Author

سلمان بن عبد العزيز .. موسوعة التاريخ

|
بمناسبة مبايعة الأمير سلمان بن عبد العزيز بولاية العهد لا أستطيع تجاوز رمزية المفارقة التاريخية في سيرة الأمير سلمان الثقافية، فيوم ميلاده هو الخامس من شوال الموافق للذكرى الخامسة والثلاثين لذلك اليوم التاريخي المشهود لاسترداد والده الملك عبد العزيز الرياض سنة 1319هـ، ذلك الاسترداد الذي كان اللبنة الأساسية في تأسيس المملكة العربية السعودية، ففي هذا اليوم التاريخي ولد سلمان بن عبد العزيز، فهل يكون في ذلك التاريخ سر التاريخ الذي يفسر شغف هذا الهمام بالتاريخ وتعلقه به حتى كان المهندس لاستحضار أحداث ذلك اليوم التاريخي في نفوس أبناء المملكة بعد مرور 100 عام في سنة 1419هـ، شاكرين الله على نعمائه بقيام دولة التوحيد التي تستمد منهجها من كتاب الله ورسوله في ظل شجرة آل سعود المباركة التي تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ وتتفرع أفنانها إلى سماء العزة إذا غاب منها سيد قام سيد. لقد حرص سلمان بن عبد العزيز بسبب بعد نظره وحسه العالي وهمته المتوقدة على ترسيخ العمق العلمي والثقافي الخالد لتلك الذكرى الاحتفالية بمئوية التأسيس، فكان ثمرة الإنجاز التاريخي للأجيال نشر 65 كتاباً عن المملكة العربية السعودية والملك عبد العزيز، منها 13 كتاباً من الكتب التي سبق أن أمر الملك المؤسس بطباعتها على نفقته الخاصة. وشاركت في هذه المناسبة جميع الجهات الحكومية والجامعات ومراكز البحث العلمي في نشر إصدارات علمية عديدة، حيث بلغ مجموع ما تم نشره أكثر من 400 إصدار علمي، إضافة إلى إلقاء 160 ندوة ومحاضرة، وإقامة 60 معرضاً للكتاب والصناعات، إلى جانب الأفلام الوثائقية والنشاطات الثقافية الأخرى، وشهدت الرياض مؤتمراً علمياً عالمياً بعنوان: (مؤتمر المملكة العربية السعودية في 100 عام) نوقش فيه ما يقارب 200 بحث ودراسة بمشاركة المتخصصين والمهتمين في الداخل والخارج. وتلك الإنجازات كانت أضخم تظاهرة حضارية تتعلق بالبحث والنشر في تاريخ المملكة العربية السعودية تسجل بأحرف من نور في سجل الإنجازات المجيدة والفريدة للأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع اليوم - حفظه الله - وسدد على الخير خطاه. وإذا كان الملك عبد العزيز - رحمه الله - ينظر إلى أخيه الأمير عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - على أنه عالم آل سعود وأديبهم وفقيههم، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ينظر من المنظار نفسه تقريباً إلى أخيه الأمير سلمان بن عبد العزيز، لذا فقد رفع طلبه عندما كان ولياً للعهد إلى الملك فهد بن عبد العزيز بتعيين الأمير سلمان رئيساً لمجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز بسبب ما يعرفه من مواهبه الفكرية وثقافته الواسعة واهتماماته التاريخية. وقد أشار الأمير سلمان إلى ترشيح خادم الحرمين الشريفين له للاضطلاع بهذه المهمة، وذكر أنه يعلن ذلك لأول مرة، وذلك في حفل توزيع جائزته ومنحته لدراسات تاريخ الجزيرة العربية يوم الأحد 15 جمادى الآخرة 1433هـ. وإذا كان الحديث عن تجليات الأمير سلمان في القيادة والإدارة والتنمية والحضارة والبناء والتطوير والسياسة والفراسة لا ينتهي امتداداً وإشراقاً فإني سأقتصر في هذه الشذرات على بعض الصور المتصلة بالعلم والثقافة من خلال نافذة التاريخ في سيرة هذا الأمير الفخمة كفخامة صاحبها والمتضمخة بأريج الأمجاد وشموخ الأطواد. #2# المنطلق الثقافي لقد عني الملك المؤسس بتربية أبنائه عناية شديدة، كما حرص على تدريبهم على فنون الفروسية والرماية، فقد كان أحرص الناس على تنشئتهم تنشئة دينية علمية تستلهم ميراث الأسرة السعودية التاريخي في مناصرة الدعوة والتزام الشريعة الإسلامية السمحة في شتى مناحي الحياة. وكانت مجالس الملك عبد العزيز التي لا يغيب عنها أبناؤه عامرة بتلاوة القرآن والذكر والدروس العلمية اليومية التي يقرأ فيها (تفسير القرطبي)، و(الآداب الشرعية)، و(البداية والنهاية) وغيرها من أمهات الكتب، وتلك طريقة قديمة في مجالس آل سعود يتناقلها الخلف عن السلف، من هنا نجد الأمير سلمان يتحدث عن والده قائلاً:" أذكر عندما كنت صغيراً أنه كان يتابعنا دائماً في جميع الأمور، خاصة الصلاة والدراسة، إذ كنا نصلي جميع الفروض معه، وخصص - رحمه الله - غرفة خاصة في قصر المربع ليحجز فيها كل من يتخلف عن الصلاة معه بما في ذلك صلاة الفجر.. وكنا نهاب عدداً من الرجال من خاصته الذين كان يكلفهم بإيقاظنا ومتابعتنا يومياً في أداء الصلاة من هيبة الوالد ...". لذا حرص الملك عبد العزيز حينما أمر بتأسيس مدرسة الأمراء سنة 1356هـ على وضع منهج للدراسة يغرس في أبنائه الروح الدينية لتهيمن على نفوسهم، ونص على تفسير القرآن قائلاً:"أريد أن يفهم أبنائي معنى ما يقرؤونه من القرآن ليكون ذلك أدعى إلى العمل، فالعلم بلا عمل لا فائدة منه"، وكان من توجيهاته إلى الشيخ عبد الله خياط مدير مدرسة الأمراء الاعتناء باللباب وترك القشور، فوِضع المنهج لأبنائه في هذه المدرسة وفق تخطيطه، وكان هذا المنهج في واقعه أفضل ما في مواد المنهج الابتدائي موصولاً بمواد المنهج الثانوي، بل بمواد التعليم العالي لشموله مواد التفسير والحديث والفقه واللغة العربية والتاريخ الإسلامي إلى جانب اللغة الإنجليزية والعلوم الرياضية. #3# أما المنهاج التربوي في هذه المدرسة فقد وضع الملك قاعدته لمدير المدرسة الشيخ عبد الله خياط بقوله:" أنا علمت أنك شديد، وأنا أشير عليك بألا تضرب العيال طبعاً من أول مرة لأنهم ينفرون منك، أما إذا درجوا على المدرسة وألفوا التعليم وأخمل أحدهم فأدبه، وإذا تأخر أحد منهم عن المدرسة ساعة فأخره بعد إخوانه ساعتين، وإذا قصّر أي منهم في أداء الواجب فأخّره حتى يكمل القاصر عليه". فهذه التوجيهات التعليمية والتربوية لهذا الملك العبقري رغم بساطتها فما هي في مضمونها إلا التعليمات التي تطالب بها نظريات التربية الحديثة اليوم ولا غرو أن مدرسة الملك عبد العزيز مدرسة نادرة تخرج فيها أبناؤه الميامين ليخلفوه حكاماً وقادة لهذا الصرح الشامخ الذي أسس قواعده على الدين الحنيف. #4# #5# سلمان في مدرسة الأمراء انتظم الأمير سلمان في مدرسة الأمراء، تلك المدرسة التي كان أكبر من انتظم فيها من أنجال الملك الأمير بندر الذي التحق بها وهو في منتصف العقد الثاني، وكان لمناسبة ختم القرآن الكريم منذ زمان الكتاتيب شأن عظيم عند أهل نجد عامة وعند الأسرة المالكة خاصة، لذا كان ختم أحد أبناء الملك تلاوة القرآن حدثاً استثنائياً بهيجاً تقام فيه الاحتفالات وترفع فيه التهاني والتبريكات إلى الملك المؤسس، وفي صباح يوم الأحد الموافق 12 شعبان 1364هـ احتفلت مدرسة الأمراء بختم الأمير سلمان تلاوة القرآن الكريم وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، وشرف الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة ولي العهد الأمير سعود ومعه الأمراء خالد وناصر وسعد وبندر ومشعل وسلطان أبناء الملك عبد العزيز وفيصل بن سعد وفهد وعبد الله أبناء محمد بن عبد الرحمن وفيصل بن تركي وكذلك أخوال الأمير سلمان آل السديري تركي وعبد الله وعبد العزيز ومحمد ومساعد، وأشارت جريدة "أم القرى" في عدد رقم 1066 بتاريخ 24 شعبان 1364هـ إلى هذا الاحتفال ذاكرة تفاصيله، حيث تلا الأمير سلمان في ذلك اليوم آخر حزب بقي عليه من القرآن وأعقبه شقيقه الأمير تركي بتلاوة دعاء ختم القرآن الكريم ليتقدم بعد ذلك للخطابة كل من الأمراء عبد الرحمن ومتعب وطلال ومشاري وبدر وتركي ونايف وغيرهم من الطلاب مرحبين بولي العهد وشاكرين له ومهنئين للأمير ختم القرآن ليسلّم ولي العهد بعد ذلك الأمير سلمان جائزته بهذه المناسبة، ومما جاء في خطبة الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - في ذلك اليوم قوله: ".. ولا يفوتني أن أثني على الجهود التي بذلها الأخ سلمان في دراسته للقرآن الكريم حتى أصبح - بحمد الله - في عداد الخاتمين، وأسأل الله أن يحفظ لنا جلالة الوالد المعظم ويحميكم يا صاحب السمو وجميع الأسرة من كل سوء". ومنذ ذلك التاريخ لم تنقطع علاقة الأمير سلمان بن عبد العزيز بالقرآن إلى اليوم، فهو الرئيس الفخري للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في منطقة الرياض وراعي أنشطتها وبرامجها، وكان المتبرع ببناء أول مقر للجمعية بعد تأسيسها سنة 1387هـ، كما أن وزارة الشؤون الإسلامية تنظم سنوياً مسابقة تحفيظ القرآن الكريم على جائزة باسمه. الكتاب في حياة سلمان للأمير سلمان بن عبد العزيز علاقة وثيقة ووشائج متصلة وقديمة بالقراءة عموماً وبالكتاب خصوصاً كرمز خالد للمعرفة والاطلاع، من هنا تشكلت لديه روح الاطلاع الدائمة فما يصدر كتاب في الداخل أو في الخارج إلا ولديه معلومات عنه، وما ينشر مقال أو موضوع في الصحافة إلا وهو على علم به، خاصة ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية وتاريخها وآدابها وتراثها، التي هي محور اهتمامه ومحل عنايته. وتعد مكتبة الأمير سلمان الخاصة الواقعة في قصره في المعذر من المكتبات النادرة التي تعطي برهاناً واضحاً على علاقته المتجذرة بالكتاب، ولأمين مكتبة الملك فهد السابق علي الصوينع دراسة وافية عن هذه المكتبة نشره في مجلة مكتبة الملك فهد في شوال 1419هـ أشار فيها إلى أن تاريخ المكتبة يعود إلى البدايات المبكرة لاهتمامات الأمير بالقراءة والكتب وحرص على تنميتها منذ صغره بعد تلقيه تعليمه الأساسي، كما أن قدرات الأمير الذاتية النابهة وحبه المتأصل للاطلاع والمعرفة حفزته إلى اقتناء الكتب والحفاظ عليها، وفي حين يشير الصوينع إلى أن إجمالي عناوين المكتبة أكثر من 10600 عنوان يؤكد الدكتور عبد اللطيف الحميد في السيرة التوثيقية التي نشرها عن الأمير سلمان سنة 1430هـ نقلاً عن أمين المكتبة منصور مهران أن عدد العناوين تضاعف في خلال عشر سنوات، حيث بلغ في نهاية شهر صفر 1429هـ 19100 عنوان، ولا شك أن عددها اليوم أكثر من ذلك بكثير، حيث يتم سنويا تزويدها بمئات العناوين إهداء وشراء، وتحتوي هذه المكتبة على أمهات الكتب والموسوعات والأعمال المرجعية في العلوم الدينية والتاريخ والتراث العربي والإسلامي وكذلك العلوم السياسية والإدارية والتاريخ المحلي والشؤون العربية والدولية وكذلك كل ما يتعلق بتاريخ المملكة العربية السعودية القديم والحديث وسيرة الملك عبد العزيز وكتب التراجم والرحلات والمذكرات والأدب والشعر وغيرها من المجالات والمكتبة مفهرسة بالكامل فهرسة إلكترونية. والحقيقة أن علاقة الأمير سلمان بالكتاب لا تتوقف عند القراءة والاطلاع أو الشراء والاقتناء، بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك فله اليد الطولى في مجال دعم طباعة الكتب ونشرها سائراً على خطى والده في سبيل نشر العلم والمعرفة وتشجيع الكتاب والمؤلفين ابتغاء الأجر والمثوبة من الله - عز وجل - وهي قائمة طويلة لا يتسع المجال لسردها، لكنها بدأت منذ وقت مبكر يمتد إلى ما قبل سنة 1386هـ، لكن سنعرض أبرز هذه الكتب التي طبعت على نفقته وفقاً لما أورده الحميد وغيره: وتمتد صلة الأمير بالقراءة والكتاب إلى النقد والتعقيب والاستدراك والتوضيح، مما يعكس عمق ثقافته ووعيه، لعل أبرز ما نشر في هذا الشأن تعقيبه على الدكتورة سعاد محمد الصباح حول كتابها: "مبارك الصباح: مؤسس دولة الكويت الحديثة"، الذي نشر في جريدة "الرأي" الكويتية، وسنعرض هنا فاتحة التعقيب كدلالة على رؤيته الواسعة حين يربط بين أحداث التاريخ ويعمل على تحليلها بصفتيه الاعتبارية والشخصية حيث قال: " .. عندما يكتب تاريخ الكويت فإن من أهم الجوانب التي سيتم تناولها هو علاقة ذلك التاريخ وتكامله مع تاريخ المملكة العربية السعودية، فالكويت والمملكة العربية السعودية بلدان شقيقان تحكمهما أسرتان مرتبطتان نسباً وتاريخاً وعلاقة ممتدة الجذور قوية التلاحم خاصة في عهد الملك عبد العزيز وأبنائه سعود وفيصل وخالد وفهد - طيب الله ثراهم، وإلى يومنا هذا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وأخيه الشيخ صباح الأحمد الجابر آل صباح، حفظهما الله، كما أن المجتمع السعودي والمجتمع الكويتي نسيج واحد، ولا يكاد يذكر اسم أسرة في الكويت إلا تجد لها امتداداً داخل المملكة العربية السعودية، وهذا يدل بلا شك على العمق الاجتماعي والتاريخي بين سكان البلدين، وعندما انتهيت من قراءة ما نشرتموه تبين لي أن هناك ضرورة لإحاطة القراء الكرام ببعض الملحوظات لتصحيح بعض المعلومات والأخطاء التي وردت في تلك الحلقات التي تناولت العلاقات بين الملك عبد العزيز والشيخ مبارك، والتي أُبرز بعضها بخطوط عريضة وهي غير دقيقة. وما دفعني إلى التنبيه إلى هذه الملحوظات أمران: أولهما: لكوني رئيساً لمجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز التي تهدف إلى خدمة تاريخ المملكة العربية السعودية والخليج العربي والجزيرة العربية والعالم العربي والإسلامي والوصول إلى تسجيل ذلك التاريخ بصورته الحقيقية عن طريق التثبت والرجوع إلى المصادر الموثوقة، وثانيهما: باعتباري أحد أبناء الملك عبد العزيز ومواطناً سعودياً يهتم بتاريخ وطنه والتاريخ بصفة عامة". ورجل بهذا الوعي والرقي لا غرابة أن يقف خلف كل منجز ثقافي مميز كإنشاء مكتبة الملك فهد الوطنية التي أصبحت بعد ذلك الجهة الرسمية المسؤولة عن اقتناء الإنتاج الفكري وتنظيمه وضبطه وتوثيقه والتعريف به ونشره في المملكة العربية السعودية، ولا غرابة أن تطلق أكبر الجامعات السعودية بعد ذلك اسمه على مكتبتها المركزية التي تعد أكبر المكتبات الجامعية لدينا. خزانة التاريخ لقد جاء تأسيس دارة الملك عبد العزيز لتكون مؤسسة علمية وثقافية تعنى بخدمة تاريخ المملكة العربية السعودية، ومنذ إنشائها عام 1392هـ/ 1972 سعت وبدعم القيادة الرشيدة إلى تبني العديد من البرامج والأنشطة التي ترمي إلى جمع المصادر التاريخية الوطنية وحفظها ورعايتها، وتقديم الخدمات العلمية المتخصصة للمهتمين والباحثين والباحثات داخل المملكة العربية السعودية وخارجها. لكن بعد أن تولى الأمير سلمان رئاسة مجلس إدارتها بترشيح شخصي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كما أشرنا آنفاً، وصلت إلى ذروة عطائها وقمة نشاطها بفضل الله ثم توجيهاته ومتابعته المتواصلة لكل ما من شأنه إتاحة المساحة لها لخدمة التاريخ الوطني الذي هو جزء مهم من تاريخ الجزيرة العربية والتاريخ الإسلامي والعربي، ووصلت تحت رعايته واهتمامه إلى أرقام كبيرة في إنجازاتها سواء في مجال النشر الذي تجاوز 300 إصدار أو في مجال المحافظة على المصادر التاريخية التي تجاوزت أربعة ملايين وثيقة، وثلاثة آلاف مخطوط محلي، وخمسة آلاف تسجيل شفهي أو في عدد الاتفاقيات العلمية مع المراكز البحثية المماثلة، أو في عدد العضوية مع الجمعيات العربية والعالمية ذات الاهتمام، أو في نسبة القرارات المنفذة في وقت قياسي وبنوعية تحقق أقصى المعايير العلمية، ما جعلها محل ثقة الأوساط العلمية في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، وجعل منها ملتقى للأفكار والأعمال التي تخدم التاريخ ومآثره المعرفية. ويعدّ أمين عام دارة الملك عبد العزيز قرار تعيين الأمير سلمان رئيسا لمجلس إدارة الدارة قراراً تاريخياً ومفصلياً في مسيرة الدارة، أدى إلى فتح أبواب الدارة للجميع، وحقق النوعية والشمولية في كل نشاطاتها المنبرية والميدانية والبحثية، ويرى أن سلمان بن عبد العزيز بلا شك مؤرخ الدولة السعودية وعاشق التاريخ بوعيه العميق ورؤيته الثاقبة. ولقد سنّ الأمير سلمان بن عبد العزيز قدوة حسنة للباحثين والباحثات والمواطنين كافة، حين بادر بإهداء عدد من المخطوطات والوثائق التاريخية النادرة لدارة الملك عبد العزيز وإيداعها في خزانتها العلمية في دعوة عملية لأصحاب تلك المصادر التاريخية للتعاون مع الدارة في المحافظة على هذه الثروة العلمية الوطنية بصفتها من مآثر المملكة العربية السعودية وتاريخها العريق، ولكونها وعاء معلومات مهما يساعد حركة البحث العلمي على الدرس والاستقراء في الجوانب العلمية وفي جانب تاريخ العلوم والفنون المختلفة في الجزيرة العربية، وهي في المقابل خطوة منه للتعبير عن أن دارة الملك عبد العزيز هي الحافظ الأمين للمصادر التاريخية بمختلف أشكالها، وأن هذه المؤسسة العلمية على أتم الاستعداد لنقل همّ المحافظة على مصادر التاريخ المختلفة من الهم الفردي الخاص إلى العمل المؤسسي المنظم وتحمل تكاليف الجهد والوقت والمال لهذا الدور العلمي الوطني الخالص. وكان قد قدم للدارة مخطوطة نادرة لكتاب "المقنع في الفقه" لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن محمد بن قدامة نسخها بخط يده الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ عام 1220هـ / 1805 وطبعتها الدارة ضمن إصدارتها، كما أهدى الأمير سلمان وثيقة تاريخية أصلية ونادرة جداً هي رسالة من الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى سليمان باشا تحمل ختمه - رحمه الله - نسخت في يوم 14/11/1225هـ. وكان لإيداع الأمير سلمان مصادر تاريخية نادرة وثمينة في خزانة الدارة أثر كبير في الأوساط العلمية والاجتماعية، حيث توالت من كثير من المواطنين من جميع مناطق المملكة العربية السعودية رغبات إيداع لمخطوطات ووثائق وأوراق قديمة لدى الدارة اقتداءً به، الذي لم يضن بما لديه على الدارة، في إشارة منه إلى أن المصادر التاريخية ملك خاص في أوراقها وملك عام في مادتها العلمية. ويسعى الأمير سلمان إلى توجيه ما يهديه باحثون ومؤرخون ومهتمون بالتاريخ من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها من مخطوطات ووثائق تاريخية إلى الدارة إيماناً منه بأن الدارة هي المكان الأمين لحفظ المصادر التاريخية والمؤسسة المؤهلة بكوادرها البشرية وخبرتها وأجهزتها المتقدمة للتعامل مع تلك النفائس، وتحتفظ الدارة أيضاً بمجموعة من الوثائق والمخطوطات كان قد قدمها للدارة أيضاً منها: مصحف محلي كامل مكتوب بخط النسخ وعليه تاريخ النسخ سنة 1220هـ، وهو بخط أسود وأحمر من أول سورة الأعراف حتى قصة قوم لوط - عليه السلام - مجدول ومذهب ومزخرف بزخارف بديعة وألون زاهية، ومخطوط "طريق الهجرتين وباب السعادتين" لابن قيم الجوزية، ونسخة من مخطوطة من "كتاب التوحيد" للشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، ومخطوط "مختصر الشيخ خليل"، ورسالة من الشيخ سليمان بن سحمان إلى محمد بن عبد الرحمن الفاخري وغيرها. ومن أبرز المحطات التاريخية الأخرى التي شيّدها ولي العهد في طريق قطار العلم والتاريخ الوطني: 1 ـ جائزة ومنحة الأمير سلمان السنوية لدراسات تاريخ الجزيرة العربية. 2 ـ كرسي الأمير سلمان للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية. 3 ـ كرسي الأمير سلمان لدراسات تاريخ المدينة المنورة في الجامعة الإسلامية. 4 ـ كرسي الأمير سلمان لدراسات تاريخ مكة المكرمة في جامعة أم القرى. 5ـ جائزة الملك عبد العزيز للكتاب. 6ـ جائزة الأمير سلمان لطلاب الدراسات العليا في المجالات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية. آراء وأفكار تاريخية لولي العهد الأمير سلمان عدد من الآراء والأفكار المنشورة في وسائل الإعلام تناول فيها بعض القضايا التاريخية بالتوضيح والبيان، وهو يرى ألا يترك تاريخنا الوطني ساحة مفتوحة للآراء التي لا تعتمد على دليل أو الاستنتاجات التي تعتمد على نقل غير موثق أو رأي ظني فقط في ظل وجود دليل، لذلك فقد اعتاد الباحثون على أن يكون له القول الفصل إذا كثر الخوض في مسألة من المسائل التاريخية خاصة المتعلقة بتاريخ الدولة أو حكامها، والحقيقية أن رجل الدولة الواعي بالتاريخ المستلهم لوقائعه وأحداثه يثير الإعجاب في رؤيته المختلفة للمعضلات وفي تعامله الحذر مع المشكلات، لأن الذاكرة التاريخية تسعفه بمنظومة فكرية تساعده على التعاطي مع الأمور بصورة إيجابية، ومن أبرز تلك المسائل التاريخية التي طرقها الأمير سلمان في السنوات الأخيرة: 1 ـ الدولة السعودية يشير الأمير سلمان في إحدى محاضراته إلى مقومات الدولة السعودية ومنهجها قائلاً: "قامت دولتنا على الكتاب والسنة وليس على قومية ضيقة أو عصبية مقيتة، وهذا جعلها هدفاً للأعداء الذين حاولوا وما زالوا يحاولون سلخها من عقيدتها لأنهم يعلمون أنه متى ما تخلت عنها فإن ذلك إعلان صريح بزوالها، ولا شك أن أعداء أساس هذه الدولة هم الذين يغالون ويتطرفون باسم الإسلام وهو منهم براء ويصبحون أداة هدم وإرهاب، أو أولئك الذين يؤيدون أسلوب التحرر من الدين ومبادئه وينادون بالتخلي عنه وديننا يحثنا على الوسطية وهي لا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء". 2 ـ مصطلح الوهابية أطلق الأعداء مصطلح (الوهابية) لتشويه تاريخ الدولة السعودية ومبادئها، وربطها بتلك الفرقة المنحرفة في عقيدتها التي ظهرت في الشمال الإفريقي نسبة إلى عبد الوهاب بن رستم في القرن الثاني الهجري، وفي محاضرة بعنوان "الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية" ألقاها الأمير سلمان مساء يوم الثلاثاء 24/4/1432هـ في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، قال موضحا ذلك بما نصه: "لا شك أن قيام الدولة السعودية الأولى وانتشارها الواسع في شبه الجزيرة العربية ونجاحها في إرساء الاستقرار والأمن والحكم الرشيد أدى إلى النقمة عليها، لذا بدأ البعض بإطلاق مصطلح الوهابية على تلك الدعوة لتنفير المسلمين من هذه الدولة ومبادئها الصحيحة، وأنا هنا أدعو الجميع إلى العودة إلى تراث الشيخ محمد بن عبد الوهاب والبحث في ثناياه عن أي شيء يخالف الكتاب والسنة النبوية المطهرة، ولن يجدوه، أين الجديد أو الاختراع في هذه الدعوة حتى يطلقوا عليها أشنع الألقاب والصفات؟! ويصموها بأنها تتضمن أشياء غريبة خارجة عن الدين الإسلامي؟ قال الملك عبد العزيز - رحمه الله - كما جاء في صحيفة أم القرى: "يسموننا الوهابيين، ويسمون مذهبنا الوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض .. نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح. ونحن نحترم الأئمة الأربعة لا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة". 3 ـ العوجا كثر الخوض في مفهوم نخوة آل سعود (أهل العوجا) وتاريخها فانبرى الأمير سلمان مفصلاً المسألة حيث استعرض الآراء كافة وفندها ثم ساق الشواهد والأدلة ليصل إلى النتيجة بقوله: ".. ومن خلال الرجوع إلى هذه الأبيات ومن خلال ما أعرفه شخصياً عن هذا الموضوع فإنه ليس لدي شك أن العوجا هي الدرعية التي كانت نخوة لأسرة آل سعود ثم لأهل العارض جميعاً ثم امتدت لتشمل نواحي الدولة السعودية والمملكة العربية السعودية وهذه النخوة (العوجا) ترتبط بالمكان وهي الدرعية وبالدعوة التي على أساسها قامت الدولة السعودية وعاصمتها الدرعية..."، وأصدرت دارة الملك عبد العزيز بعد ذلك كتابا عنوانه (أهل العوجا) حققت فيه المسألة. وبعد: ما زال كتاب التاريخ مفتوحاً وما زال سلمان بن عبد العزيز يكتب في صفحاته سيرته الخالدة، حفظ الله بلادنا وأطال في عمر قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي خصه بثقته واختصه عضداً له، وأعان الله ولي العهد الأمين على حمل المسؤولية التي لم يتخل عنها يوماً ووفقه لما يحب ويرضى. المراجع: 1ـ ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز/سلمان بن عبد العزيز 2ـ شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز/ خير الدين الزركلي 3ـ لمحات من الماضي/عبد الله عبد الغني خياط 4ـ أهل العوجا/ د. فهد السماري 5ـ سلمان بن عبد العزيز آل سعود :سيرة توثيقية/د.عبد اللطيف الحميد 6ـ موقع دارة الملك عبد العزيز http://www.darah.org.sa/ 7ـ جريدة أم القرى، مجلة مكتبة الملك فهد، مجلة اليمامة.
إنشرها