تركيا .. نظام رئاسي أم نظام برلماني؟

فجَّر نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ، الأسبوع الماضي، قنبلة من العيار الثقيل حين دعا الرأي العام والسياسيين إلى مناقشة فكرة تبني النظام الرئاسي، بدلا من النظام البرلماني الحالي، في إطار النقاش الدائر حول صياغة الدستور الجديد.
ومن المعروف أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لن يترشح في الانتخابات البرلمانية القادمة وأنه لا يخفي رغبته في الترشح لرئاسة الجمهورية في أول انتخابات رئاسية سيختار فيها الناخبون الأتراك رئيس الجمهورية بأصواتهم عبر صناديق الاقتراع، بعد أن كان انتخابه سابقا يتم بأصوات النواب فقط تحت قبة البرلمان.
طبيعة أردوغان غير قابلة لأن يكون رئيسا هادئا يجلس في قصر الرئاسة ويستقبل ضيوفه ويسافر إلى الخارج ويصوِّر الأماكن التي يزورها، كمتقاعد يأخذ راحته بعد عناء السنين الطويلة التي قضاها في العمل. فمنصب رئيس الجمهورية في النظام البرلماني المطبَّق حاليا في تركيا يشبه إلى حدٍ كبيرٍ منصبا شرفيا محدود الصلاحيات، وبالتالي لا يتوافق مع شخصية أردوغان وتطلعاته.
ومن أهداف أردوغان أن يكون رئيس تركيا في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية وأن ينجز مشاريع عديدة إلى ذاك التاريخ، تجعل تركيا أكبر قوة إقليمية. وإنْ ترشح أردوغان لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2014 وتم اختياره كأول رئيس منتخب من قبل الشعب مباشرة لمدة خمس سنوات، لتتم إعادة انتخابه لفترة رئاسية أخرى، فسيكون حينئذ رئيس الجمهورية لمدة عشر سنوات، أي إلى عام 2024 ليدرك عام 2023 وهو جالس على كرسي الرئاسة. ولكي يحقق أردوغان أهدافه في رئاسة الجمهورية، فإنه بحاجة إلى صلاحيات واسعة أكثر من الصلاحيات الممنوحة حاليا لرئيس الجمهورية. ومن هنا تأتي الرغبة في الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
وهناك إشكاليات محتملة وعلامات استفهام ظهرت بعد إقرار التعديلات الدستورية التي بموجبها سيختار الشعب التركي رئيس الجمهورية في نهاية فترة الرئيس الحالي عبد الله غول في 2014، لأن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء كليهما سيكونان منتخبين من قبل الشعب مباشرة وبالتالي، في حال أي تصادمٍ بين الرئيسين سيدعي كل منهما أنه هو الذي يمثل إرادة الشعب والشرعية.
مسودة الدستور الجديد بدأت كتابتها، كما أعلن رئيس البرلمان التركي جميل تشيتشك، ووعد بتقديمها إلى المواطنين مع نهاية العام الجاري. ومن المتوقع إدراج التغيير في طبيعة النظام بعد أن تتم مناقشة موضوع الانتقال إلى النظام الرئاسي بدلا من النظام البرلماني، على نطاق واسع في جميع الأوساط التركية. ولكن حزب العدالة والتنمية الحاكم لا يتمتع بثلثي مقاعد البرلمان حتى يمرر الدستور ولا الأغلبية التي تمكِّنه من إحالته إلى الاستفتاء الشعبي. وبالتالي، بحاجة إلى التنازل على الأقل لأحد الأحزاب المعارضة حتى يقبل التعاون معه في صياغة الدستور الجديد وتمريره من البرلمان.
أردوغان يرى أن النظام الرئاسي يعزز الديمقراطية في تركيا ويخلِّص السلطة التنفيذية من الأعباء البيروقراطية والطرق الملتوية الطويلة في سير الإجراءات، مشيرا إلى نجاح النظام الرئاسي في الولايات المتحدة، ومضيفا أن الشعب التركي أيضا يريد أن يرى في بلاده حزبين قويين أحدهما حاكم، والآخر معارض على غرار الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين. ولكن الأحزاب المعارضة كلها ترفض الانتقال إلى النظام الرئاسي جملة وتفصيلا بحجة أنه قد يؤدي إلى السلطنة والدكتاتورية.
النقاش الذي أطلق شرارته نائب رئيس الوزراء، تتسع دائرته مع دخول مسؤولين وشخصيات سياسية وقضائية في الخط وإبداء آرائهم حول الموضوع، سلبياً أو إيجابياً، ومن هؤلاء رئيس المحكمة الإدارية العليا حسين كارا كوللوكتشو، الذي دعا إلى مناقشة الانتقال إلى النظام الرئاسي ووصفه بـ ''نظام ديمقراطي يؤدي إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي''. وكان رئيس الجمهورية التركي عبد الله غول ذكر في وقت سابق أن لديه تحفظات على الانتقال إلى النظام الرئاسي، إلا أنه جدد مطالبته بمناقشة الموضوع أمام الرأي العام بكل أبعاده.
ورغم اتساع دائرة النقاش حول الانتقال إلى النظام الرئاسي، فإن الشارع التركي لا يدري حتى الآن ما الذي سيتغير بالضبط إن تم التخلي عن النظام البرلماني لتبني النظام الرئاسي، وذلك بسبب غياب كثير من التفاصيل في الفكرة المطروحة للنقاش. وعلى سبيل المثال، كيف ستكون الإدارة المحلية في النظام الرئاسي؟ وهل سيتم انتخاب المحافظين من قبل الشعب كما هو في النظام الأمريكي أم أن الحكومة ستعيِّنهم كما هو المطبق حاليا في تركيا؟ وغيرها من الأسئلة.. وحتى الآن، يدور النقاش بين المؤيدين للنظام الرئاسي والمعارضين له لأن أردوغان يريده.
لا شك في أن الانتقال إلى النظام الرئاسي من شأنه أن يعزز دور رئيس الجمهورية ولكنه في الوقت نفسه سيحرر البرلمان من سيطرة السلطة التنفيذية ويؤدي إلى فصل السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل أوضح، ويعزز دور البرلمان في الرقابة، وليس صحيحا أنه يؤدي إلى الدكتاتورية ما دام الشعب هو الذي يختار رئيس الجمهورية لفترة أو فترتين فقط.
الجميع يتفق على أن الانتقال إلى النموذج الأمريكي للنظام الرئاسي يستحيل في الظروف الراهنة، كما أن توجه الشارع التركي الذي سيقول الكلمة الأخيرة في الموضوع غير واضح حتى الآن، وهناك دراسة تشير إلى رفض 56 في المائة من الناخبين الأتراك الانتقال إلى النظام الرئاسي في مقابل تأييد 16 في المائة فقط، إلا أن هذه الأرقام لا يمكن الوثوق بها قبل أن تتم مناقشة الفكرة بكل أبعادها وتفاصيلها.
وقد يكون هدف أردوغان في طرح الفكرة للنقاش أمام الرأي العام أن تستنفد المعارضة طاقتها في رفض الانتقال إلى النظام الرئاسي لترضى في نهاية المطاف بنظام شبه رئاسي، على غرار النظام الفرنسي، يسهل الانتقال إليه مع بعض التعديلات في الدستور.

المزيد من الرأي