دروجبا.. اتجاه جديد للانتقال الاحترافي في كرة القدم

دروجبا.. اتجاه جديد للانتقال الاحترافي في كرة القدم

يظهر في الصورة الفوتوغرافية، طفل يقف إلى جانب والديه اللذين يبدو عليهما القلق في مطار أبيدجان، في ساحل العاج. انتقل الطفل البالغ من العمر خمس سنوات للحياة مع عمه، لاعب كرة القدم المحترف، في فرنسا. ومرت الرحلة الطويلة بمزيج من الأسى والدموع، في الوقت الذي كان يلعب فيه الطفل بلعبته المفضلة.
كان دروجبا، الذي أتم عامه الـ 34، هو الفائز بالمباراة عندما فاز فريقه تشيلسي بكأس دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخ النادي الإنجليزي العريق. وسجل دروجبا هدف الترشح لتشيلسي، وبعد ذلك أحرز ضربة الجزاء الحاسمة التي فاز بها الفريق الإنجليزي. ''نهائي دروجبا''، كما سيتم تذكره بكل تأكيد، أثبت آخر مباراة لعبها بعد قضائه ثمانية مواسم في إنجلترا مع نادي تشيلسي. وقال دروجبا إنه سيترك النادي، وصرح بأن نادي شنغهاي شينخوا يأمل في أن يحصل على توقيعه. ومنذ تلك الرحلة من أبيدجان، أصبحت حياة دروجبا المهنية حالة دراسية حول كيفية إدارة الانتقال في الاحتراف الحديث (كرة القدم أو غيرها). وإذا ما أنهى حياته المهنية كلاعب كرة قدم في الصين، فمن الممكن أن يضع اتجاها جديدا في الانتقال في كرة القدم.
وكان هذا الطفل البالغ من العمر خمس سنوات مُحقًا في خوفه من ترك وطنه. وفي فرنسا، كان عمه يغير كثيرًا من الأندية التي يلعب فيها، وكان دروجبا يغير مدرسته كل عام تقريبًا، وعادة ما يكون هو الطفل الأسمر الوحيد في الفصل. وعندما وصل إلى سن المراهقة، خسر والده وظيفته في أحد البنوك في أبيدجان، وانضمت العائلة إلى الطفل في أحد ضواحي باريس. وعاشت عائلة دروجبا المكونة من ثمانية أفراد في شقة مساحتها عشرة أمتار. ويقول دروجبا في سيرته الذاتية ''لقد كانت تشبه خزانة الملابس الكبيرة. لقد كان الأمر صعبا، بل صعب جدًا ويقود إلى الغضب الشديد''.
قام دروجبا بتطوير نفسه في وقت متأخر كلاعب كرة قدم. في سن الـ 23 كان يعتبر تقريبا بديل لاعب بديل في نادي لو مانس الفرنسي الذي يلعب في دوري الدرجة الثانية. ولم يلفت دروجبا انتباه المدير الفني لنادي آرسنال آرسين فينجر، ولكن فينجر أعرب عن أسفه أنه لم يراهن على هذا المهاجم قوي البنية الذي يشبه لاعبي الملاكمة في الوزن الثقيل.
وبدلاً من ذلك، انضم دروجبا إلى فريق القرية القوي في جانجام، وبعدها التحق بفريق أوليمبك مارسيليا الذي حقق فيه نجاحات كبيرة، ولكن بعد انضمامه بفترة طويلة. وفي عام 2004، طلب نادي تشيلسي التعاقد معه. ولكن يقول دروجبا في مذكراته ''إن تشيلسي لم يكن هو النادي الذي يرغب في الإنضمام إليه.'' وعلى الرغم من هذا، كان نادي مارسيليا يحتاج إلى مبلغ 24 مليون جنيه استرليني الذي عرضه نادي تشيلسي آنذاك مقابل انتقال دروجبا إلى صفوفه، وأخبره وكيله أنه من الغباء رفض الراتب الأسبوعي المعروض عليه. ويعترف دروجبا ''لقد وقعت لنادي تشيلسي وأنا أشعر بالاشمئزاز''.
ومثلما كان الحال وهو في سن الطفولة، لم يكن الانتقال أمرًا طبيعيًا له، فقد كان يتحدث الإنجليزية بصعوبة بالغة. ومن ثم فإن أندية كرة القدم بالكاد ما تساعد اللاعبين الأجانب الذين يوقعون لها. فعندما ينتقل كبار المديرين التنفيذين إلى بلد أخرى، يقوم ''مستشار التوطين'' عادة بمساعدة عائلاتهم على إيجاد مدارس ومنازل لذويهم، وتعليمهم القواعد الاجتماعية لهذا البلد الجديد. ولكان في كرة القدم، فإن اللاعبين الأجانب عليهم أن يناضلوا بمفردهم. ويقول دروجبا: ''لقد دخلت في مشكلات تتعلق بموقفي كلاعب مغترب، حيث لم يقم النادي الإنجليزي بمساعدتي''. لم يوفر النادي مدرسة لطفله. وبالنسبة للسكن، فقد أرسله النادي إلى أحد وكلاء العقارات الذي حاول إيجاد منزل له مقابل عشرة ملايين جنيه استرليني. وبعد أسابيع من البحث، عاشت الأسرة في فندق، بينما ظل دروجبا يبحث عن مكان للسكن بعد انقضاء التدريب.
ويكتب دروجبا في مذكراته ''إن كل اللاعبين الأجانب الذين وقعوا مع نادي تشيلسي كان لديهم المشكلة نفسها تقريبًا. لقد كنا نضحك بسببها... أنت أيضًا لا تزال تسكن في فندق؟ وبعد كل هذا لم أشعر بالانددماج في نادي تشيلسي، أو بالقدرة على مضاعفة جهودي''. وأكثر من ذلك فقد كافح دروجبا للتأقلم ثقافيًا في إنجلترا. وفي أول مقابلة في إنجلترا، اعترف دروجبا بأنه كان في بعض الأحيان ''يغوص'' من أجل إقناع الحكام بأنه تمت عرقلته - وهو خطأ في عرف كرة القدم الإنجليزية.
ومع ذلك بدأ دروجبا في التأقلم سريعًا مع الوضع. حيث تعلم الإنجليزية، ومثل معظم المغتربين المحترفين في لندن، استطاع الحصول على منزل في بلد الضباب. وتطورت حياته المهنية حتى أصبح لاعبًا عالميًا، حتى أنه استأجر ذات يوم طائرة خاصة من أجل أن يذهب إلى دكتور الأسنان المعالج له في باريس، وعندما تم إلغاء موعد طبيب الأسنان، سافر دروجبا إلى ميلان لحضور حفلة هناك.
يحتاج لاعبو كرة القدم حاليًا إلى هذه المهارات من أجل الانتقال. ولكن الجمهور عليه أيضًا أن يعتنق تلك الثقافات المختلفة. وبعد فوزه بعشر بطولات مع النادي الإنجليزي العريق، أصبح دروجبا نجما شعبيا محبوبا في غرب لندن، وكان نجما محبوبا في موطنه، ساحل العاج، حيث كان يتم تسمية بعض الأطفال باسمه ''ديديه دروجبا''. وبينما كان يحمل الشعلة الأوليمبية من خلال سويندون في الشهر الماضي، فقد احتشد حوله العديد من المشجعين. ويعرف مشجعو تشيلسي أنه بإمكانهم أن يمتلكوا فريقا إنجليزيا جيدا، أو فريقا ممتازا ولكنهم دائمًا ما يفضلون الامتياز. ويحذر النقاد من أن المشجعين الإنجليز عادة ما يتحولون ضد فرقهم بسبب عدم إخلاص النجوم الأجانب. ومع ذلك، تمتلئ المدرجات بالمشجعين. حيث يتبنى المشجعون هولاء اللاعبين. فهم لا يريدون من اللاعبين الموت من أجل شارة النادي، ولكن كل ما يريدونه منهم هو الالتزام، والأداء الجيد.
واختار دروجبا اللحظة المناسبة لترك النادي. ونظرًا لكونه أكبر مهاجم، ووصوله إلى أعلى مستوى له كلاعب محترف، فإنه لن يستطيع بعد ذلك أن يؤدي بالقوة نفسها كل أسبوع، ولكنه أصبح لاعبًا كبيرًا صاحب مستوى عال جدًا، ووصل إلى ذروة مستواه في العديد من المباريات مثل المباراة التي تمت السبت الماضي.
إن الانتقال إلى الصين قد يكون خطوة ذكية، أيضًا. وفي شهر كانون الثاني (يناير) انتقل نيكولاس أنيليكا من نادي تشيلسي إلى نادي شينغهاي، حيث تضاعف مرتبه ليصل إلى نحو 200 ألف جنيه استرليني في الأسبوع. كذلك صاموئيل إيتو، الذي يتقاضي راتبًا أكبر في روسيا، من المحتمل أن يكون هو أعلى اللاعبين أجرًا في العالم. وبصورة متزايدة، بالنسبة للمشجعين، فإن الرواتب الكبيرة تكون خارج معقل كرة القدم التلقيدية في غرب أوروبا. وفي الوقت الراهن، لا يغادر غرب أوروبا سوى اللاعبين الكبار من أمثال دروجبا. إلا أن الأندية في روسيا، والصين، والبرازيل يمكن أن تقوم بإغراء النجوم الصغار من اللاعبين.
ومن أجل ذلك، يجب على الدول الجديدة في اللعبة تحسين إداراتها، والتقليل من التلاعب في المباريات، وسد الطريق أمام أعمال الشغب، وجعل اللاعبين الأجانب يشعرون بأن عقودهم الكبيرة سيتم تنفيذها مهما حدث. وإذا ما حدث ذلك، فقد يأتي يوم يهزم فيه شينغهاي فريق تشيلسي. ومع ذلك ربما يكون كل هذا خارج حدود كرة القدم.

الأكثر قراءة