شهادة لاجارد على متانة الاقتصاد السعودي والمصرفي

تشرفت بدعوة مجلس الغرف السعودية بتاريخ 4 شباط (فبراير) من العام الجاري، لحضور اجتماع عقد بالمجلس على شرف كريستين لاجارد Christine Lagarde مديرة صندوق النقد الدوليManaging Director of International Monetary Fun MIF بحضور نخبة من أصحاب الأعمال السعوديين.
هَدِف الاجتماع إلى إطلاع لاجارد على الدور الريادي، الذي يقوم به القطاع الخاص السعودي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تعيشها المملكة، إضافة إلى توضيح الدور الفاعل، الذي قامت به الحكومة السعودية منذ اليوم الأول، الذي حلت فيه الأزمة المالية العالمية بالعالم في عام 2008، وكيف كان لذلك الدور من أهمية بالغة في تجنيب الاقتصاد السعودي والقطاع الخاص التداعيات المباشرة لتلك الأزمة.
كما هَدف الاجتماع الاستماع للاجارد عن آخر المستجدات والمتغيرات، التي طرأت على الأزمة المالية العالمية والأزمات المالية التي تلتها، والتي كان آخرها الأزمة المالية الأوروبية. وهَدف الاجتماع أيضاً إلى إطلاع الحاضرين على دور صندوق النقد الدولي، في التعامل مع تلك الأزمات واتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بمنع تكرار حدوثها في المستقبل، بغية تجنيب الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الأنظمة المالية والمصرفية والنقدية الدولية، الوقوع في ويلات تلك الأزمات.
أوضحت لاجارد في كلمتها، التي ألقتها أمام الحاضرين عن الدور الفاعل، الذي يلعبه صندوق النقد الدولي في الاقتصاد العالمي، وبالذات المرتبط بتجنيب العالم والاقتصاد الدولي الوقوع في مثل تلك الأزمات، إضافة إلى الإجراءات والتدابير، التي عادة ما يتخذها الصندوق في حال وقوع مثل تلك الأزمات، بغرض التخفيف من حدتها ومن أضرارها المالية والاقتصادية، بما في ذلك الاجتماعية على المجتمع الدولي وعلى الاقتصاد العالمي على حد سواء، وبالذات أن صندوق النقد الدولي، يعد وكالة أممية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، تعنى بمنع وقوع الأزمات المالية العالمية، عن طريق تشجيع البلدان الأعضاء بالصندوق (187 دولة)، على اعتماد سياسات اقتصادية سليمة وناجعة، تجنبهم الوقوع ضحية لتلك الأزمات، وذلك من خلال تيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية، وتحقيق الاستقرار في أسعار الصرف، وتجنب التخفيض التنافسي غير المبرر اقتصاديا لقيم العملات، إضافة إلى ممارسة دور الإجراء التصحيحي بشكل منظم للاختلالات، التي قد تحدث في موازين المدفوعات، التي تتعرض إليها بعض البلدان الأعضاء بالصندوق بين الحين والآخر.
مباحثات كريستين لاجارد مع المسؤولين السعوديين عن إدارة دفة الاقتصاد السعودي، والنظامين المالي والنقدي بما في ذلك النظام المصرفي، أكدت لها على متانة جميع تلك الأنظمة رغم الأزمات المالية المتلاحقة والمتتابعة، التي مر بها الاقتصاد العالمي، وتسببت في انهيار المالية العامة لعدد من الدول، بما في ذلك انهيار وإشهار إفلاس عدد كبير من المؤسسات المصرفية والمالية المرموقة على مستوى العالم، التي لعل من بين أبرزها وأهمها بنك ليمان براذرز (أكبر رابع بنك استثماري في الولايات المتحدة الأمريكية)، الذي أشهر إفلاسه في منتصف عام 2008، مؤكدة في هذا السياق أن الإدارة الحكيمة للاقتصاد السعودي، واستمرار انتهاج الحكومة السعودية لسياسة مالية توسعية، يمكن وصفها بالمرنة ولكن الاتزان في نفس الوقت، مكنت المملكة واقتصادها وأنظمتها المالية المختلفة، بما في ذلك المالية العامة للدولة، تجنب التداعيات المباشرة لتلك الأزمات.
دون أدنى شك أن لاجارد، استندت في حكمها واستنتاجها إلى متانة الاقتصاد الوطني للمملكة، والأنظمة المالية المختلفة، انطلاقاً من عدة اعتبارات، أولها رصد المملكة لمبلغ 400 مليار دولار أمريكي، منذ اللحظة الأولى من انطلاقة الأزمة المالية العالمية، للإنفاق خلال خمس سنوات على مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية المختلفة في السعودية، إضافة إلى اعتمادها لموازنات عامة ومبالغ مالية سنوية ضخمة للصرف على المشاريع، مما حقق للاقتصاد الوطني قوة دفع ذاتية، مكنت الاقتصاد من الاستمرار في تحقيق معدلات أداء جيدة، رغم الانخفاض الحاد الذي طرأ على أسعار النفط العالمية خلال النصف الثاني من عام 2008 بعد أن وصلت ذروتها في شهر تموز (يوليو) من نفس العام (147 دولارا للبرميل).
وعلى الجانب المصرفي، ساعد استمرار مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) في اتباعها لسياسة نقدية مرنة، هدفت إلى تحقيق الاستقرار المالي واستقرار الأسعار، مكنت المصارف المحلية من الاستمرار في أداء دورها التنموي المنوط بها في الاقتصاد السعودي، وقيامها بوظائفها المصرفية الأساسية، التي تأتي في مقدمتها وعلى رأسها تلبية الاحتياجات التمويلية للقطاعين العام والخاص، الأمر الذي يؤكده النمو المطرد الذي طرأ على إجمالي النشاط الائتماني والاستثماري للمصارف التجارية، حيث ارتفعت قيمة إجمالي مطلوبات المصارف التجارية من القطاع الخاص والقطاع الحكومي (ائتمان مصرفي واستثمارات) بنهاية العام الماضي (2011) بنسبة 9 في المئة لتبلغ 1,067,999 مليون ريال مقارنة بمبلغ 976,543 مليون ريال بنهاية عام 2008، (عام الأزمة المالية العالمية).
خلاصة القول، إن زيارة كرستين لاكارد، مديرة صندوق النقد الدولي للمملكة كانت في غاية الأهمية الاقتصادية والمالية، كون مسؤولة أممية مهمة تترأس جهازا مهما للغاية، يندرج ضمن مجموعة البنك الدولي، اطلعت على الإنجازات الاقتصادية التي تحققت في المملكة، إضافة إلى اطلاعها على التدابير والإجراءات، التي اتخذتها المملكة للتقليل من التأثيرات المباشرة لتداعيات تلك الأزمات على الاقتصاد الوطني والأنظمة النقدية والمالية والمصرفية.
لاجارد رغم تأكيدها على متانة الاقتصاد الوطني، وقدرته على التعامل مع تداعيات تلك الأزمات، إلا أنها لم تقلل من التحديات المحيطة بالاقتصاد السعودي، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، مما يثير نوعا من القلق لديها في حالة استمرار تلك الأزمات المالية، أو نشوء أزمات جديدة، وبالذات أن الاقتصاد السعودي لا يزال يعتمد إلى حد كبير على إيرادات النفط، التي قد تنخفض بانخفاض الطلب العالمي على النفط، نتيجة لتلك الأزمات، مما يتطلب من المملكة بذل المزيد من الجهود الرامية لتنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة والدخل القومي، وتقليل الاعتماد على النفط، الأمر الذي سيدعم جهود المملكة الرامية إلى تجنيب الاقتصاد الوطني تداعيات تلك الأزمات في المستقبل بما في ذلك أنظمته المالية المختلفة، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي