الإدارة بالظل والمدير الخفي ؟!

ربما كان مصطلحاً غريباً بعض الشيء في عالم الإدارة والأعمال أن تٌدار (الإدارة يالظل) ! فنحن معتادون على أن يتمتع المدراء بكامل صلاحياتهم بل ويتعدون بالفعل على صلاحيات مرؤوسيهم بحجة إمساك الخيوط والرقابة والمتابعة منتهجين سياسة المركزية والشك في النوايا ، مما يقود إلى الإغراق في البيروقراطية وتعثر أي محاولات للتجديد أو التغيير في دماء الجسد التنظيمي. وفوق كل هذا تبرز الإزدواجية والتضارب الممجوج في الرأي وتتعثر القرارات نظراً لوجود شخص خفي يدير الإدارة بالظل بينما يقبع المدير (مستأسداً) فوق الكرسي دون قيمةٍ إدارية تذكر.

إنّ المفهوم المتعارف عليه للإدارة بالظل يركّز على بناء المهارات القيادية للمدير الجديد عبر التعاون مع متخصصين للتغلب على التحديات غير المتوقعة وتنفيذ القرارات الاستراتيجية في المنظمة. بينما في عالمنا العربي نجد أن الملازمة تتحول إلى ممارسات مكرورة وغير مقنعة للمرؤسين. فبدلاً من أن يلازم المدير شخص لديه الخبرات الأصيلة بغرض إنجاح أهداف وخطط الإدارة، تزداد الاشكالية تعقيداً إن افتقر المدير إلى نضج الرأي والتمييز بين المهم وغير المهم وفقدان مهارة الحزم والثقة في إتخاذ القرارات المستعجلة، مما يشكل قوة ضاغطة على الإدارة في تلك المنظمات تفقدها الاستفادة من شراكة الرأي بين المدير المحنّك والمستشار الخبير. فالمستشير بالنهاية مُعان والمستشار (المزعوم) مؤتمن.. وفي الظل والخفاء وتغليب المصالح الشخصية لن يكون هناك نتاج مثمر.

إن إدارة الخفاء مدمرّة للبنية التنظيمية تترك آثارها السيئة على واقع العمل، فما بين التعقيدات الإدارية وضبابية التعليمات وسيطرة العلاقات الشخصية ولجوء المستفيدين إلى الأبواب الخلفية في مجالات العمل بالإضافة إلى عدم مرونة وواقعية الإجراءات لتضارب مصالح المدير (الفعلي) مع مدراء (الظل)، ستكون النتائج وخيمة لأن من يدير بالظل لا يخضع للرقابة وبإمكانه التهرب من تبعات قرارته .

ولكي تقاوم الإدارات الجديدة هذه الممارسات الخاطئة فإن موضوع الاستشارات (المخفية) يجب أن تنتقل إلى حيّز النور، لأنها إن تمت في الخفاء فهي من أكثر الأمور المسيئة للتنمية الإدارية وتتطلب معالجة تعتمد على السبب والنتيجة. كما يتحتم على أصحاب القرار تسهيل الإجراءات الإدارية للانتقال إلى الجانب الرسمي عبر التوسع الأفقي والتكامل العمودي وتدريب المنضمين الجدد إلى الإدارة وتهيئتهم بما يضمن سلاسة انتقال المسؤوليات ونضج المهارات الإدارية .

ما يهمنا بعد كل هذا هي العدالة في اختيار الكوادر التي تستحق للإدارة (خاصة في القطاع الحكومي) وتشجيع فتح المجالات والفرص أمام الصف الثاني من القيادات للارتقاء وظيفياً وفق الجدارة والكفاية وليس وفق الوساطة والمحسوبية ! هذا لكي يتم القضاء على ظاهرة ضعف (الجديد) وسياسة سد الخلل بمن هم في الظل.

وقد بتنا ولله الحمد نسمع عن قرارات ملكية بإعفاء فلان وفلان إما لتقصيرهم فيما تسنّموا من مهام ومسؤوليات وإما لضرورة ضخ دماء جديدة في المؤسسات تحقق النقلة النوعية وتؤسس لتغيير جوهري يساند النمو الاقتصادي للوطن، فالتنمية واجب اجتماعي ووطني تتجاوز في مفاهيمها البعد الاقتصادي فقط، وتشجيع ممارسات الخفاء لمجرد ضعف قدرات وكفايات المسؤول ورضاه بالتبعية وثقته بأنه (مخلد) في موقعه (محصّن ضد الاعفاء)، وعدم تجهيز من سيتولى بعده ... لن يزيدنا إلا تقدماً إلى الخلف و(تنميةً للتخلف) الإداري في وطننا العربي.

فإلى كل مسؤول مقصّر .. لا يغرنّك (سراب) أعوان الظل، فلا مكان لمن لا يؤدي العمل على الوجه الأكمل، ولم يعد الزمن بانتظار من لا يقدم الجديد لتطوير مؤسسته، والكفاءات الوطنية متوفرة تنتظر منحها الفرص. فإما أداءُ متقنُ ومشرّف دون أشباح الظل وممارسات الخفاء .. وإما رحيل (يعفيكم ) بلا أسف .
وإن غداً لناظره .. قريب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي