Author

مشكلة الإسكان والحلول المطروحة (2 من 2)

|
إن تزايد قوائم الانتظار الحالية لصندوق التنمية العقارية يدل على عدم مقدرة الصندوق في إمكاناته الحالية على مواكبة النمو الهائل في الطلب على المساكن. فبحسب آخر إحصاءات الصندوق بلغ عدد المواطنين على قائمة الانتظار نحو مليون و700 فرد (600 ألف طلب قبل إلغاء شرط تملك الأرض عند التقديم). ومع السماح للمرأة بالتقدم على القروض العقارية، فإن هذه القائمة ستتزايد بشكل أكبر. وفي محاولة لتقليص صفوف الانتظار، التي على قائمته، جاء الصندوق قبل مدة بثلاثة حلول تمويلية، الضامن، والمعجل، والتمويل الإضافي. وقد قام الصندوق بتوقيع اتفاقيات تعاون مع بعض البنوك التجارية المحلية. إن أول ما يتبادر إلى الذهن هو السؤال التالي: هل هذه الحلول ستعمل على حل مشكلة الإسكان؟ بمعنى آخر هل ما نعانيه هو احتكار للأراضي البيضاء ونقص في التمويل؟ أم أن هناك عوامل أخرى غير هذه المشكلات؟ إن التحديات التي تواجه قطاع الإسكان في المملكة ليست فقط هذه التي ذكرناها، وإنما تحديات معقدة، ومتعددة الأطراف، بالتالي فإن الإجابة هي ''لا''. ولكن لماذا؟ إن مشكلة الإسكان في المملكة هي حصيلة تراكم سنوات طويلة نتج عنها فجوة كبيرة بين الطلب والعرض من الوحدات السكنية، ولذلك فالأمر لا يتطلب توفير مصادر تمويل إضافية بقدر ما يتطلب إصلاحا شاملاً يركز على وضع خطط استراتيجية لمعالجة مشكلات جانب العرض والمشكلات المتعلقة بجانب الطلب. فبدون معالجة مشكلات أسعار الأراضي السكنية، فإن أي حلول تمويلية تحفز الطلب على المساكن، مع افتراض بقاء الأشياء الأخرى على حالها، ستؤدي إلى رفع أسعار العقار بشكل تصاعدي ومتسارع. لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لقطاع الإسكان من حيث توفير سكن لائق ومناسب للمواطنين، يجب تصحيح جانب العرض أولاً ثم التفكير في وضع خطط استراتيجية لتصحيح جانب الطلب. بعبارة أخرى، إن أي حلول يمكن أن تعالج إشكالية التمويل ستحفز السوق العقارية في الأجل المتوسط والطويل، ولكن التحدي الأكبر هو كيفية تعزيز قدرة المواطنين على شراء مسكن سيظل قائماً بسبب عدم تناسب أسعار العقار الحالية مع مستويات الأجور والرواتب في القطاعين العام والخاص. ولتفادي أي ارتفاعات مستقبلية في أسعار العقار، يجب أولاً أن تعمل الحكومة على إجراء تصحيح هيكلي لسوق العقار بهدف إعادة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل عشر سنوات. تعود جذور مشكلة الإسكان لدينا إلى فشل خطط التنمية الخمسية المتعاقبة التي بدأت منذ عام 1970 في تنمية مناطق المملكة المختلفة، حيث تشير بيانات التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2010 الصادرة من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات إلى أن 65.6 في المائة من سكان المملكة يتوزعون في ثلاث مناطق رئيسة فقط (25 في المائة الرياض، 25.5 في المائة مكة المكرمة، 15.1 في المائة المنطقة الشرقية). أما الباقي فهم موزعون على العشر المناطق الإدارية الأخرى. هذا التمركز في الثلاث مناطق ولد ضغوطاً كبيرة على أسعار الأراضي التي أخذت في التصاعد المستمر. ونتيجة لظاهرة روح القطيع Animal Spirit ارتفعت الأسعار أيضاً في المناطق الإدارية الأخرى. إذا ما هو الحل الأمثل؟ إحدى الخطوات التصحيحية التي يجب على الحكومة اتخاذها في اعتقادي هي استغلال المدن الجامعية، التي قام خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ بوضع حجر الأساس لها. فيمكن للحكومة عن طريق إيجاد برنامج يعمل على تقديم بعض الحوافز المالية وغير المالية التي تعمل على تشجيع المواطنين على الهجرة العكسية لتلك المناطق. فمع توافر البنية التحتية والخدمات الأساسية ذات الجودة العالية في تلك المناطق، ومع التقدم والتغير التكنولوجي الهائل، خاصة في مجال الاتصالات وسرعة انتقال المعلومات، التي أسهمت في تقليل تكاليف النقل والاتصال لا يبقى هناك سبب لتفضيل المدن الكبيرة على المدن الصغيرة. هذا من شأنه أن يعالج أكثر من مشكلة نعانيها في المدن الثلاث الأكثر سكاناً. فأول تلك مشكلة الزحام والاختناقات المرورية. فلكي تذهب من الشمال إلى الجنوب في مدينة الرياض في وقت الذروة تحتاج على الأقل لساعة أو أكثر. ومن المشكلات التي يمكن حلها أيضاً هي تخفيف الضغط على البنية التحتية والمرافق الأساسية للمدن، التي ستنعكس إيجاباً على ميزانية الدولة.
إنشرها