الفن التشكيلي .. بين الواقع الصعب ومطالب الهاويات

الفن التشكيلي .. بين الواقع الصعب ومطالب الهاويات
الفن التشكيلي .. بين الواقع الصعب ومطالب الهاويات

رغم بروز الفنانات التشكيليات في المنطقة الشرقية وانتشارهن على مستوى أوسع من حدود منطقتهن وبلادهن ووصول بعضهن للعالمية عبر تمثيل المملكة في المحافل الدولية، إلا أن 30 في المائة منهن فقط استطعن الاستمرار في هذا المجال وأكملن المسير فيه، في حين أن الكثيرات ممن دخلن إلى هذا المجال فضلن الخروج منه لأسباب اجتماعية، فيما تنادي الأجيال الجديدة من الفنانات بإنشاء كليات فنون جميلة وفتح مراكز رسمية تعنى بالفن التشكيلي وأهله.
وفي هذا الصدد كشفت الفنانة التشكيلية شعاع الدوسري رئيسة لجنة الفنون التشكيلية في جمعية الثقافة والفنون في الدمام عن أن مسألة الاختلاف بين المرأة والرجل في الفن التشكيلي تأتي من ناحية الاستمرارية ومن ناحية الكم بمعنى أن الرجل أكثر استمرارا في المجال من المرأة، وليس الاختلاف في كون الفن التشكيلي وسيلة تعبير صامت عن خلجات النفس لدى المرأة أكثر من الرجل، لافتة إلى أن 70 في المائة من الفنانات التشكيليات بالمنطقة الشرقية لم يستمررن في هذا المجال رغم جمالية أعمالهن وامتلاكهن القدرة الفنية وذلك نتيجة الظروف الاجتماعية في الأغلب والظروف الخاصة في الأحيان الأخرى، في حين تشكل نسبة الفنانات اللواتي واصلن عطاءهن الفني 30 في المائة فقط.
وقالت الدوسري لـ ''الاقتصادية'': غالبا تعود أسباب عزوف الفنانات عن الفن التشكيلي بعد دخولهن للمجال إلى أشياء تتعلق بالمجتمع والجهات التي تمثله لذا نجد أن ما يحدث الآن هو أن أغلب الفنانات يعتمدن على جهودهن الخاصة وسعيهن في تكوين أنفسهن خارج البلد أو إظهار فنهن من خلال أقربائهن وعلاقات أهاليهن بالجهات المعنية، مشيرة إلى أن الجمعية في خطواتها القادمة ستعمل على إعادة مد الجسور وربط الجمعية بالجمعيات من دول الخليج والوطن العربي ببعضها بعضا في معارض ومراسم مشتركة لتبادل الأعمال والاطلاع على مختلف الفنون على نطاق أوسع.
وأكدت الدوسري أن النظرة الدونية ما زالت موجودة للفنانة والفنان التشكيلي بشكل عام لأن ثقافة المجتمع ''ما زالت قاصرة لا تحترم الفن ولا الفنان''، مشيرة إلى حاجة المجتمع والجهات ذات العلاقة إلى ''خطوات واسعة لتغيير المفاهيم المتعلقة بالفن، حتى من قبل الجهات الرسمية التي لها علاقة مباشرة في التعامل مع إبداعات الفنانين''، لافتة إلى أن ''الفنانين لدينا لم تنشأ لهم كليات لتعلم الفنون الجميلة ما قد يؤخر نضوجهم''، موضحة أن الفترة الحالية ما زال فيها تخبط في التعامل مع الفنانين السعوديين رغم وجود أسماء لامعة وشهيرة، لأنه إذا لم يتوافق الفن مع التعليم لن يصل الفن التشكيلي للمستوى المطلوب الذي وصل إليه الآخرون.

#2#

وأضافت الدوسري أن الثقافة الفنية غير موجودة في المجتمع كما ''أن أبسط أولويات الفن وما يدعمه غير موجود وعلى سبيل المثال لا الحصر لا توجد مكتبات ثقافية توفر المراجع والكتب الفنية المناسبة للعملية التعليمية''، وقالت: ''كذلك لا توجد أدوات الفن ومستلزماته الضرورية حتى في أكبر المدن في المنطقة، إضافة إلى أن أكبر معاناة تعانيها فنانات المنطقة الشرقية هو أنه بالكاد يكون هناك عرض فني مجهز في صالة أو أماكن عرض''، منوهة إلى أن أغلب الفنانين والفنانات التشكيليين غير متفرغين بل على رأس عمل لدى قطاعات حكومية أو أهلية، لأنه لا دخل ثابتا للفنان المتفرغ يعيش عليه كما هو متبع في الدول الأخرى التي تصرف على المتفرغين من الفنانين لأعمالهم. بدورها، طالبت الفنانة التشكيلية عصمت المهندس رئيسة قسم التدريب والإنتاج الأسري في جمعية ود الخيرية عبر حديثها مع ''الاقتصادية'' بإنشاء كليات فنون جميلة ومراكز تدريب رسمية في المنطقة الشرقية والمناطق الأخرى لتضم الفتيات المتمكنات من الرسم والفن التشكيلي، كون المتاح منذ السابق هو كلية تربية تدرس ''فنون'' لتخريج معلمات تربية فنية فقط وهو ''أمر غير كاف''، بحسب وجهة نظرها، إضافة لمطالبتها بإيجاد قاعات وأماكن للعرض بأسعار مخفضة للمنتمين لجمعية الثقافة والفنون حتى إن كانت هذه القاعات هي مجرد مستودعات مفتوحة للعرض يكفي توفر الجدران للقاعة مع الإضاءة.
وأبدت عصمت المهندس أمنياتها بتوافر التشجيع والدعم الكافي من قبل الشركات والمؤسسات عبر اقتنائها لوحات الفنانات السعوديات بدلا من اقتنائها لوحات تحمل مجرد أسماء شهيرة وإن كانت تفتقد للمعاني الجميلة، متأملة أيضا أن تسهم وزارة السياحة بتعاونها في رفع المستوى الأكاديمي للفنانات من خلال إضافة العروض الجميلة لتعريف السياح بالحركة الفنية والثقافية في البلد، خصوصا في ظل التحرك الإيجابي نحو إبراز الطاقات الكامنة والقدرات الفطرية والملكة الإلهية لدى المبدعين من جيل الناشئة الذين أتيح لهم ما لم يتح في السابق.
وأوضحت الفنانة المهندس أن معاناة الفنانات التشكيليات في الماضي كانت لا تتمثل فقط في عدم وجود قاعات عرض أو عدم قبول جميع اللوحات، قائلة: كانت كل الأمور صعبة في الماضي من الحصول على المشاركات، من الأنظمة، من عدم التقاء الفنانات ببعضهن بعضا ومشاركتهن لتجاربهن حيث لم يكن يلتقين إلا بعد انعقاد أول معرض جماعي للتعريف بالفنانات السعوديات في عام 1992م على صالة رعاية الشباب آنذاك الذي ضم 12 فنانة، واستمرت الحركة قوية خلال تلك الفترة ثم هدأت والآن بدأت تعود حركة الفنانات التشكيليات في المنطقة الشرقية حيث تشهد مدينة القطيف نشاطا فنيا ملحوظا.
وتابعت المهندس قولها: الآن هناك مساع ومحاولات لإثراء الحركة الفنية ليس على مستوى المدن بل باسم المنطقة الشرقية ككل حيث ناقشنا في اجتماع جمعية الثقافة والفنون في الدمام مؤخرا العمل على الموافقة لإصدار شهادات باسم جمعية الثقافة على الورش الخاصة في عمل الدورات التعليمية، مع الاحتفاء في الأسبوع العالمي لتعليم الفنون في 28 من أيار (مايو)، لافتة إلى أن الجمعية لم تعد ضعيفة كالسابق وإنما أصبحت قوية وتسير بخطوات جريئة في مساندة المرأة ودعمها.
وعن أسباب تراجع شعلة الفن التشكيلي خلال الأعوام الماضية أبانت المهندس أن كثيرا من الفنانات في الشرقية عزفن عن الفن بسبب عدم وجود نقابة لهن تحميهن وتقف في صفهن وتحد من المماطلة في الإجراءات التي تتطلب شهورا لذا فضلن التوجه للخارج لعرض أعمالهن.
وترى المهندس أن معارض السعودية تعد ضعيفة الإقبال مقارنة بالدول الأخرى التي يقدم فيها الناس نقدهم الصريح الواضح الذي يعطي الفنان زخما ودفعة للتطوير وليس شرطا لشراء اللوحات منه، مؤكدة في الوقت ذاته أن التسويق الإلكتروني الآن عبر قنوات التواصل الاجتماعية أجاد تسويق المعارض في السعودية ونشر الثقافة الفنية ونهضة الحركة التشكيلية في المنطقة. وفيما يتعلق بإقبال جيل الناشئة من الفتيات على تعلم الفن التشكيلي ذكرت الدوسري أنها من خلال موقعها في إدارة التربية والتعليم كمشرفة وجدت أن الكثير من الطلاب والطالبات لديهم مواهب وقدرات هائلة قوية جدا وميول عالية في التعلم والاطلاع على المجالات المختلفة وطبيعة الإنسان منذ الطفولة تميل إلى الجمال والفن، إلا أن المناهج الدراسية لا تخدم ولا تغذي هذه المواهب، إضافة إلى أن هناك طلبات متزايدة من قبل الطلبة والطالبات وأهاليهم في صقل الموهبة ودعمها، لذا ''أحاول أن أكون المصلحة بتعليم المعلمات وإعطائهن الدورات الفنية التي من خلالها يتدربن على كيفية إعطاء المواضيع المناسبة لعمر الطالب وقدرته وهذا ما تغافلت عنه المناهج المطورة''.

الأكثر قراءة