سلاح النفط والتهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز
خلال المرحلة الأولى من أزمة البرنامج النووي الإيراني، استخدمت إيران النفط كسلاح اقتصادي لدرء مخاطر الضغوط والعقوبات الدولية، حيث لجأت إلى بناء شبكة مصالح قوية في مجال النفط والغاز تربطها ببعض الدول التي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، أي روسيا والصين، ودول أخرى تتمتع بوزن مؤثر في العلاقات الدولية مثل اليابان والهند. وانطلاقا من هذه المصالح وقفت روسيا والصين عائقا في مجلس الأمن أمام أي مشروع قرار يستهدف إدانة إيران أو معاقبتها بسبب عدم تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن برنامجها النووي. ثم عدلت روسيا والصين موقفهما طبقا لمقتضيات مصالحهما الحيوية الكبرى مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فسمحتا بصدور أربعة قرارات من مجلس الأمن الدولي تفرض عقوبات محددة ليس لها تأثير جوهري على قطاع النفط والغاز؛ حتى لا تتعرض مصالحهما النفطية في إيران للخطر، إلا أنه لوحظ فيما بعد أن روسيا والصين شرعتا في التباطؤ في تنفيذ أعمالهما في قطاع النفط والغاز الإيراني استرضاء للولايات المتحدة وحتى تتفادى العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ضد الشركات الأجنبية العاملة في قطاع الطاقة الإيراني؛ الأمر الذي دعا إيران إلى التهديد بسحب المشروعات النفطية والغازية من الشركات والمؤسسات الروسية والصينية، وأسوق على ذلك مثالين، الأول أن إيران وجهت إنذارا في 13/8/2011 إلى مؤسسة النفط الوطنية الصينية بسحب مشروع تطوير حقل بارس العملاق للغاز ما لم تسرع المؤسسة الصينية وتيرة العمل، ويحوي هذا الحقل البحري نحو نصف احتياطيات إيران من الغاز المقدرة بنحو 28 تريليون متر مكعب. والمثال الثاني أن إيران اتهمت في 15/10/2011 شركة (غاز بروم) الروسية بالتباطؤ في مشروع تطوير حقل (أذر) النفطي البري، وأنه إذا لم تسرع الشركة وتيرة العمل في هذا المشروع فإنها ستستبعدها منه.
وتصاعد في الآونة الأخيرة التهديد الأمريكي والأوروبي بفرض عقوبات جديدة على إيران إذا لم تتعاون مع المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، لكن فكرة فرض حظر على شراء النفط الإيراني لم تحظ بالقبول الكامل، فبعض الدول الأوروبية لا ترى جدوى من فرض هذا الحظر، بينما تدافع دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا عن فكرة هذا الحظر. وردا على هذه التهديدات أجرت إيران مناورات عسكرية ضخمة في منطقة الخليج العربي وبحر العرب استعرضت خلالها قوتها العسكرية في مضيق هرمز، وأجرت اختبارا لصواريخ قصيرة وطويلة المدى. وفي يوم الثلاثاء 27/12/2011، صرح نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي بأنه (إذا فرضت الدول الغربية عقوبات على النفط الإيراني، فلن تسمح إيران بقطرة نفط واحدة أن تعبر مضيق هرمز). ثم صرح قائد القوات البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله ساياري (إن إغلاق إيران مضيق هرمز أمام ناقلات النفط سيكون أسهل من شربة ماء، إذا رأت طهران ضرورة لذلك). وردا على هذه التصريحات قال متحدث باسم الأسطول الخامس الأمريكي إن الأسطول لن يسمح بأي تعطيل لحركة الملاحة في المضيق وأدت التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق إلى إرباك الأسواق النفطية الدولية وارتفاع سعر النفط إلى 107 دولارات، وتوقع بعض الخبراء أن يؤدي إغلاق المضيق إلى ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارا سريعا، وقد تصل إلى 200 دولار. وفي غضون الحرب الكلامية التي نشأت بين الغرب وإيران على أثر التهديدات المتبادلة، وقَّع الرئيس الأمريكي باراك أوباما على قانون يسمى (تمويل وزارة الدفاع الأمريكية) تضمن عقوبات جديدة على المؤسسات المالية التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني، سامحا ببعض الاستثناءات لتجنب التسبب في أي اضطرابات في أسواق الطاقة. ويفرض القانون الأمريكي عقوبات على كل الشركات الأجنبية والبنوك التي تجري أنشطة تجارية مع البنك المركزي الإيراني؛ مما يمثل بداية تهديد حقيقي لصناعة النفط الإيرانية. وصرح مسؤول في الإدارة الأمريكية بأن بلاده تنوي تنفيذ هذا القانون بنهج تدريجي ووفق جدول زمني لتجنب أي تداعيات على سوق النفط ولضمان أن يلحق الضرر بإيران دون بقية دول العالم. ومن جهة أخرى، صرح علي أصغر سلطانية مندوب إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن بلاده قررت عدم السماح لطائرات شركات الطيران الأوروبية بالتزود بالوقود في مطار طهران الدولي ردا على قيام الدول التي تنتمي إليها هذه الشركات بخطوة مماثلة تجاه الطائرات الإيرانية.
والواقع أن التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز ليس جديدا؛ إذ سبق أن هدد بعض قادة إيران مرات عدة بإغلاق المضيق إذا ما تعرضت بلادهم لهجوم عسكري غربي، وسبق لكاتب هذه السطور أن تناول موضوع سلاح النفط والوضع القانوني لمضيق هرمز في مقال بعنوان ''النفط وإيران والمركز القانوني لمضيق هرمز''، منشور في جريدة ''الاقتصادية'' على جزءين، الأول بتاريخ 19/11/2006 والثاني بتاريخ 26/11/2006 ثم نشرت في ''الاقتصادية'' بتاريخ 21/12/2006 مقالا آخر يتصل بهذا الموضوع بعنوان (النفط والبرنامج النووي الإيراني).
وبإيجاز شديد أوضح هنا أنه من الناحية القانونية يعد مضيق هرمز مضيقا دوليا يصل بين البحر العالي للخليج العربي والبحر العالي لخليج عمان، ويشكل مياها إقليمية للدول المطلة عليه وهي إيران وعمان، ويخضع لحق المرور العابر لجميع السفن الأجنبية وفقا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهو ممر حيوي مهم للتجارة الدولية، خصوصا تجارة النفط، حيث يمر 40 في المائة من النفط المنقول بحرا في العالم عبر هذا المضيق؛ ولذلك فإن إغلاقه سيؤدي إلى إشعال حرب دولية لا يعلم مدى الخراب والدمار الذي سيترتب عليها إلا الله - سبحانه وتعالى.
إن على الدول الخليجية العربية أن تتخذ عددا من الإجراءات والخطوات اللازمة لمواجهة التهديد المتكرر بإغلاق مضيق هرمز، وأهمها في تقديري ما يلي:
1- إنشاء شبكة خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز إلى موانئ مطلة على بحر العرب والبحر الأحمر. صحيح أن السعودية لديها خط أنابيب لنقل النفط من الخليج إلى البحر الأحمر، كما أن أبو ظبي انتهت أخيرا من بناء خط أنابيب لنقل النفط من أبو ظبي إلى ميناء الفجيرة على بحر عمان، إلا أن ذلك لا يكفي لتحقيق الأمن الجماعي الخليجي في مجال تصدير النفط والغاز. ويتعين النظر إلى إنشاء هذه الشبكة من منظور استراتيجي قومي وليس من منظور اقتصادي فحسب.
2- عرض موضوع أمن الملاحة في مضيق هرمز على مجلس الأمن؛ نظرا لما ينطوي عليه التهديد الإيراني من مخاطر على السلم والأمن الدوليين والسعي إلى استصدار قرار من مجلس الأمن ملزم تحت الفصل السابع من ميثاق هيئة الأمم المتحدة يقضي بنزع سلاح المنطقة التي تسيطر عليها إيران المطلة على مضيق هرمز لضمان حرية الملاحة عبر المضيق. وتوجد سوابق دولية بشأن نزع سلاح بعض مناطق المضايق البحرية لا يتسع المجال هنا للحديث عنها.