الانتخابات المصرية.. ظلام يعقبه ضياء !
أطلت مؤشرات نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية بظلالها على العالم أجمع، وجاء وقعها على المصريين أنفسهم متباينا، فمنهم من أصابته الدهشة بسبب النتائج المخيبة لآمال شريحة كبيرة من المصريين، ومنهم من عدها أمرا عاديا وكان مرتقبا وليس بغريب.
فالشعب منقسم لأول مرة بين المرشحين وكل فرد من أفراد الأسرة الواحدة يختار من يريد ولا أحد يستطيع أن يجبره على اختيار من لا يرضاه رئيسا، لذا يعيش جل المصريين هذه الأيام حالة من الحيرة والقلق والاضطراب وصلت ببعضهم حد اليأس من الخروج من النفق المظلم الذي ولجنا فيه في الأشهر الأخيرة، وتعالت الأصوات منادية باحترام ما جاءت به صناديق الاقتراع ـــ فهذه هي الديمقراطية على حد قولهم ـــ وآخرون ينادون بتفعيل قانون العزل السياسي وتطبيقه على أحمد شفيق أحد أركان النظام السابق وآخر رئيس وزراء جاء به مبارك قبل خلعه، وهو أيضا مهندس معركة الجمال والخيول في الثامن والعشرين من يناير والتي راح ضحيتها عشرات الأبرياء جلهم من الشباب الواعد الذي لم يجن من الثورة إلا الشوك والجراح والعاهات.
الشارع المصري منقسم في الفترة الحالية على نفسه، فمنهم من يرفض شفيق رفضا قاطعا ومنهم من يرى فيه الحازم المنضبط ورجل الدولة ـــ كما يُروَّج له ـــ الذي يحب العمل ويقدسه وأنه سيعيد الأمن للشارع المصري من جديد بعد غيابه معظم الوقت من بعد الثورة إلى الآن، ومنهم من يوافق على مضض لأنه لم يجد بديلا عنه ولكن يريد منه أن يتعهد ببعض العهود والتي توسق في المحكمة وفي البرلمان حتى يحاسب إذا قصر فيما تعهد به، وفريق في الجهة المقابلة اختار الدكتور محمد مرسي منذ البداية وهو لا يزال على اختياره في جولة الإعادة رغم الشكوك التي تتزايد يوما بعد يوم في الإخوان المسلمين وقراراتهم المتناقضة والمتضاربة ـــ إثر الضغوط عليهم ـــ التي أثارت جدلا واسعا فتح عليهم أبواب جهنم من قبل معارضيهم.
وبين الفريقين المتقابلين فريق ثالث آثر مقاطعة الانتخابات في جولة الإعادة فهم لا يريدون أن يصوتوا لا لشفيق ولا لمرسي لأن الخيارين أحلاهما مر ـــ على حد تعبيرهم ـــ فهم كانوا يأملون أن يأتي مرشح يعبر عنهم وعن ثورتهم كحمدين صباحي مثلا ويكون مستقلا لا ينتمي للنظام السابق ولا يكون قد رُبِّي في أحضان جماعة كالإخوان المسلمين.
مما سبقت التوطئة له يتضح أن المشهد السياسي المصري تخيم عليه الضبابية وعدم الوضوح وتضارب الرؤى والآراء، فلا يستطيع أحد أن يجزم بشيء في الوقت الراهن وأكبر دليل على ذلك نتائج الانتخابات الأخيرة، فمن ذا الذي كان يتوقع أن يأتي شفيق في المركز الثاني خلف مرسي ويحصل على هذا الكم من الأصوات مخلفا وراءه حمدين وأبا الفتوح وموسى؟!
على الرغم مما تموج به رياح التغيير في مصر الآن إلا أننا لا نستطيع إلا أن نتفاءل بمستقبل مشرق لأننا كلنا ثقة بالله الذي لا يضيعنا فهو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا وما يهب الآن من عواصف ربما تكون عاتية في بعض الأحيان إلا أننا لا نعدم التوكل على الله والعمل بكل جهد وصدق وأمانة مع أنفسنا قبل الآخرين لنطوع ما استعصى ونبني ما تهدَّم ونقيم أركانا لدولة جديدة أسسها العدل والمساواة وقوامها تطبيق شرع الله الذي بغيره يشقى الناس، فما الفائدة في تقدم الدولة ورقيها وغناها وهي بعيدة عن شرع الله الذي حدده الله لعباده حتى تستقيم حياتهم وتهنأ معيشتهم ويكون غدهم خيرا من يومهم وأمسهم؟!
يقول الشاعر :
جمال القدِّ مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس
من ينظر إلى مشكلات البشرية من زمن أبينا آدم إلى الآن يجد أنها بسبب البعد عما شرعه الله لعباده بالميل أو الزيغ عن الحق والركون إلى الباطل؛ فأول جريمة قتلٍ في التاريخ ارتكبها قابيل ضد أخيه هابيل بسبب الحسد المنهي عنه شرعا، فالعز كل العز والسعادة كل السعادة في التمسك بشرع الله والسيرعلى صحيح السنة وما اتفق عليه سلف الأمة؛ حيث أثنى عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
لذلك ـــ في رأيي ـــ كان لزاما علينا ألا نلتفت وراءنا ونظل نبكي على اللبن المسكوب، ولنتعلم من أخطائنا حتى لا نعيد الكرة بالوقوع فيها وننظر إلى المستقبل بأمل باسم ويقين راسخ بأن الله مطلع علينا خبير بما في قلوبنا وسيرى عملنا ويثيبنا عليه ما دام في طاعته ووفق شرعه، قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
ومن الواجب على كل مصري شريف يرجو الخير لدينه ثم لبلاده أن ينفض عن كاهله ما ترسب من أزمات وعثرات وينشط في بناء بلاده والمحافظة على قيمها وتراثها وهويتها الإسلامية التي تفخر بها وتراثها التاريخي والحضاري على مر العصور، فمن ليس له ماض ليس له حاضر أو مستقبل، وحتى نصدق على بلدنا مقولة: "مصر أم الدنيا" لأنها شهدت نشأة أول دولة في تاريخ البشرية.
فالله الله في شباب مصر وشيوخها في السواعد الفتية والقدوة الحسنة في التآلف والترابط والوحدة التي ظهرت بكل جلاء في كل الأزمات التي واجهتها مصر المحروسة - بإذن الله - لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فكلٌّ في موقعه وحسب طاقته وما يلائم طبيعته يحمل المسؤولية ويسعى جاهدا باذلا كل ما يملك من أجل وطنه ورفعته ونهضته يحدوه الأمل في تغيير وجه مصر للأفضل والأرقى والأزهر فبتغييرها يتغير وجه البسيطة جمعاء - دون مبالغة.
وصدق حافظ إبراهيم عندما قال :
أنا تاج العلاء في مفرق الشر ق ودراته فرائد عقــــــــــــــــدي
إن مجدي من الأوليات عريق مَن له مثل أولياتي ومجــــــــــدي
أنا إنْ قدر الإله ممــــــــــاتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
والحل ـــ في رأيي ـــ يكمن في أن يوازن كل منتخبٍ حرٍّ بين المرشحينِ ويعدد لهما ميزاتهما ومثالبهما ويقرأ تاريخ كل منهما ويرجح كفة مَن تفوق ميزاته مثالبه ويستبعد الآخر ويعلي مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية الضيقة وليكن مع الجماعة، فيد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وليكن على يقين بأن الأمة لا تجتمع على باطل، وليعلم كل متشكك أن ظلام الليل ووحشته وإن طالا فلا بد أن يمحوهما ضوء النهار مُبشِّرا بالخير والتفاؤل والأمل في يوم جديد!