جهود سعودية في مكافحة عمليات غسل الأموال

نظم المعهد المصرفي، برعاية محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور فهد بن عبد الله المبارك، وبالتعاون مع مؤسسة تومسون رويترز Thomson Reuters الملتقى الرابع ''للالتزام ومكافحة غسل الأموال''، وذلك خلال الفترة من 19 إلى 20 آذار (مارس) 2012 في مقر المعهد في الرياض.
من بين أهداف الملتقى، تشخيص التحديات، التي تواجهها المصارف في أعمالها التشغيلية اليومية، وكذلك التطورات الراهنة في مجال مكافحة غسل الأموال، إضافة إلى التحديات التي تواجه صناعة الالتزام وكيفية التعامل معها. من بين أهداف الملتقى أيضًا، العمل على إيجاد أرضية وبيئة مشتركة لتبادل الخبرات الدولية والمحلية، وعرض أفضل الممارسات والتجارب المتاحة في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال، إضافة إلى نشر ثقافة إدارة الالتزام وإدارة المخاطر لدى العاملين في المصارف والمؤسسات المالية، بالشكل الذي يساعد على خلق مجتمع مهني متماسك في مواجهة التحديات المتزايدة وتقليل المخاطر التي تواجه العاملين في المصارف والمؤسسات المالية على حد سواء.
نظرًا للآثار السلبية العديدة، التي تخلفها عمليات غسل (تبييض) الأموال، على البيئة الاقتصادية والاجتماعية في أي بلد في بلدان العالم، وأيضًا في ظل تنامي أحجام وقيم تسوية المدفوعات المالية على مستوى العالم، باستخدام أحدث تقنيات العصر المتاحة في مجال وسائل الاتصال الإلكتروني المختلفة، تكاتفت الجهود العالمية لمحاربة عمليات غسل الأموال والحد من انتشارها، ولا سيما أن عمليات غسل الأموال شهدت في الآونة الأخيرة، نقلة نوعية في تنوع وتعدد الأساليب المستخدمة في تنفيذها، إضافة إلى أن حجم الأموال المغسولة على مستوى العالم أصبحت تنمو بوتيرة متسارعة خلال السنوات القليلة الماضية، إذ يقدر صندوق النقد الدولي حجم الأموال المغسولة على مستوى العالم ما بين 2 إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين قدرت مجموعة العمل المالي (الفاتف) حجم الأموال المغسولة بمبلغ 300 مليار دولار أمريكي سنويًّا، ووفقًا لتقديرات وزارة الخارجية الأمريكية، فإن حجم الأموال المغسولة في العالم قد يصل إلى نحو 500 مليار دولار أمريكي سنويًّا.
نتيجة لضخامة حجم نشاط عمليات غسل الأموال على مستوى العالم، وتسببها في حدوث أضرار اقتصادية واجتماعية جسيمة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، انتشار الفساد المالي والإداري بما في ذلك الأخلاقي، تنبهت الحكومة السعودية لجميع هذه المخاطر، وتصدت لها بإصدار نظام لمكافحة عمليات غسل الأموال يتكون من تسعة وعشرين مادة، حددت بدقة تامة أنواع وأساليب عمليات غسل الأموال، والعقوبات المترتبة عليها، كما أنشأت المملكة لجنة تختص بمكافحة عمليات غسل الأموال (اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال) مقرها مؤسسة النقد العربي السعودي، تأتي في مقدمة اهتماماتها واختصاصاتها، دراسة الموضوعات المتعلقة بعمليات غسل الأموال في المملكة ومتابعتها، والتوجيه بشأنها للجهات المعنية، إضافة إلى اقتراح السياسات والإجراءات والتقنيات المناسبة لمكافحة عمليات غسل الأموال.
كما أنشأت المملكة وحدة متخصصة في التحريات المالية، تتبع لوزارة الداخلية، وترتبط بمساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، وتختص بتلقي البلاغات عن المعاملات المالية المشبوهة وتحليلها وإعداد التقارير عنها، ومن ثم إحالتها للجهات المختصة، إضافة إلى قيامها بتبادل المعلومات مع الجهات ذات العلاقة داخليًّا وخارجيًّا بهدف مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
من بين جهود المملكة في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال والأموال المشتبه بها، إلزام كل مسافر (شخص طبيعي، أو شركات ومؤسسات مالية وغير مالية، ومحال ذهب، وبعثات الحج والعمرة وشركات الخدمات الخاصة بنقل النقد أو الطرود البريدية وغير البريدية والإرساليات) سواء مغادرًا للمملكة أو قادمًا لها بالتصريح والإفصاح للجمارك السعودية عن المبالغ النقدية أو الأدوات المالية القابلة للتداول أو المعادن الثمينة، التي تزيد قيمتها على 60 ألف ريال أو ما يعادلها من العملات الأخرى.
بالنسبة للقطاع المصرفي أنشأت مؤسسة النقد العربي السعودي في عام 1995، شعبة لمكافحة عمليات غسل الأموال بالمؤسسة، تم تزويدها بموظفين ذوي كفاءة تدريب عاليين، كما ألزمت المؤسسة البنوك التجارية العاملة في المملكة، بإنشاء وحدات مماثلة للتعاون فيما بينها وبين الشعبة في المؤسسة والجهات الأمنية ذات العلاقة، كما أصدرت في العام نفسه، إرشادات للبنوك التجارية العاملة في المملكة بشأن منع ومكافحة عمليات غسل الأموال، تمت صياغتها بأسلوب يحاكي التوصيات الأربعين الخاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال والصادرة عن مجموعة العمل المالي (فاتف)، وما تبعها من توصيات إلحاقية ذات العلاقة، وبالذات المرتبطة بمبدأ ''اعرف عميلك''، التي ترتبط أيضًا بمراقبة وتبليغ الجهات الأمنية المختصة (وحدة التحريات المالية) بالأنشطة المشتبه بها.
جدير بالذكر أن البنوك لا تقوم بفتح حسابات للعملاء أو تنفيذ عمليات مصرفية لهم، في حالة عدم توافر معلومات وبيانات شخصية دقيقة عنهم، ولا يجيز لها النظام أيضًا فتح حسابات لمجهولي الهوية أو حسابات رقمية.
جميع تلك الجهود وغيرها التي بذلتها المملكة في سبيل مكافحة عمليات غسل الأموال، مكنتها من الحصول على تصنيف عربي وعالمي متقدم للغاية في قدرتها على مكافحة عمليات غسل الأموال، حيث على سبيل المثال، حصلت على المركز الأول عربيًّا بشهادة فريق المينا فاتف، مما حقق للمملكة سمعة مالية ومصرفية عالمية جيدة بما في ذلك استثمارية، ساعدت على جذب الاستثمارات الأجنبية وتوطين الاستثمارات المحلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي