أين بيانات التعداد؟

انتهت أعمال التعداد الرابع للسكان والمساكن في المملكة قبل أكثر من سنة ونصف السنة، ومع هذا لم تظهر بياناته ونتائجه إلى النور على الرغم من أهميتها من أجل التخطيط المستقبلي البناء، فبيانات التعداد تعد المصدر الأهم – إن لم تكن المصدر الأوحد – للأبحاث والدراسات التي تبرز التوقعات المستقبلية، وتقترح الحلول المناسبة، وترسم السياسات، وتصوغ الاستراتيجيات اللازمة للتطوير ولتحسين مستوى جودة الحياة لجميع السكان على مختلف خلفياتهم الاقتصادية والاجتماعية ومواقع وجودهم الجغرافية.
إن التخطيط التنموي السليم لا يمكن أن يتم من دون بيانات تفصيلية موثقة ودقيقة، فتوافر المعلومات الإحصائية يجعل التخطيط للخدمات وحل المشكلات القائمة ممكناً، فهي تظهر الصورة الواقعية عن الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للسكان، وتوضح حجم الاحتياج الوطني من الإسكان والمدارس والمستشفيات والطرق وغيرها من الخدمات والمرافق العامة وخصائصها، حتى على أصغر مستوى للمواقع الجغرافية (مثل: الأحياء أو القرى أو التجمعات السكانية الصغيرة). ولكن أكثر ما يعنينا في هذه الزاوية هو الاستفادة من بيانات التعداد ونتائجه في صياغة استراتيجية إسكان وطنية ذات أهداف واضحة، وخطط عمل دقيقة، وأولويات محددة، تعمل على ضمان إتاحة الفرصة للأسر السعودية جميعها في الحصول على المسكن الصحي والآمن والملائم، بحسب خصائصها الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك بحسب أماكن وجودها.
إن تصميم مشاريع الإسكان وغيرها من المشاريع واعتمادها بعيداً عن الأبحاث والدراسات التحليلية المستندة إلى البيانات والمعلومات الإحصائية التفصيلية الدقيقة والموثوقة عن السكان وخصائصم وتوزيعهم الجغرافي واحتياجاتهم الواقعية؛ سيؤدي إلى هدر المليارات في غير مصارفها المستحقة. إن الدراسات التحليلية لبيانات التعداد تعد أداة وطنية مهمة لصناعة القرار؛ لأنها تمهد الطريق لصياغة استراتيجية إسكانية واضحة ومحددة، ووضع الخطط التنفيذية التي تعمل على تحقيق التنمية الإسكانية المتوافقة مع خصائص المجتمع. وستؤدي – من ثم - إلى توجيه الموارد - على اختلاف أنواعها من أراضٍ وخدمات وتمويل ودعم ومشاريع - وصرفها في مصارفها الصحيحة. كما ستمكن قواعد البيانات المعلنة سوق الإسكان من النمو المتوازن على أساس من المعلومات الدقيقة والموثوقة. وإذا ما تحولت البيانات إلى محركات معلوماتية وبحثية ديناميكية ترصد التغيرات الأساسية في مجال الإسكان وتحللها؛ فإنها ستقدم المعلومات الدقيقة لصناع القرار والجهات الحكومية والخيرية والخاصة المعنية بقطاع الإسكان بشكل دوري ومستمر يمكنها من اتخاذ القرارات السليمة المبنية على التغيرات الحاصلة في القطاع.
وأخيراً، آمل ألا يؤول مصير نتائج التعداد الرابع وبياناته إلى مثل ما آلت إليه نتائج عمليات التعداد الثلاث السابقة وبياناتها، فتمر السنين ويحل التعداد الخامس دون أن نرى لنتائج التعداد الرابع وبياناته أثراً يذكر في مجال الإسكان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي