منتدياتنا وفيلم الحدود
لا أذكر مؤتمرا أو منتدى أو ملتقى أو ورشة عمل حضرتها أو تابعتها أو لم أتابعها أو لم أعرف عنها، إلا وطرحت فيها كل قضايانا الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والبيئية والسياسية وعلاقة الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، ودعي لها خيرة المختصين والمختصات في كل المجالات المذكورة وغيرها، ويكون الطرح في أغلبها جمع وتحليل المشكلات والأسباب منطقية وعقلانية وإن كان يعاب على البعض أنه يقدم الورقة نفسها أو البحث نفسه مع تغيير العنوان لينسجم مع موضوع اللقاء، ومع كل ذلك لا ترقى مخرجات تلك المؤتمرات والندوات والورش إلى إيجاد العلاج المناسب لحل المشكلات ووضع الرؤية التنموية المطلوبة.
إن أغلبية مؤتمراتنا وندواتنا ولقاءاتنا، إذا لم تكن كلها، تنتهي بانتهاء اللقاء وتفرق الأحبة بعد وجبة غداء أو عشاء ولسان حال الجميع يقول ''أحسن الله عزاكم وشكر الله سعيكم'' وإلى لقاء في لقاء آخر نتباكى فيه على حالنا ونعرض فيه مشكلاتنا ثم نفترق دون إضافة جديد لتطوير جديد.
كما أن أغلبية تلك المؤتمرات واللقاءات ربما تنتهي بتوصيات لا يمكن حصرها، وإذا حصرت لا يمكن تنفيذها، لأنها في الأساس توصيات غير قابلة للتنفيذ لأسباب كثيرة لا تخفى على من يعدها ومن يقرأها ومن يطلع عليها، ولهذا تذهب جهود العاملين والمشاركين في مثل تلك المؤتمرات والندوات هباء منثوراً، وتفقد بسبب ذلك الكثير من الجهد والوقت والمال دون فائدة حقيقية يمكن الاستفادة منها في تنمية هذا الوطن العزيز، وربما بناء على ذلك أصبحت مؤتمراتنا ومنتدياتنا، خصوصا ما هو معتمد منها بشكل سنوي، تتحول إلى مؤتمرات ومنتديات للعلاقات الشخصية والعمل على تلميع بعض الأسماء دون الاهتمام بالمحتوى والمخرج، وهذا أدى إلى غياب تقديم مخرجات تلك المنتديات والمؤتمرات وترك أمر التصرف فيها واستغلالها في يد فئة تحركها نحو الإساءة المباشرة وغير المباشرة لمكتسبات الوطن، حتى إن بعض المشرفين والعاملين والمحاورين في تلك المؤتمرات والندوات يتعاملون مع الوطن وسياساته ومكتسباته وكأنها ليست جزءا منهم ويستخدمون لغة أو أسلوب المخاطب الأجنبي للمشاركين فيها مثل قول أحدهم موجها حواره له ''أنتم في السعودية تفعلون كذا وكذا''، علما أن المحاور والمحاور كلاهما سعوديان، ومثل هذا المشهد يعطي الانطباع الصادق لما وصلت إليه بعض مؤتمراتنا ومنتدياتنا من فجوة لا يجب السكوت عليها أو تركها تضعف من اللحمة الوطنية لهذا الوطن العزيز.
إن الاستفادة المرجوة من حجم المؤتمرات والندوات والمنتديات والملتقيات وورش العمل وغيرها مما يعقد سنويا في المملكة ويصرف عليها ملايين الريالات ويدعى لها خيرة الكفاءات من الداخل والخارج توجب علينا العناية بها واستثمارها الاستثمار الوطني الأمثل.
الاعتناء بالمؤتمرات والمنتديات واستثمار واستغلال كل طاقة وفكر ومال يصرف فيها وعليها يحتاج إلى تحديد الأولويات التي يجب التركيز عليها، وتلك الأولويات يجب أن ترتبط بالشأن الوطني وفي الشأن الوطني نتكلم عن المواضيع ذات الأولوية التي تحدد قضايا على أساس أن الأهم أولاً ثم المهم، ولا يكون هدف تلك المنتديات تلميع شخصيات بعينها أو تعمل ضمن أطر ومصالح أشخاص بينهم يعملون ويستغلون مؤتمراتنا ومنتدياتنا لتحقيق مصالح أو علاقات شخصية، يبدأ وينتهي المؤتمر أو المنتدى وهو يدور حول مصالحهم.
إن الجهود التي تبذل في عقد المؤتمرات والمنتديات واللقاءات وغيرها مما يكلف الدولة والحكومة والقطاع الخاص وغيرها من القطاعات ملايين الريالات والساعات من العمل ثم تنتهي كل تلك الجهود بإلقاء الكلمات والانتهاء بالتوصيات التي لا يمكن تفعيلها أو الاستفادة منها على أرض الواقع، ما يفقدنا الكثير ويدفعنا إلى طلب التغيير من أجل التطوير المنشود الذي تدعو له قيادة المملكة العربية السعودية.
المؤتمرات والندوات والمنتديات يجب أن تركز على قضايانا المحلية وتعالج ما نحتاج إليه من علاج فيما يمس متطلبات المواطنين الملحة، وأن نقدم الأهم على المهم ومصالح الوطن على مصالح الأفراد الشخصية، وأن نجعل لنا معيارا نقوّم به منتدياتنا ومؤتمراتنا، فما يقدم الخير للوطن ندعمه وما لا يقدم الخير للوطن نعدله أو نلغيه ونعمل على تنفيذ المقترحات والتوصيات التي تخدم شؤون حياتنا ونجعل من مؤتمراتنا ومنتدياتنا طريقنا نحو العالم المتقدم وليس العكس ونصبح مثل فيلم الحدود كل يلقي كلمته ويبقى الوضع السيئ على ما هو عليه.
وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل:
''كلما أنبت الزمان قناة
ركب المرء في القناة سنانا
ومراد النفوس أصغر من أن
نتعادى فيه وأن نتفانى
غير أن الفتى يلاقي المنايا
كالحات ولا يلاقي الهوانا
وإذا لم يكن من الموت بد
فمن العجز أن تموت جبانا''