مخاوي الذيب !!

لن يكون هناك تجديد أو إعادة بناء للمجتمع دون تعزيز روح الانتماء لدى كل فردٍ من أفراد المجتمع على اختلاف شرائحه وطوائفه . أقول ذلك كلما مررت بجدار على طريق الكورنيش يكتبون عليه عبارات (مخلّة) ورسومات غريبة بتوقيع (مخاوي الذيب ! يصاحبه توقيع أبو نبيلة) ! وكلما حاولت جهداً أن أحدث التغيير (بيدي) وليس بالدعاء فقط (وهو أضعف الإيمان) ،أظل لا أيأس أني قد أُترك أثراً بمشيئة الله !!

فمنذ فترة أصبحت أضع (بخاخ بوية) جاهز في السيارة ، وأتمنى لو أرصد (مخاوي الذيب أو أبا نبيلة) حتى أقنعهم بالعدول عن الرسم واعتزال الفن الغرافيتي المشوّه ؟! صرت أطلب من سائقي الخاص صبغ الجدار باللون الأبيض وأنا أراقب كل مرةً أمر فيها من ذاك الطريق (من داخل السيارة). ويعاندوني بعدها بيوم أو يومين فيكتبون عبارات جديدة تأبى إلا أن تصرخ في وجهي باليأس وضياع الجدوى!

يصرّون (هداهم الله) على اللا إنتماء وعلى التعبير على جدران الشوارع وتشويه المناظر البصرية، فنقرأ بسببهم ما لا نرغب ونرى ما تستنكره الذائقة السليمة . يعيش بيننا الكثير من أمثالهم، أولئك الذين يصرّون على التذمر علناً.. فلديهم وقتُ فراغ للتسكع والتفكير ... كأن الوسيلة الوحيدة في التعبير هي بتلطيخ بياض الجدران . الأسباب : ربما فاض بهم الكيل من ضغوط وفشل وسلبيات ! وربما لأنهم لا يملكون أن يحركوا ساكناً أمام الفساد المستشري (كالشرك الخفي) في مؤسساتنا ، وربما لأن حافز لم يعدّ يحفز أحداً !! وربما لأن أسعار السلع ترتفع ولا تنزل ووزارة التجارة تلبس (طاقية الاخفاء إلى الآن) ! وربما لأنهم بلا وظيفة وليس لديهم شهادة ؟ وربما لأن بهم طاقات وهوايات لم يستثمرها التعليم ولا الفرص ! وربما وربما بسبب... أشياء كثيرة .

يرتبط كل ذلك عندي بمقولة إمرأةٍ حكيمة من صديقاتي : "أن كل إنسان لا يملك بالكامل صنع جغرافيته ولكنه يملك صناعة تاريخ حياته" ، بمعنى أننا ولدنا كسعوديين ونشأنا على هذه الأرض الغالية ، في مدينة ما.. وحي وشارع معيّن، بل وفي حيّز من المكان نملك (إلى حد بسيط) اختيار تغييره ، ولكن بالنسبة للتاريخ الشخصي فهو من صنع أيدينا نحدد تفاصيله وملامحه عبر نتائج التجارب والمعاناة والفرص المتاحة التي نمر بها. هو تاريخ الحياة الشخصية الذي نملك فيه حرية الاختيار والقرار وفوق كل ذلك التسيير من الله. التاريخ الشخصي هو ما نصنعه بأنفسنا ونتركه ذكرى للآخرين بعد أن نرحل. فالزمن يحدد مدى وجودنا وكميته ، والمكان هو الوطن ، والانتماء للمكان... هو الانتماء للوطن.

ذاك الانتماء تحرك بوصلته (مانسميه بالضمير الشخصي) الذي نرثه، ومن ثم نكتسبه وننميه، وقد ضاعت ملامحه عند (مخاوي الذيب وأبا نبيلة) ! هو الكامن في الذاكرة الوجدانية ويظهر من خلال الممارسات والسلوك على جدران شوارعنا وأسوار بيوتنا ودهاليز عقولنا، فيعبّر عن موقف كلٍ منهم ورؤيته تجاه المجتمع . السؤال: كم مثلهم بيننا ؟ ومن منهم يعتبر ممارساته نحو الوطن واجبات قبل أن يطالب بالحقوق ؟ كم منّا يعتز بانتمائه ويحاول صنع شيء إيجابي تفخر به الأجيال القادمة ؟

الضمير الشخصي (بالنسبة للبعض) يعمل كالترمومتر الحساس ، يوازن تصرفاتنا ويقود الوعي عبر مشاعر الذنب أو البراءة، ويتحدد عبر ثلاث مجالات: مدى الارتباط بالمكان أو الوطن ، والتوازن في العطاء والأخذ (أي هل أنا مدين لوطني أم أن وطني دوماً يدين لي )؟ وأخيراً الترتيب ، أي المكانة في المجتمع وهل هو في الوضع المناسب أم لا ؟ بناءً عليه يتصرف كلٌ منا نحو مكانته وجغرافيته ويصنع تاريخه مع سبق الإصرار والتلطف (أقصد الترصد) !

يا (مخاوي الذيب ، يا أبا نبيلة ) ...
أرجوكم ... خسرت كثيراً في بخاخات (البوية) وتعب سائقي والله..
ولن يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه.. وغيرك يهدم !
فبالله عليكم ماالذي تريدون ؟ كيف نعزز روح الانتماء فيكم ؟
فلست من الذي يكلّ أو يملّ مادام الهدف واضح والغاية نبيلة !
ولستم فاقدي الانتماء على ما أعتقد !
وأيضاً لن تكونوا أبرياء أو مذنبين بمعنى البراءة أو الذنب !
وللجدران كما للناس .. عمر وآجالٌ !

فأصنعوا تاريخكم كما تحبون ... بعيداً عن جدران حيّنا وطرقات منازلنا ..
فما ذنب الذيب ! وما ذنب نبيلة !!؟ إن كنتم بدون تاريخ !
نحن نحاول تغييراً ما أستطعنا ...
وسنمحو بالفرشة والبخاخ وكل أدوات التنظيف ..ما أستطعنا..
وبعدها...
إن متنا.. حتماً.. سنكون معذورين ....

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي