أموت وفي نفسي شيء من سوف!

على فراش الموت قال لغوي كبير - أفنى حياته في الصرف والإعراب - قال رحمه الله: ''أموت وفي نفسي شيء من حتى''، وأستعير مأثورته وأقول: ''سأموت وفي نفسي شيء من سوف'' .. فكل مسؤول حكومي يتلقى نقداً على عمله يسارع بإصدار بيان يقول فيه: ''إنه سوف يتم إصلاح كل شيء''.
إن التسويف آفة من آفات العمل الحكومي .. وما أسهل أن تقول إن الشيء الفلاني .. أو الموضوع العلاني سيتم حله بعد سنوات .. والسين هنا اختصار لسوف .. عليها اللعنة.
وفي أواخر الشهر الماضي .. انعقدت جمعية حقوق الإنسان بمنطقة ''مكة المكرمة'' النقص الكبير في أسرّة العناية المركزة في مستشفيات ''جدة''، مشيرين إلى توافر 1500 سرير فقط لخدمة 4 ملايين نسمة، كما تحدث أعضاء جمعية ''حقوق الإنسان'' عن ضعف الإمكانات الصحية في ''جدة''، وأنها لا تفي بحقوق المواطن التي ضمنتها له الدولة ... إلخ. والحقيقة أنه من دون تقرير جمعية ''حقوق الإنسان'' الجميع يعرف أن هناك قصوراً في عدد الأسرّة ليس في ''جدة'' فقط ولكن في كافة مدن المملكة، ولكن لأن ''جدة غير'' فإن صحة ''جدة'' بدلاً من شكر جمعية ''حقوق الإنسان'' تحاول الدخول في جدل عقيم لا فائدة منه والتهرب من المسؤولية، حيث نفت أي نقص في الأسرة ''بجدة'' عندما أعلنت أن في ''جدة'' 7135 سريراً وليس 1500، كما ذكرت جمعية ''حقوق الإنسان'' وفي نفس يوم صدور تصريح ''صحة جدة'' صرح وزير الصحة لجريدة ''الوطن'' في 8/3/2012 بأنه سوف يتم القضاء على مشكلة أزمة الأسرّة في المستشفيات الحكومية خلال سبع سنوات''. ورغم أن هذا الوعد من الوزير يدخل في باب ''سوف'' الواسع .. إلا أنه أحسن مما صرحت به ''صحة جدة'' كثر خيرها .. حيث ذكرت أن كل شيء تمام يا أفندم كما يقول الإخوة في ''مصر'' الشقيقة.
بعض المستشفيات في حالة يرثى لها في مدينة ''جدة''، وكنا نتمنى من ''صحة جدة'' بدلاً من التبرير إصلاح الأحوال أو حتى ''سوف'' بالقليل .. خذ عندك مستشفى الصحة النفسية ''بجدة'' أو مستشفى ''الأطفال والولادة'' .. يجب أن تكون هناك جهة محايدة تحقق وتدلي برأيها حول ما ذكره أعضاء جمعية ''حقوق الإنسان'' صحيح أو نفي ''صحة جدة'' هو الصحيح: وأن لا أزمة أسرة ''بجدة''؟! متى تتغير ثقافة المسؤول عندنا ويأتي يوم يقول لنا مسؤول في الصحة نعم هناك تقصير ونعدكم بالإصلاح .. أي بـ ''سوف'' أصبحنا نتطلع لسماع كلمة ''سوف''.
ويبدو لي أن ''صحة جدة'' ضمت الأسرّة في العسكري والحرس والجامعة والتخصصي إلى أسرّة وزارة الصحة، بينما تلك الأسرّة غير متاحة للمواطن في خارج الجهات التابعة لها تلك المستشفيات. إن أول خطوة في الطريق الصحيح هو الاعتراف بالمشكلة ومن ثم إيجاد الحلول عندما تتوافر الاعتمادات المالية ... إلخ.
باختصار الناس تريد حلولاً سريعة .. فقد انتظرنا طويلاً جداً جداً جداً على تردي الأوضاع الصحية .. والخوف يا وزير الصحة أن السنين تمدد و7 أخرى، وأخرى، وهكذا دواليك والشواهد كثيرة، ولعل أبرزها مستشفى شمال جدة ''المتأخر من سنوات طويلة''.
نهايته .. من ''مختار الصحاح لأبو بكر الرازي'' أن حتى هي حرف جر كلي، وعاطفة كالواو وحرف ابتداء يستأنف بها ما بعدها ... والله أعلم .. وكما مات اللغوي وفي نفسه شيء من حتى أموت وفي نفسي شيء من سوف .. والأعمار بيد الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي