المفروض والمفترض !!
حدث أن اتصلت البارحة على البنك (الفلاني) خدمة (أون لاين) لاستعلم عن عملية سداد لبطاقة ائتمان منذ شهر تقريباً ولست أعرف التاريخ بالتحديد وليس عندي كشف حساب، لتجاوبني (موظفة) صوتها ( عالي الذبذبة مزعج) وكأنها تؤنبني ضمنياً لأني أتصلت ؟! قالت لي: أهلاً يافلانة كيف أخدمك ؟ وشرحتُ وفسرتُ وطلبت، وهي ليس على لسانها سوي (ايوا حبيبي ؟؟) (نعم حبيبي!) (طيب حبيبي!) ، تخيلوا أنها تردد مع أي جملة تقولها كلمة (حبيبي) !!
تناديني (حبيبي) وهي لا تعرفني ولم يكن بيننا مودة ولا محبة والله على ما أقول شهيد ! أفادتني (طال عمرها) بصوت مؤنبٍ آمر: "المفترض والمفروض أنك عارفة التاريخ بالظبط، وإلا فتوجهي لأقرب فرع لاستخراج كشف حساب، (ما حأقدر أسويلك شيء) !!" وأسقط في يدي (كما يقولون)، فقد ضغطت (حضرتها) بأسلوبها المتهكم على أعصابي فأشعرتني بأني المخطئة والمذنبة وأحتاج إلى أن أتوب إلى الله توبةً نصوحا ! تغيرت لغة الحوار وأنقلب مسار المكالمة.. إلى ما لن تنساه طوال حياتها المهنية. (فكفاية) أني سمعت منها كلمة (حبيبي) 11 مرة خلال دقيقتين ! ، أنا العميلة (The Customer) طالبة الخدمة (اللي حاطة فلوسي في بنكهم) واحتاج لمن يفيدني بشأن عملية مصرفية، تتواصل معي بشكل (منفر وغير مرحب) تجعلني أرغب قفل الحساب وتخبئة (الفلوس) تحت البلاطة إلى الأبد. طلبت المساعدة قدر الامكان ولكنها لا تؤمن بمبدأ (العميل دوماً على حق) في علم التسويق ، ولا بمهارات التفاوض والاقناع ، ولا للاهتمام بترك الانطباع الحسن خلال التواصل لنحقيق رضا العميل. ليتني أعرف آلية اختيار البنوك لموظفي وموظفات خدمة العملاء في الهاتف المصرفي ؟
وبعد محاولات مستميتة (للتفاهم) طلبت التحدث إلى المدير وفق سياسة (I want the manager now) ، فالقرار يأتي من (رأس السمكة) ويحاسب رأس الهرم عن الفساد. وفعلاً وبلمح البصر (طلع) لي صوت المدير المسؤول، وبكل حرفية ومهنية قدم لي الخدمة في وقت قياسي، فشكرته بعدها وأفدته بالرأي حول أداء الموظفة (إياها) وزعم أنها متدربة مستجدة (على حد قوله)، فعلقّت بأنه لابد من التدريب المتخصص لتأهيل الموظفات قبل التوظيف، فالسعودة وتأنيث الوظائف لا يعني سد الشواغر على حساب خدمة العميل ، والتواصل عبر الهاتف فن، والرد على العملاء يحتاج إلى مهارة وحرفية لتتحقق الأهداف المرجوة.
ولأني أومن بضرورة التعبير عن الرأي باستخدام أفضل الطرق الملائمة للمتلقي سألت عن سياسة اختيار (الموظف) الملائم للقيام بالتواصل مع العملاء لخدمة الهاتف المصرفي (وأنا أعلم أن المحادثة مسجلّة وفيها كل (حوار الحبيبي). أقصد بالملائم (نبرة الصوت، الحزم الذي يعكس الجدية والمصداقية في التعامل، اختيار الكلمات المناسبة، مهارات التواصل اللفظي، الثقافة العامة)، نوع التدريب والتأهيل الذي يتلقاه قبل ممارسة العمل ، وهل يدخل ضمن التدريب ترديد كلمات مثل: (حبيبي ومفروض وأسمعي) ؟ ضحك المدير وحاول استرضائي ووعد بأخذ ملاحظاتي بعين الاعتبار.
أعلم أن (المفترض والمفروض) شيء (والواقع والمتوقع) شيء آخر. هي الكلمة تُنطق في التوقيت الحرج ويقف الجهل عند حافتها فيسقط الآخرون تباعاً أمامنا نحو الهاوية، ولا نملك إلا أن نصاب بالذهول كون المتوقع أقل من المأمول. ولأني أريد صلاح الموجود بدلاً من انتظار المفقود في الخدمات التي تقدم لنا في القطاع الخاص أو الحكومي (على افتراض أن (ثقافة العمل هي الموجود !) ، عليه فإني أتوقع أن يُعامل كل طالب خدمة بما يستحق دون أن يمنّ الموظف على (أم رؤوسنا) بالخدمة التي يتوجب عليه أن يؤديها باتقان واخلاص وطيبة نفس. من حق المواطن والمقيم أن يتلقى خدمات ذات مستوى يرتقي إلى طموحات مجتمع المعرفة والعالم الأول. فأين نحن من ذلك ؟!
وصل الشعور العام لدى أغلبية الناس إلى اللامبالاة نحو تردي مستوى الخدمات لأن السيء أصبح هو المشُاع وجودة الأداء هي النادرة . ونحتاج فعلاً إلى وقفة حازمة من الجميع، فلن يغير الله أحوالنا حتى نغيّر ما بأنفسنا للأحسن، وفي نفس الوقت لن نتعامل مع الظواهر كمعضلة أزلية لا يمكن حلّها، فما زال هناك موظفون متميزون لكن لم ينالوا حظهم من التقدير والتحفيز، ومازال هناك أمل في الرفع من جودة أداء القطاع الخدماتي في الوزارات والمؤسسات والهيئات. وأقترح أن يتنكر (مدراء العموم أو المسؤولون عن تقييم الأداء ومكافحة الفساد) في زي مراجع (ضعيف) يطلب الخدمة، يقوم بجولة متخفية خلال الدوام لسبر الواقع الحقيقي في المؤسسة، ومن ثم الرفع بالتقارير للجهات العليا، وسينكشف (عوار) المؤسسة وما يجري فيها (ويبان) ويظهر بكل (أمان) دون تزييف من البطانة المحيطة بسعادة المدير. أيها المسؤولون أبتكروا أساليب للتقييم والمحاسبة والمساءلة وإثابة المتميز ومعاقبة المقصّر فمن أمن العقوبة أساء إلى العمل.
كلمات مثل (المفروض والمفترض وحبيبي) نريدها أن تنقرض فلا تخدش جودة الأداء الوظيفي، ولا تمرغّ أنف إتقان العمل (في التراب).
سامحكَ الله أيها البنك ماالذي فعلتْهُ بنا فلانة ... عذراً أقصد (حبيبي) !