنساء يعانين وحقوقهن ضائعة في ممارسة العبادات، فما ذنبنا إن فتحوا باب العمرة والزيارة على مصراعيهما طوال العام (وتزايدت أعداد المسلمين) دون أن يواكب ذلك تكثيف الجهود وتفعيل انسيابية الحركة عبر البوابات والممرات بلا تكدس أو إختناق! لست أنكر جهود رجال ونساء الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي المخلصة، وأرى جوانب إيجابية كثيرة ولكنّا نطمح للتنظيم الدقيق والتفويج الانسيابي ليتاح لكل زائر وزائرة الصلاة والسلام في مسجد رسول الله خاصة بعد فتح المسجد النبوي طوال 24 ساعة. كنا نطمح إلى لقياك بلا تدافع أو فوضى وبكل سكينة ووقار كضيوف لمسجدك، ولعمري فإن خدمة الزائرين والزائرات لهي من أجلّ وأسمى الخدمات التي يتلقاها ضيوف الرحمن من لدّن القوي الأمين.

يارسول الله يحيط ببيتك وقبرك ما يسمونه بالمنطقة المركزية التي تبلغ مساحتها 246 هكتارا " 2 مليون و460 ألف متر مربع"، وبها كثافة زوار ومعتمرين بلغت 7 ملايين عام 1432 هـ، فكيف يضعُف التخطيط ويخنقنا التكدس وتقلص ساعات زيارات النساء ! أخبرك (ياسيد المرسلين) أنهم يمنحون الرجال ميزة المرور الدائم والوقوف المباشر أمام المواجهة (الحجرة الشريفة) وتحرم النساء إلا من أطراف الروضة الشريفة وما بعد المنبر الطاهر ! أخبرك (ياسيد الغرّ المحجّلين) أن بعض النساء يرين في الزيارة جهاد، وأن ما يحصل فيها من تكدس وتدافع واختناق هو من أسباب زيادة الأجر؟ فكيف يكون ذلك ؟ قسّمونا إلى أجناس يا رسول الله (مابين عرب وعجم وأفارقة) ولست أدري المغزى من التقسيم ؟ هم لا يفسرون ذلك للزائرات كل بلغته قبل الدخول لأنه بعد طول انتظار لا تظهر الفائدة من التقسيم؟ وقوفاً كنا لساعتين نرى التجاوزات ودخول أفواج لا نعلم من أي جهة أتت !! وياليت قومي يعلمون بأننا صبرنا على (المرشدة رقم 29 التي تحمل بطاقة بلا أسم ولسنا نرى ملامح وجهها وهي تصارخ ؟؟) لأننا فقط قد أشتقنا لك يا رسول الله ، وما عرف هؤلاء حجم الشوق إلى لقياك ! كنا على مسار خطوات ولكن الأجساد الهادرة تقاذفتنا كأوراق الشجرفي فصل خريف وأبينا إلا التشبث والصمود أملاً في الوصول إلى أقرب نقطة بجوار حجرتك الشريفة ، بِاَبي أنت وأمّي ونفْسي وأهلي ومالي وولدي يارسول الله . لكنهم لم يتركونا ولم نقدر، ولم يكتب الله لنا الزيارة بكاملها !

يارب إنك قْلت لنبيّك محمَد صلّى اللهُ عليه وسلم: (وَلَوْ اَنَّهُمْ اِذْ ظَلَمُوا اَنْفُسَهُمْ جاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحيماً). وانَا جئتك لأُصلّي وأسلم عَلَيْك كَما صَلى اللهُ عَلَيْك وسلم تسليماً كثيراً ، وأستغفر الله من كل ذنبٍ علمت به أو لم أعلم .. علّ الله يتوب ويرحم . وأثق أنه يبلغك سلام المسلمين وصلوات المصلّين حيثما كانوا، وقد حرمونا القرب من جوارك متعمدين (سامحهم الله) ، لذا سأقرؤك السّلام عن بُعد ، فالسلام عليك اَيُّها السراج المنير، السَّلام عليك يا مبشِّر، السَّلام عليك يا نَذير. ثم أودّعك وأدعو الله ألا يجعله آخر العهد من زيارتي لك ، لأني سأظل دوماً أحن إلى مسجدك ووجهك الشريف وإلى الشربة الهنيئة التي لا أظمأ بعدها أبداً..

طبت حياً وميتاً يارسول الله ،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي