التسعّد !!
السعادة في عيون البعض كالقطة .. إن حاولت ملاطفتها تحاشتك وان تجاهلتها راحت تلتصق بقدميك وتثب من تلقائها إلى حضنك. هي الشعور الذي نسعى جميعاً للحصول عليه واستبقاءه لأطول مدة ممكنة، وكأننا نروض وحشاً كاسراً ونربطه غصباً بالحبال ولا ينفك يتفلت ضارباً بأحلامنا عرض الحائط . أردت أن أكتب عن السعادة لأنها الشعور الغائب الحاضر الذي نفتش عنه جميعاً ونحاول استحضاره بالرغم من أزمات الحياة ومشاكلها، وبيننا الشقي والسعيد منذ أن نُفخت فيه الروح إلى أن يختم حيانه. وهناك أناس يبلغ بهم الرضا أوجه ومنتهاه فتحملهم أجنحة السعادة عالياً دون أن تهددهم الجاذبية الأرضية ودون أن يسمحوا للواقع أن يسقطهم ضحايا على أم رؤوسهم (وأولئك الذي أقصد والذي أريد)، فالسعيد من سعد بما لديه فأصبح هانئاً ، لا يرتبط المعيار عنده بالأشياء المادية ولا بمغريات الحياة بقدر ما يرتبط بقناعاته الداخلية ونوعية علاقاته بمن يحيط به.
أتحدث عن السعادة وحولنا الكثير من اليائسين وبائعات التعاسة. ينظرون في وجوهنا فلا يذكرون اسم الله ويستكثرون على الآخرين الرضا والحمد. نحاول استدراجهم إلى عالمنا بالتراحيب وصدق الاحساس وعبارات (هونها تهون) إلا أن الجينات ونقص القناعة تحول بينهم وبينها، فالأحوال الحسنة الخيّرة تحيط بهم وعلى قدر مايتوافق المرء ويتلائم مع ظروفه فإن السعادة ستثب في أحضانه ، مثلاً لو صنعنا الحس الإيجابي في العمل فستتحول بيئة العمل إلى جنة في ظل زملاء مخلصين حتى لو كانوا (واحداً فقط) ، المهم أن نوجد بيئة عمل تمنحنا الاكتفاء وتجعلنا أكثر سعادة .
وفي السعادة يقول الباحثون أنّ هناك مستوى (خط أساس) لدى كل شخص يسمونه (التكيف الماتع)، فمهما حصل لنا من حزن أو فرح فإن التأثير على شعورنا بالسعادة مؤقت نتكيف معه على أنه طاريء ونميل إلى الارتداد إلى مستوى خط الأساس في النهاية. ومعروف أن مستوى خط الأساس يتأثر بالجينات والطريقة التي نفكر ونرى العالم بها. يعني ذلك أن ما يصيبنا من فرح عارم نظنه سيلازمنا أبدياً، ليس إلا حالة مؤقتة نرتد بعدها إلى خط الأساس الذي تقبع خلفه كل القناعات والمشاعر الدفينة. لذا علينا أن نحيا بثلاث أشياء: أن نملك حرية الاختيار، وأن نغتنم الفرص، وأن نقبل التغير ونصنع التغيير، فنحن بحاجة لنختار في كثير من أمور حياتنا وبحاجة لوجود فرص لنغيّر واقعنا ، وبعدها سنتأثر بمستوى التفاؤل الذي نعيش.
نصحتني عميدة السعادة الإيجابية الأستاذة الدكتورة صفاء الأعسر أن أتحرى أفعال السعادة الحقيقية Authentic Happiness لأصبح سعيدة ، فالعلم بالتعلم والحلم بالتحلم ، أي بفعل السلوكيات التي تؤدي إلى التعلم والحلم وكذلك ما أطلق عليه مجازاً (التسعّد) أي أن نتقمص مشاعر السعادة لنصبح سعداء. يكون ذلك بفعل أشياء غير مألوفة أحياناً تغاير نمط الروتين اليومي الذي نعيشه. ولمجرد القدرة على الاختيار والتمكن من صنع الفرصة سيتغير المزاج الشخصي إلى الأحسن. هي دعوة للاحتفاظ بصداقة مخلصة .. أو للتكلم أمام المرآة، أوتجربة أكلة جديدة أو ترتب غرفة المكتب أو المجلس بطريقة مختلفة ، وربما لو كتبنا قولاً مأثوراً أو حكمة وعلقناه فوق جدار، أو صرخنا بأعلى صوت متقافزين فوق (مرتبة) سرير ، ولنمشي الهوينا ولنبتسم ... المهم أن نفعل أي شيء مختلف لا نفعله كل يوم... ممارسة لأفعال (التسعّد) ومحفزين أرواحنا بمحض الإرادة وبلا تخطيط أو ترصدّ.
فلا تلاطفوا القطة فقط تجاهلوها .. ومارسوا أفعال السعادة ثم أتركوا الأحمال على الله.