الثورة السورية تسقط قناع الأسد وتكشف حقيقته (1 من 2)
لقد قاموا بحرق تمثاله في المدن والذي تسببت قواته الأمنية في إغراقها بالدماء، وقاموا بالرقص على نغمات الأغاني التي تنادي بإعدامه، كما قاموا بالسخرية منه في مسلسل ساخر على الإنترنت اسمه "بيشو" (بشار الصغير) حيث قاموا بتمثيل رقبته الطويلة عن طريق استخدام عصا خشبية ورأس مشوه يشير بازدراء الشعب السوري.
يذكر أن بشار الأسد (المعروف بالأسد في اللغة العربية) أصبح الشعب يسخر منه وقاموا بتشبيهه بالزرافة في الثورة السورية كما أطلق عليه اسم البطة وهو لقب زوجته، أسماء.
وتم وضع نهاية لشخصية الأسد في 15 شهرا هي عمر الثورة التي عمت جميع أنحاء سورية وخلفت عشرة آلاف شهيد. وتحولت الأسطورة المعقدة للشخص اللطيف المتزوج من امرأة أنيقة إلى مذبحة وحشية بعد أن انتهى الخوف المغروس في قلوب 20 مليون مواطن سوري من النظام الفاسد، حيث أقام هذا النظام الفاسد جدارا من الخوف على مدى عدة عقود.
وبدا واضحا أن بشار البالغ من العمر 47 عاما يتمسك بعناد شديد بالسلطة، فهو القناع الذي يأبي أن يسقط، على الرغم من ضراوة رياح الصحوة العربية التي تعصف عبر سورية. ولكن حتي الآن بالنسبة للملايين من السوريين ليس هناك مجال للعودة إلى الماضي مهما طال بقاء بشار الأسد. وقد قال لي أشخاص يعرفون بشار منذ أن كان شابا، وعلامات غضب واضحة ترتسم على وجوههم وكأنهم يرون في ملامح الرئيس السوري أن: "التاريخ قد تجاوز بشار". وأضافوا: "إن عملية التحول الفعلي في سورية هي مسألة وقت فقد تستغرق أشهرا، وقد تستغرق سنوات، ولكن نفسيا يتطلع الناس إلى مرحلة ما بعد بشار. فهو جزء من ماضي سورية".
#2#
#3#
ولقد كان بشار منذ أن ورث الرئاسة في شهر تموز (يوليو) عام 2000، بعد وفاة والده حافظ الاسد، لغزا محبطا لشعبه والعالم الخارجي على السواء. حيث ارتدى قناع الزعيم العصري، مما شجع العالم والسوريين أيضا للمشاركة في انتظار إصلاحاته إلى مالا نهاية. بينما هو في الواقع يتصرف وكأنه سفاح أو قاطع طريق. وتوصل أحد رجال الأعمال السوريين البارزين إلى استنتاج آخر يصفه بـ "الفنان المخادع".
ومما لا شك فيه أن الأسد يبدو وكأن لديه انفصاما في الشخصية. وربما يكون ذلك بسبب التحولات والانعطافات المفاجئة التي حدثت في رحلة حياته، حيث انتقل من طفل كانت أقل التوقعات بشأنه تقول إنه سيصبح رئيسا لواحد من أكثر الدول محورية وتعقيدا في الشرق الأوسط.
ولد الأسد في شهر أيلول (سبتمبر) عام 1965، وهو الثالث من بين خمسة أطفال (ثلاثة منهم فقط على قيد الحياة)، والذي سينتمي أيضا قريبا إلى أعتى العائلات في العالم العربي. وقد كان والده حافظ الأسد الذي عرف بشراسته ولكنه كان داهية سياسية، من الشخصيات البارزة في القومية العربية. وكان ينتمي أيضا إلى حزب البعث الاشتراكي الذي استولى على السلطة في سورية عام 1963. وقد نشأ في عائلة فقيرة من العلويين، وهم طائفة ولدت من الإسلام الشيعي الذي يمثل أكثر بقليل من 10 في المائة من الشعب السوري. وتجدر الإشارة هنا إلى أن سورية بلد متعدد عرقيا، فهي بلد حيث عاش الأغلبية السنية فيها جنبا إلى جنب مع العديد من الأقليات الطائفية الأخرى. وكانت الطائفة العلوية طائفة محرومة وفقيرة، حيث كانوا يرسلون فتيات لم تتجاوز أعمارهن 12 عاما للعمل كخادمات في البلدة المجاورة لبنان. بعد وقت قصير من ولادة الأسد، أصبح والده وزيرا للدفاع وقائدا للقوات الجوية، وخلال خمس سنوات استولى على السلطة بعد القيام بانقلاب.
وقد وصف الرئيس السوري في كتاب مؤيد تعاون في كتابته مع الأكاديمي الأمريكي، ديفيد ليش، والذي صدر تحت عنوان "الأسد الجديد في دمشق"، نشأته بـ "الطبيعية" مصرا على أنه لعب كرة القدم مع أطفال الحي، وتنس الطاولة مع والده، وأن أصدقاء والدته كانوا يزورنهم في المنزل للدردشة وإعداد الوجبات مع والدته أنيسة. ويقول الأسد لـ "ليش": "لقد كان لدينا أبوان يهتمان بنا للغاية. وكنا نستمد سعادتنا من هذين الأبوين". ولكن إلى أي مدى كان بشار يقول الحقيقة، وماذا تعني النشأة الطبيعية بالنسبة له؟ ويسخر صديق للعائلة قائلا: "لم يكن هناك شيء طبيعي في حياتهم". ويقول عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السابق الذي استقال من منصبه وغادر سورية في عام 2005: "لقد كان نادرا ما يرى الأطفال أباهم، وكانوا دائما محميين من قبل الحراس الشخصيين". وأضاف قائلا: إن أطفال الأسد ترعرعوا في "جو حيث كانوا أهدافا، ولكن كانوا أيضا يشعرون كما لو أنهم يمتلكون البلاد".
وبينما كان الأسد يشب عن الطوق، كان والده يؤمن حكمه من خلال خلق شبكة مخيفة من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المتداخلة لمراقبة السوريين. وعلى الرغم من أن بعض الشخصيات السياسية الرئيسية في نظامه من الطائفة السنية، إلا أن أعداد العلويين ازدادت في الأكاديمية العسكرية وهيمنت في نهاية المطاف على جميع المناصب العليا والمتوسطة في الأجهزة الأمنية وشبكات التجسس. ويقول معلق عربي كان على معرفة جيدة بالأب: "لقد نسج حافظ نظامه كلوحة زيتية على قماش، وعندما حان الوقت كان كل ما علينا هو زرع بشار مكان والده".
ولقد جعلت أيديولوجية حافظ البعثية من سورية بلدا متخلفا، ولكن استطاع من خلال مزيج من السياسة الماهرة والتكتيكات العنيفة أن يؤسس سورية كقوة لا يستهان بها في العالم العربي. وفي مرحلة الطفولة المبكرة للأسد، عاصر حربين من الحروب العربية الإسرائيلية. حيث كان يبلغ من العمر 16 عاما عندما أمر والده بقصف مدينة حماة، وهي المجزرة التي قتل خلالها ما يقدر بـ20 ألف شخص وتبعها عصيان مسلح عنيف من قبل الإسلاميين. وعندما بلغ سن الـ19 كان والده قد بعث بشقيقه الأصغر رفعت وخليفته المفترض إلى المنفى الدائم. حيث حاول رفعت الاستيلاء على السلطة عندما أصيب حافظ بنوبة قلبية في العام السابق.
ويقال إن الأسد شخصيا كان يحترم ويقدر شقيقه باسل، والذي يكبره بثلاث سنوات والوريث المختار إلى أن تحطمت سيارته المرسيدس في حادث مروري قاتل خارج دمشق عام 1994. وقد كان باسل يسير على خطى والده – حيث كان جندي مظلة ورجل يهوى النساء، ورياضيا بارعا. وقال أيضا عنه الكثيرون إنه كان يحظى بشعبية حقيقية بين الشباب في سورية.
يقول أيمن عبد النور، وهو مستشار سابق عرف بشار خلال سنوات الدراسة، إن باسل كان دوماً حضوره يطغى على بشار. " لقد بدا الأمر معقداً لأنه لا يمتلك الجاذبية الشخصية التي تمتع بها باسل، الذي عرف بأنه رياضي ومحبوب بين الفتيات وكان رئيس الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية. في حين كان بشار " خجولاً، فاعتاد على الحديث برقة ونعومة وصوت منخفض. ولم يكن ليسأل مطلقاً عن شؤون المؤسسات أو الحكومة".
وكان الأسد مقرباً لأمه، أنيسة مخلوف، التي لعبت عائلتها دوراً مركزياً في النظام. ويصفه أحد السياسيين الغربيين بأنه " ابن أمه أكثر منه ابناً لأبيه". وكان محمد، شقيق أنيسة ، والمعروف باسم " أبو رامي" سمسارا ماليا، يحتكر ابنه رامي العديد من القطاعات الاقتصادية السورية في رئاسة الأسد الشاب. ولكن عندما تحدث الأسد عن علاقته القوية بأمه قائلاً إنه يتحدث معها عدة مرات أسبوعياً ويتناول معها العشاء مرة على الأقل، فإن القصص التي تروى عن نفوذها تكون مبالغاً فيها. ويقول أحد أصدقاء العائلة " قوة أنيسة تعتبر حديث ثورة. وتدخلت عندما تقاتل الشقيقان، ولكن ما حدث أنها تدمرت بمقتل ولدها، ووفاة زوجها بعد ذلك، ومرضت جداً في السنوات القليلة الماضية".
وبالرغم من اعتراف بعض أشد المنتقدين للأسد بأنه يتمتع بحصافة عقل، إلا أنه أقر بمستواه المتوسط في المدرسة الخاصة التي تعلم فيها في دمشق. ولكن كالعديد من أبناء العائلات المميزة، فقد التحق بكلية الطب في جامعة دمشق، وتخصص في طب العيون وعمل في المستشفى العسكري قبل مغادرته إلى لندن لمهمة التدريب في مستشفى العيون الغربي.لقد كانت وفاة باسل بمثابة دمار العائلة والتحول الدرامي في مسار بشار. فاستدعي بشار من لندن، بعد مضي ما يقل عن عامين، خضع فيهما لدورة تدريب مكثفة في الشؤون السياسية والعسكرية وتدريب الصناعة الناجحة للصور التي تجعله يتماشى مع المجتمع السوري. وورث بشار أصدقاء باسل، ومكتبه في جبل قاسيون المطل على دمشق، وحتى الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، وهي تعتبر أداة من المرجح أن تساعده على تكوين صورة باعتباره الرجل الذي سيجلب التقدم لبلد يبدو عالقاً منذ السبعينيات. ويضيف عبد النور " لقد غاب بشار عن الصورة، ولم نره إلا في 1996 وقد تغير آنذاك، كل شيء تغير حتى نبرة صوته. لقد بدا أكثر ثقة، وأكثر قوة في المظهر".
وأصيب حافظ بمرض ابيضاض الدم "لوكيميا" فضلاً عن معاناته من مرض السكري ومشكلات القلب، لذا عمل على التوريث في هدوء وسرية. لقد بدأ بهدوء في تجهيز جيل جديد من المسؤولين ليرأسوا شبكة من أجهزة الأمن والاستخبارات، فتولى ذلك بهجت سليمان، أحد قادة الجواسيس والصديق المقرب لباسل، وعمل على الدعاية لبشار باعتباره "الأمل" لسورية، هذا الوصف كتب له تحت لوحته في دمشق في ذلك الحين. وفي الفترة بين عام 1996 و2000 أقام الوريث الشاب مسرعاً علاقات مع رجال الأعمال الطموحين في تغيير الاقتصاد الاجتماعي ومع النشطاء السياسيين الراغبين في زفرة من حرية التعبير. وأصبح بشار الأسد ناقداً حادا للفساد البيروقراطي، وجعل أناسا كثيرين في مكانة مهمة في الحكومة السورية.
لقد كانت المرة الأولى التي أقابله فيها في دمشق، قبل شهور قليلة من وفاة والده، وكان يرتدي ملابس غير رسمية ويتسم بالفضولية خاصة فيما يتعلق بكون حياتي في الخارج قد أثرت على جذوري العربية. وتحدث عن آفة الفساد والركود الاقتصادي في سورية وكان متعاطفاً مع السبب الذي أبداه رجل الأعمال الذي لقي مضايقات من قبل النظام بسبب رؤيته السياسية والمناهضة للفساد. ومن المستحيل آنذاك أن تعرف مدى صدقه.
توفي حافظ في 10 حزيران (يونيو) عام 2000 وبعد شهر من تمهيد الطريق، أعلن التلفزيون السوري " وفاة حافظ". ولم يكن للعديد من السوريين الذين عانوا سنوات من القمع، أي خيار سوى أن يأملوا في مستقبل أفضل رغم أن أصبحت دولتهم الملكية الجمهورية الأولى في العالم العربي. ويقول زميل سابق: "رغم كل المشكلات التي تولى بها الحكم، إلا أنه كان جزءاً من الجيل الشاب الأكثر انفتاحاً.
فإن كان الأسد شاباً عاش في ظل باسل، فإن شبح حافظ ظل يطارده عندما جاء إلى الحكم. ويقول أحد المعلقين العرب الذي يعرف كلا الرجلين " لكن والده كان يتمتع بخبرة سياسية هائلة، لقد أخذ السلطة بانقلاب، وتخلص من كل من يمثل تهديداً له". ويقول من عمل مع بشار الأسد في طليعة حكمه إن افتقاره للخبرة يظهر في انعدام الأمن. ويقول زملاء سابقون لبشار إنه بطبيعته شخصية قلقة، لها ضحكة عصبية وتقلبات مزاجية مفاجئة. ويقول أحدهم: " في تلك الأعوام السابقة من حكمه، كان بشار يتعلم وظيفته ومنصبه، ولم يكن واثقاً، فكان يتحدث عن بعض مساعدي والده باعتبارهم أعداءً، ولم يكن له مستشارون.
وفي العام الأول من حكمة، ظهرت سورية على طريق جديد، فأفرج عن المسجونين السياسيين، وتمتعت حلقات النقاش بشيء من حرية التعبير فيما عرف بالربيع السوري. وتشكلت حكومة تكنوقراط، وجيء بمستشارين أوروبيين للمساعدة في إصلاح الإدارة. وبينما كان الربيع الدمشقي وليداً، بات التغير الاقتصادي سطحيا وغير جوهري. وعندما سألت الأسد في لقاء صحافي عام 2002 بشأن تشديد الإجراءات المتخذة مع مؤيدي الديمقراطية، فأثار السؤال استياءه ومن ثم وبخني مساعدوه على إثارتي لهذا السؤال.وبدا الأسد يخفي انعدام الأمن لديه بغطرسة علنية تظهر في القمم السنوية لجامعة الدول العربية، المكان الذي طالما حاضر فيه الأكبر منه سناً من الرؤساء عن القومية العربية، متحدثاً بأسلوبه البطولي الذي يثير حفيظة الجمهور.
وفي بلده أيضاً، لم يكن الأسد ليسمع إلى التكنوقراط، فيقول أحد السوريين الشباب الذي كان يعمل لدى الحكومة آنذاك " اعتاد بشار على حضور اجتماعات اللجنة الاقتصادية للحكومة ويعطي فيها محاضرات للاقتصاديين". ويقول عبد النور إن الأسد لم يرغب في تغيير سورية، ويضيف عبد النور " إذا تمكن بشار من جعل سورية بلدا عظيما يأتي إليه 20 مليون سائح وفيها مجتمع مدني، فسيكون بشار رئيس الدولة العظيمة ولن يجرؤ أحد على المساس بكرسيه. لكن الأسد ليس له رؤية شخصية فقد يوافق على شيء اليوم فيرفضه في اليوم التالي.
وفي الهيكل الأمني الذي قام عليه النظام، بنى حافظ الأسد واجهة للسلطة تشمل كبار المساعدين الذين يثق بهم ، وكان أغلبهم من السنة. ولتأمين حكمه، نحى الابن "أعمامه" جانباً ليضيق الحلقة على الأسرة. وفي 15 آذار (مارس) 2011، عندما أشعلت القبائل من محافظة درعا، المحافظة الجنوبية، الثورة السورية باحتجاجات جماهيرية ( كانوا يطالبون بالإفراج عن 15 طفلاً اعتقلوا بتهمة الكتابة المناهضة للنظام على الجدران. إن عاطف نجيب، ابن خال الأسد ومدير مديرية الأمن، هو من زاد الطين بلة، إذ أهان القبائل وسمح لقواته بفتح النار على الحشود).
ومع انتشار الثورة، كان من أهدافها رامي مخلوف، ابن خال الثري للأسد، والذي كان يقدر له الهيمنة على 50 في المائة من الاقتصاد. لقد عاث فساده المزعوم سياسياً أيضاً. ويقول سمير التقي، الذي أدار مركز أبحاث تابعا لوزارة الخارجية: كان النظام في أيام والد الأسد أشبه "بنافورة الشيكولاتة" مع مجموعة من السياسيين المقربين للأسد ومسؤولي أمن يديرون قواتهم، وينشرون الفساد في أرجاء البلد، ويشترون الولاء. ولم يكن رامي مخلوف، على أي حال، رجلا سياسياً.
وأحد الأهداف الأخرى لدى المتظاهرين كان ماهر الشقيق الأصغر للأسد وقائد الحرس الجمهوري، وقائد الفرقة الرابعة الأفضل تدريباً وتجهيزاً، وكان أكثر الأشقاء عنفاً. وقد وصف لي ماهر بأنه "رجل عادي"، لكن كان يخشاه أبناء الأعضاء الآخرون في النظام.
(يتبع غداً)