الله ياخذهم ؟!

لأول مرة أخاطر وأتواجد في مطار الرياض حاملةً تذكرة رحلة غير مؤكدة إلى جدة ، متحدية بذلك نفسي وكل وساطات معارفي المضمونة . قلت لنفسي لأجرب والتجربة خير برهان ! تقدمت بخطوة واثقة إلى موظف (الكاونتر) ذو الوجه المكفهّر لأخبره عن مشكلة حجز المقعد وأنه قد تغير مسار الرحلة بسبب خطأ موظف الحجز (الذي لاأعرف أسمه!). وقد لاح لي بصيص أمل في أسلوب تعامل بعض الشباب في إدارة جديدة أحدثتها السعودية إسمها (علاقات العملاء)، يقابلك أحدهم وتتلمس حرصه على خدمتك (بماء عينيه) وبكل رقي التعامل والبذل اللامحدود ، (أحدهم هذا) يدعى (عبد المحسن العمير) وقد تابع بنفسه أمر الحجز وتعديل المسار وتسليمي بطاقة صعود الطائرة بل واعتذر عن خطأ موظف الحجز وعلى وجهه ابتسامة ، ثم كلّف موظفاً آخر (يدعى مقرن المرشد) لمرافقتي إلى بوابة الاقلاع ، وتلكم والله سابقة لم أعهدها في خدمات خطوطنا السعودية حفظها الله (دون وساطة) !! لم أصدق عيني يا سادة ياكرام وبت أردد (يا ربي حلمّ والا علّم !) وأقرص ذراعي علّني أفيق ! ولكنها هي الحقيقة !

لم أكن لأصدق أن الموظف المسؤول قد خرق قاعدة الخدمة التعيسة والمعتادة من موظفي الخطوط دون تباطؤ، مطبّقاً بذلك إحدى مباديء حل مشكلات العملاء. وأستوعب (بحمد الله) كمسؤول في منظومة (تكثر أخطاؤها) أنه مهما تحسنت الخدمة فلن تتوقف الشكوى لوجود عشرات العوامل التي يمكن أن تؤثر على جودتها، إلا أنه استطاع بمهارات التواصل والقدرة على القيام بإجراء فاعل وفق صلاحياته ، أن يتعامل مع الشكوى بصورة جيدة عبرت عن الرسالة التنظيمية المثلى التي نتمنى أن يعمل بها كل فرد في الخطوط السعودية ومفادها (نحن نهتم بك ونسعى لأن نرضيك).

ولأن الحلو لا يكمل للأسف !! فإليكم ماحصل بعدها (وفي نفس الرحلة) حيث كانت تقف خلفي في باص المطار المزدحم إمرأة تحمل رضيعاً وتجر طفلة. طاف الباص بأرض المطار لمدة 15 دقائق (ونحن واقفات) وأوصلنا إلى طائرة تجثم في أبعد مدرج على وجه الأرض ! ثم تُركنا ننتظر أمام سلّم الطائرة لأكثر من 10 دقائق والأبواب مؤصدة ونحن نراقب السلالم ونحلم بالتقافز عليها (كالسنافر) بغية (أن يخلصونا) ونقلع هاربين ! تلك المرأة التي تقف خلفي متبرمة تحارب الانتظار بالجوال، كانت تخبر أحدهم بنبرة غاضبة أنها (من زمان) لم تسافر إلى جدة وليست تدري هل تغيرت آلية الإركاب واستبدلوا الممرات المباشرة (التيوب) التي تنقلنا من الطائرة بالأتوبيس التعيس ؟! كانت واقفة على رجليها بأولادها والباص مكتظ ، والرجال يحتلون المقاعد والجو حار ! كانت تردد بحرقة (الله ياخذهم.. الله ياخذهم!؟) وأنا لسان حالي يقول (حرام ليس كلهم !!) فقد أثبت لي العكس بعضهم قبل قليل !.

أجزم أن الآلاف من المسافرين قد دعوا هذه الدعوة على (الخطوط السعودية) وعلى ممارساتها التي تفتقر إلى المهنية العالية ؟ كم هو معدل التذمر من مستوى الخدمة التي تُقدم للعميل وكأننا لا ندفع مقابلها مالاً أو أن موظفي السعودية يصرفون على الركاب من جيوبهم !؟ من منا لم تُمارسْ عليه روح التعالي والمنّة عند الوقوف أمام (كاونتر) المبيعات لطلب خدمة ؟ من منا لم يؤلمه حال الباصات المكتظة والمقاعد المهترئة في الطائرة حتى لو كان من أصحاب تذاكر الدرجة الأولى ؟

أليس من المستغرب تأخر ممارسات التحسين في مستوى جودة ما يقدم من خدمات بالرغم من صيحات الانتقاد وخطط التغيير الموعودة !؟ وكيف يتم زيادة الاسطول دون أن يتواكب مع ذلك تطوير المطارات ؟ هناك خلل وعلّة متجذرة عجز عن حلها (إلى الآن) رجالات توالوا على إدارة هذه المؤسسة بلا تأثير يذكر! فمن مطارات مهترئة تفتقر إلى أدنى مظاهر النظافة العامة وتوفر المرافق الملائمة (مطار جدة نموذج) ، إلى تكدس في المسافرين وتأخر الرحلات وتعطيل استلام الحقائب وصولاً إلى الاصرار والترصد نحو تحويل ثقافة السفر ومتعتها المرجوّة إلى خبرة سيئة وتجربة مقيتة في مطاراتنا !!

أسئلتي تحتاج إلى إجابات (أرجوكم) وهي موجهة إلى القائمين على الخطوط السعودية والطيران المدني ومشاريع المطارات وإلى كل مسؤول وإن دنى ... وأثق أن المئات قبلي قد سألوها : متى ستتمكن السعودية من النهوض من كبوتها ؟ من الذي يضع الخطط الاستراتيجية التي لا تسمن ولا تغني من إبداع ؟ متى ستضمن السعودية التعامل مع 80 مليون مسافر على طائراتها سنوياً حسب طبيعته ورغباته ؟ ما الذي يمنعها من التطور والتغيير والإبداع ؟ متى لا نقلق حيال حجز مقعد أو السفر براحة وسلاسة ؟ متى يتم تحسين جو العمل لـ30 ألف موظف ليصبحوا أكثر فاعلية في الأداء ويبتسموا في وجوهنا ؟ ومتى نتلقى الخدمة في أرقى مستوياتها دون فساد ووساطة ومحسوبية ؟ ربما كان (عبد المحسن العمير) نموذج فردي مشرّف ، ولكنّا نأمل ونرجو وننتظر أن يتم تكراره ، فالحال للأسف يعبر عن ثقافة تنظيمية تقادمت... فما تقدمت ولن نيأس من صبرنا عليها.

اللهم (لا تأخذهم) .. بل بدّل أحوالهم إلى خير يليق بمقام وطني "السعودية" .

يارب لو ناديت حياً ... فقد أسمعت...

يارب ... أتمنى الحياة ... لمن أنادي !!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي