صناعة الطاقة النظيفة تواجه أزمة تمويل في الولايات المتحدة
في فترة ما بعد الظهر في فصل الربيع، عندما تتزايد غيوم الأمطار القادمة من المحيط الأطلسي، تبدو ولاية نيو جيرسي أفضل مكان للمراهنة على الطاقة الشمسية وهذا بالضبط ما كانت "إيكيا"، شركة الأثاث السويدية تقوم به.
يذكر أن سقف المتجر المتميز بألوانه المبهرجة، والواقع في ضاحية بارامس على بعد ثمانية أميال من مدينة نيويورك، مغطى بعدد 4,620 لوحة شمسية؛ يبلغ طول كل منها نحو 1.8 متر وعرضها متر واحد كما أن أسطحها شديدة الزرقة مثبتة في جهة الجنوب لتحصل على أشعة الشمس.
ووفقا لما قاله جوزيف روث إيكيا إن انخفاض أسعار اللوحات وزيادة حوافز الحكومات الفيدرالية إلى جانب الاستثمار طويل الأجل في مجال الطاقة الشمسية " يعطي انطباعا جيدا لنا كشركة".
وقد تكون نيو جيرسي مشهورة بأجهزة اسمرار البشرة أكثر من أشعة الشمس إلا أنها تعد ثاني أكبر الولايات من حيث الاستثمارات في مجال الطاقة الشمسية وذلك بفضل برنامج فعال يدعم تثبيت اللوحات الشمسية.
وبالرغم من أن الطاقة المتجددة، والتي لم تتولد من الوقود الأحفوري، ما زالت تشكل أقل من عشر إجمالي استخدام الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها تنمو بصورة كبيرة. فبين عامي 2006 و2011 تضاعف توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة باستثناء الطاقة المائية إلى 195 مليون ميغاواط بالساعة وهو ما يكفي لتزويد 17 مليون منزل بالطاقة.، تقريباً واحد من كل سبعة منازل ومع ذلك، فهذا الانتعاش على وشك التحول إلى إخفاق حيث تميل الحكومات الفيدرالية إلى تخفيض دعم استثمارات الطاقة الشمسية. ووفقا لتحليل صادر عن مؤلفين من المؤسسات الفكرية الثلاث الرائدة في الولايات المتحدة فصناعة الطاقة النظيفة تعاني "أزمة تمويل".
وصرحت ليثا تاوني من معهد الموارد العالمية، وهي مجموعة بحوث بيئية "إذا مرت هذه الأزمة دون أن نتخذ أي إجراء حيالها، سيكون من الصعب على الشركات الأمريكية العاملة في مجال الطاقة المتجددة أن تنافس على المستوى الدولي".
وأضافت: " تعد هذه لحظة فارقة حيال خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والاقتصاد الأمريكي على سواء".
ووفقا للتقرير، فمن المتوقع أن يخفض الدعم بما في ذلك المنح، ضمانات القروض، الإعفاءات الضريبية للأنشطة التكنولوجية مثل الطاقة النووية، السيارات الكهربائية، والأنواع المتطورة من الوقود الحيوي وغيره من مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، من أعلى قمة له في عام 2009 والذي كسر حاجز 44.3 مليار دولار أمريكي إلى 11 مليار دولار بحلول عام 2014. معظم هذه الأنشطة التكنولوجية لا يمكنها تجاريا الاعتماد على نفسها خاصة عند مقارنتها بصناعة الغاز الطبيعي المنتعشة لتوافر الغاز، مما أدى إلى انخفاض الأسعار إلى أدنى مستوى لها خلال عشرة أعوام.
وبدون تغيير الاتجاه في واشنطن، فصناعة الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة الأمريكية تواجه أسواقا منكمشة وإخفاقات تجارية وعشرات الآلاف من الوظائف الملغاة.
في العام الماضي، تحدث الرئيس باراك أوباما عن "لحظة سبوتنيك" – سباق الفضاء أثناء الحرب الباردة عندما أدركت أمريكا أنها أخفقت في الأنشطة التكنولوجية الحيوية وبدأت في القيام بالالتزامات اللازمة لتحقيق الطاقة النظيفة لتسترجع القيادة. وفي الألفينيات كانت هناك شعلة من الحماس تجاه مصادر الطاقة المتجددة إلا أنه يبدو أنها ستخفق كما فعلت في الثمانينيات.
ومنذ أعوام مضت، وصفت الطاقة المتجددة على أنها طريقة لإنقاذ الكوكب والأمة، لتجنب المخاطر المروعة لتغير المناخ وارتفاع أسعار النفط وانخفاض مستوى القطاع الصناعي بالولايات المتحدة.
يذكر أن الصناعة حققت تقدما ملحوظا وأقامت بعض الشركات عملا جيدا في القطاع الصناعي. فعلى سبيل المثال، تمتلك شركة جنرال إلكتريك توربين رياح كبيرا والذي ما زال يعمل بنجاح رغم تراجع هامش أرباحه حيث انخفضت الأسعار في السوق التنافسي.
وبوصفها أكبر مستثمر في الطاقة النظيفة وأكبر مستهلك للطاقة بعد الصين، تلعب الولايات المتحدة دورا مهما في الصناعة العالمية، إلا أنه يبدو أن الصناعة الأمريكية ستتوقف وربما تسير في الاتجاه المعاكس وهذا ليس في الولايات المتحدة فحسب فالحكومات في جميع أنحاء العالم تقلص دعم الطاقة المتجددة. وعلى سبيل المثال قطعت كل من ألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى الدعم عن الطاقة الشمسية، وحتى الصين كبحت جماح سرعتها إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك في هذه الدول الأخرى، يوجد ضغط لقطع الدعم وذلك لتخفيف الضغط على موازنة الدولة وعلى مصروفات المنازل من حيث الضرائب وفواتير الطاقة وبالرغم من ذلك تبدو المشكلة مشكلة سياسية بشكل أكبر.
وتقول كريستين تيزاك من شركة بيرد للاستثمارات الواقعة في ولاية ويسكونسن: "وضع الرئيس أوباما صناعة الطاقة النظيفة ضمن برنامجه ولهذا كلما اقتربت الانتخابات ازداد هجوم الجمهوريين الشرس عليه". وكان انهيار "سوليندرا"، شركة تصنيع الألواح الشمسية في ولاية كاليفورنيا والتي أفلست العام الماضي بعد أن اقترضت مبلغ 527 مليون دولار من الحكومية الفيدرالية، واستغلها الجمهوريون كمثال على سوء إدارة الرئيس أوباما.
ووصف بول ريان، رئيس لجنة الموازنة في مجلس النواب، "سوليندرا" قائلا: "سياسة صناعية ومحسوبية رأسمالية بشكل أسوأ مما يكون... اختيار الفائزين أوالخاسرين من واشنطن".
ومن الجدير بالذكر أن ميت رومني الذي يواجه أوباما في الانتخابات الرئاسية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) قد اتخذ الطريق ذاته.
ويرى الجمهوريون المعارضون أن هذه محاولات لتجديد برامج الدعم المحددة بمدة – بعضها من التحفيز الاقتصادي للرئيس أوباما في عام 2009 وبعضها من دفعة الطاقة النظيفة التي شهدها عصر جورج دبليو بوش- حيث تواجه معركة شاقة. وأكبر ما ينتهي هذا العام هو ائتمان ضريبة الإنتاج لطاقة الرياح المحلية والتي تمثل العامل الأهم وراء التوسع أربعة أضعاف بتوليد طاقة الرياح منذ عام 2006. يذكر أن المحاولات الأخيرة في الكونجرس لمده قد باءت بالفشل.
ويحذر تولسي تانتي، المدير التنفيذي لـ"سوزلون"، مصنع توربينات الرياح الهندي والذي يوظف ما يربو على 600 عامل في االولايات المتحدة من العواقب الوخيمة لانتهاء الائتمان الضريبي دون وجود دعم فيدرالي بديل. وأضاف: "يجب أن يتم التمديد ولو لعام آخر على الأقل لأننا لسنا مستعدين للخطوة التالية لأنه إذا تم إلغاء ائتمان ضريبة الإنتاج ستنهار الصناعة".
كما حذرت جمعية طاقة الرياح الأمريكية من فقدان 37 ألف وظيفة في مصانع التوربينات وشركات الإنشاءات وخدمات الدعم إذا لم يتم تجديد الائتمان الضريبي.
وتجدر الإشارة إلى أن معدات التصنيع مثل الألواح الشمسية في الولايات المتحدة ليست هي الخيار الأكثر فعالية، كما أن النمو السريع في منشآت الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة كان مدفوعاً بتوافر الألواح الصينية رخيصة الثمن والتي جعلت توليد الطاقة الشمسية أكثر قدرة على المنافسة ولكنها أدت إلى تقلص دور المصنعين الأمريكيين لدرجة أن بعضهم اشتكى للسلطات الأمريكية لمكافحة الإغراق.
واعترفت كارول براونر، التي ظلت حتى العام الماضي كبيرة مستشاري أوباما لشؤون الطاقة والتغير المناخي وتعمل حالياً في مؤسسة التقدم الأمريكي، أن تطوير صناعة الطاقة النظيفة كان أبطأ مما كانت تتمني، وقالت: " كان الغرض من إدخال أموال الممولين هو إقامة جسر يهدف إلي إمكانية تطبيق هذه التقنيات على الجانب التجاري، دعونا ننظر إلى الخمس سنوات الماضية لنرى ما إذا كنا تمكنا من خلق صناعة جديدة، أعتقد أنه سيثبت في المحصلة الأخيرة أننا فعلنا ذلك".
ورغم ذلك، كان الخطأ الآخر للإدارة الأمريكية هو التقليل من المدة الزمنية التي تطلبها بناء هذا الجسر. وكانت هناك آمال بأن تصبح مصادر الطاقة المتجددة قادرة في وقت قريب على منافسة الفحم والغاز دون تلقي دعم كبير من الحكومة، ولكن هذا اليوم تأجل نتيجة ثورة الغاز الصخري في أمريكا الشمالية، والتي أفرزت احتياطيات ضخمة لم تكن مستغلة تجارياً في الماضي من خلال عمليات التسكين الهيدروليكي أو " التكسير".
وتجدر الإشارة إلى الانخفاض السريع في تكلفة طاقة الرياح والطاقة الشمسية على وجه التحديد نتيجة التقدم التكنولوجي والاستثمار في قدرات جديدة. وبحلول العام الماضي- في أوقات معينة ومناطق معينة مثل ولايات الغرب الأوسط أو صحراء كاليفورنيا- يمكن العمل بمولدات طاقة تقليدية على أساس متساو تقريباً.
وألقى انخفاض أسعار الغاز الطبيعي بهذه الحسابات في مهب الريح، وقالت تيزاك إن" أسعار الغاز تنخفض بشكل أسرع من انخفاض تكلفة مصادر الطاقة المتجددة".
ومع توفير المصانع التي تعمل بالغاز للمرونة اللازمة لمواجهة الطلب عند الحاجة، على عكس الرياح والطاقة الشمسية، فإن الغاز سيكون الخيار الأول للمرافق في سوق حر بشكل تام.
وكما قال جريج هايز، المدير المالي في شركة يونايتد تكنولوجيز، عند مناقشة خطط المجموعة الصناعية لبيع أعمال توربينات الرياح الخاصة بها " كلنا نخطئ. ومع ظهور التكسير وانخفاض أسعار الغاز الطبيعي، تسبب ذلك في جعل طاقة الرياح أقل من الناحية الاقتصادية مما توقع الجميع منذ عامين".
ويأمل العاملون في هذه الصناعة أن يمتد الإعفاء الضريبي، وربما يتم ذلك خلال فترة ما يعرف بـ "البطة العرجاء" في الكونجرس بعد انتخابات شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ولكن قبل انعقاد الدورة الجديدة في كانون الثاني (يناير).
وقال تانتي إن الوسيلة الأفضل على المدى الأطول لتأمين مستقبل هذه الصناعة هو وضع معيار فيدرالي يتطلب استخدام الطاقة المتجددة مثل الذي وضعه الاتحاد الأوروبي، وستكون لذلك ميزة كبيرة تتمثل في تجنب النظام الضريبي.
وقال مار مورو، من مؤسسة بروكنجز ومقرها واشنطن وأحد كاتبي تقرير"هاوية التمويل"، إن الأزمة قد تتيح الفرصة للديمقراطيين والجمهوريين للاتفاق على إستراتيجية للطاقة أكثر عقلانية بهدف تجنب التخلص التدريجي "الفوضوي" من الدعم.
ومع هذا، هناك مشكلة رئيسية قد تحول دون ذلك. فالجدل الأمريكي الدائر حول الطاقة المتجددة يتعلق بتغير المناخ. وكثيراً ما يحاول أنصار الطاقة المتجددة تعزيز قضيتهم بالإشارة إلى التكلفة وأمن الإمدادات فضلاً عن فواتير واردات النفط الضخمة التي تتكبدها الولايات المتحدة، كما حذروا من التهديدات التي تحيط بطرق الإمدادات العالمية.
ولكن يصعب الآن طرح هذه الحجج في ظل انتعاش إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي والنفط، الأمر الذي يزيد من احتمالية تخفيض واردات النفط بصورة كبيرة أو حتى إنهائها. ويذكر أن الميزة الواضحة لمصادر الطاقة المتجددة هي أنها تساعد على الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تهدد بالتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري الكارثية، ولكن يصعب حتى مناقشة تغير المناخ في الحزب الجمهوري اليوم. وقال ليبريتش في هذا الصدد: "في ظل اهتمام جمهور الناخبين بالنواحي المالية، يصعب حقاً أن يتوجه إليهم أحد ليقول: الغاز رخيص، ولكننا قررنا إقامة مزارع رياح دون وجود سبب مقنع يمكننا توضيحه".
وحتى يتم الإجماع على ضرورة التصدي لخطر التغير المناخي، من المحتمل أن يستمر قطاع الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة في الانحدار نحو الهاوية بسبب أزمة التمويل.
دراسة حالة .. اتباع النهج منخفض التكاليف يمثل منارة للمستقبل
لا يحرص عدد كبير من المسؤولين التنفيذيين في مجال الطاقة المتجددة على مقارنة شركاتهم بـ "سوليندرا"، وهي الشركة المصنعة لألواح الطاقة الشمسية المبتكرة والتي انهارت العام الماضي. وأعرب جيم نيلسون، الرئيس التنفيذي لشركة "سولار ثري دي" وهي شركة ناشئة في مجال الطاقة الشمسية، عن سعادته بهذه المقارنة التي يرى فيها دروساً مهمة لمستقبل سياسة الطاقة في الولايات المتحدة.
وقال نيلسون في هذا السياق:" يتعين على الحكومات تمويل البحوث الأساسية، فسجلهم فيها إيجابي نسبياً. ولكن عندما يشرعون في محاولة تسويق التكنولوجيا فإن ذلك أصعب كثيراً عليهم".
يذكر أن شركة سوليندرا ومقرها ولاية كاليفورنيا، والتي أشهرت إفلاسها بعد اقتراض 527 مليون دولار من الحكومة الفيدرالية، أصبحت مضرب المثل في الفشل.
وتقع شركة سولار ثري دي، شأنها شأن شركة سوليندرا، في كاليفورنيا، كما أنها تأمل مثل "سوليندرا" في طرح تكنولوجيا جديدة في السوق تعتقد أنها ستقدم أداء أفضل وتكاليف أقل. وقامت "سوليندرا" بطرح أنابيب لتجميع الضوء، بينما تقدم "سولار ثري دي" خلايا يمكنها التقاط الضوء من زوايا أوسع وبكفاءة أعلى من الألواح المسطحة التقليدية مما يسمح بجمع المزيد من الطاقة من نفس المنطقة. ويقول نيلسون الذي عمل من قبل في شركة باين للاستشارات الإدارية، على غرار ميت رومني، إن هناك طريقة أفضل لتسويق تكنولوجيات الطاقة الجديدة.
وتمثلت الاستراتيجية التي انتهجتها "سوليندرا" في تشييد مصانع وتجهيزها وتوظيف أكثر من ألف عامل. وقال نيلسون إن " هذه استراتيجية عالية التكلفة وتلتهم أكثر من 500 مليون دولار من أموال الممولين".
وأضاف: "من المفارقات أن هذا النهج مرتفع التكلفة ربما ساعد الشركة على ضمان قروض فيدرالية، حيث يبدو واعداً في نظر الحكومة لأنه سيوفر 1,100 فرصة عمل، ولكن ما يبدو واعداً لأصحاب رأس المال المغامر أو المستثمرين في الأسهم الخاصة سيكون مختلفا تماماً".
وهو بالفعل يتبع في شركته ما يقوله حيث تقل ميزانية الشركة عن عشرة ملايين دولار ولا يوجد فيها سوى خمسة موظفين. وتعتزم الشركة البحث عن شريك مُصنع منخفض التكاليف، ومن المرجح أن يكون داخل الولايات المتحدة، عندما تكون مستعدة للدخول في مرحلة الإنتاج دون الحصول على أي قروض أو منح فيدرالية.
وفي الوقت الذي ينحسر فيه تيار الدعم الحكومي للطاقة النظيفة نتيجة الضغوط لتقليص الإنفاق الحكومي، من المرجح أن يضطر المزيد من الشركات التي تسعى إلى تطوير تكنولوجيات جديدة أن تحذو حذو "سولار ثري دي".
واعترف نيلسون بأن شركته قد لا تحقق نجاحاً رغم قوله إنه " متفائل وواثق أننا يمكننا إنجاحها".
ولكنها إذا أخفقت فإنها على الأقل لن تفلس نتيجة امتلاكها نصف مليار دولار من أموال الممولين الأمريكيين.