مواقع التواصل الاجتماعي والمحادثة الفورية تغير الحقائق على الأرض

مواقع التواصل الاجتماعي والمحادثة الفورية تغير الحقائق على الأرض

مجالس عامة وأخرى خاصة لم تعد تحمل من كل معانيها السابقة سوى صفة الجلوس.. المشهد لمجموعة من الناس كان من المفترض - قبل أن يكون من المعتاد - بما أن مكانا واحدا يحتويهم في حوار مستمر حول جديد كل ساحة، لكنهم عوضا عن هذا اختاروا الانحناء إلى أجهزتهم في متابعة إما لأحد مواقع التواصل الاجتماعي أو التحدث عبر برامج المحادثة الفورية مع فواصل لا تذكر ترتفع فيها الرؤوس للاستماع المقترن بغياب التركيز لحديث إجباري لشخص لا يمت لهذه المنظومة بصلة.
هذا المشهد المسرحي الصامت أصبح جزءا يوميا ومشاهدا من الحياة الاعتيادية، وغالبا ما تقطعه ضحكات هنا وهناك مرتبطة بقصة لا تصدر من المكان نفسه، لم يكن من الوارد مطلقا أن يكون حقيقة واقعة يوما ما، كما أنه لم يكن واردا أيضا أن يتخلى اللسان عن مهمة الثرثرة التي باتت وظيفة تتكفل بها الأصابع بصوت أعلى ومستمعين كثر.
العالم الذي كان يعتقد يوما ما أن المذياع ومن بعده التلفاز ثم الهاتف المتنقل منتهى ما قد تصل إليه التقنية، ولكنه لا يستطيع التنبؤ مطلقا بما تحمله جعبة مبتكريها، وهو لا يلغي أن البعض يؤمن أن ما يتوافر الآن سيكون مقاومة من الصعب اختراقها إلى ما هو أبعد منها، فما هو متوافر الآن عالم محمول باليد وتواصل صوتي ومرئي مع الكوكب بأكمله.
الحديث عن التسارع المحموم في وسائل التقنية وما تخلفه من آثار في سبل التواصل وبرامج المحادثة يبدو أبطأ كثيرا من حركة الابتكار في هذا العالم، وقراءة موضوع واحد عن اكتشاف تقني حدث قبل عام يشبه مشاهدة بث مسجل لقناة تحمل خبرا عاجلا تخطاه الزمن بكل تأكيد.
نظرة أولية لن تكون كافية لاكتشاف المشهد الجديد الذي بات يسيطر على المجالس والاستراحات وغرف المنازل الداخلية، بل هي تأكيد على التحول الذي لا يمكن إنكاره في نمط الحياة جعلت العالم كله محمولا باليد وتسببت بشكل أو بآخر في إلحاق ضررر كبير في الواقع بكل تفاصيله.
في تويتر أنشأ المغردون هاشتاقا أطلقوا عليه (الإدمان التويتري) للحديث عن حالة الإدمان التي ربطتهم بالموقع بالكلية، وقالوا عبره إن سبب إدمان الكثير من العرب والسعوديين بشكل خاص للمواقع الاجتماعية هو الرغبة بالهروب من واقع ممل وروتين قاتل فرضه عدم وجود وسائل بديلة، وهو جزء من طبيعة الحياة القائمة الانكفاء على الذات والتي تمارس قصدا أو بغير قصد، واعتبر عرب تويتر أن علاقات العالم الافتراضي أصبحت أوثق عروة من غيرها في العمل والمحيط الاجتماعي.
قال (almoajisa@) في حسابه على تويتر: في مواقع التواصل الاجتماعي وحتى برامج المحادثة الفورية الأفراد يميلون إلى المثالية والحديث الذي يفيض حكمة، والخوض في الأحاديث الطريفة وهو قطعا ليس مطابقا لحقيقة الكثير منهم، ربما بعضهم يحاول تصوير شخصيته وفق ما تمنى أن يكون وعجز عن فعله حقيقة.
ويقول (alghasla@) إن الناس أصبحت تعيش بوجيهن أحدهما حقيقي والآخر تويتري، وأكد مغردون أن لكل فرد شخصيتين حقيقية وافتراضية، الأسماء تختلف وكذا الكلمات والأصدقاء والمحيط أحدهما على أرض الواقع، والآخر على واقع تويتر الجديد.
وعودا على بدء، فالمجالس بأشكالها وخلافا لما يعرف عنها من احتوائها على الشارد والوارد من كل شيء وكانت حتى وقت قريب لا يتخطى العقدين من الزمان مكانا لا بديل له عن التزود بالعلوم والنوادر وحكايا التراث ونشرة للأخبار وأخرى للطقس وإخبارية يومية بالمواليد والوفيات، تحولت بفعل فاعل التقنية تجمعا لأجساد لا يمت أحدها للآخر بأي صلة، كل في فلكه يسبح، يطأطئ أصحابها كأن على رؤوسهم الطير يفضلون محادثة ذلك البعيد القابع في عالم افتراضي آخر مشابه. على ذلك الجالس بالجوار ربما لأنه يحمل الجديد الذي افتقده يوما في ساحته المحلية، وربما أيضا لأن زامر الحي دائما لا يطرب.

الأكثر قراءة