3 أعوام من الأزمة.. والميزانية السعودية تؤكد تجاوزها التباطؤ العالمي
نجحت السعودية وعلى مدى ثلاث سنوات من عمر الأزمة الاقتصادية العالمية والتي تهدد اليوم بعض كبريات الاقتصاديات في العالم بالإفلاس، فيما عطلت التنمية في اقتصاديات متقدمة أخرى، نجحت في تجاوز التباطؤ العالمي، بشهادة ميزانياتها التاريخية والتي سجلت وفق ميزانية 2011 إيرادات تتجاوز تريليون ريال، وفائضا زائدا على 306 مليارات ريال، فيما رصدت الميزانية القياسية للعام 2012 إنفاقا بحدود 690 مليار ريال، وفائضا بواقع 12 مليار ريال.
الحديث عن نجاح المملكة في التخطي وبجدارة الأزمة التي تعصف بالعالم منذ أواخر 2008 تدعمه التقارير الدورية الصادرة عن المؤسسات الدولية، والتي كان آخرها ما أشير إليه في بيان وزارة المالية أمس، حيث قالت "أشادت مؤسسة التصنيف العالمية (فيتش) بسياسة المملكة المالية والنقدية الحكيمة التي انتهجتها وأبقت على التصنيف الائتماني الذي حصلت عليه المملكة على درجة التميز (AA-) في التصنيف الائتماني العالمي، وذلك على الرغم من الأزمة المالية العالمية التي تمر بها كثير من الدول ومؤسساتها المالية؛ مما يدل على متانة الاقتصاد والقوة المالية للمملكة وحسن إدارتها لاستثماراتها الخارجية واحتياطاتها من النقد الأجنبي والإشراف المنضبط على القطاع البنكي".
وكذلك تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2011، والذي أكد أن المملكة حققت على مدار العقود القليلة الماضية إنجازات هائلة في مؤشرات التنمية الاجتماعية التي تقترب في الوقت الحالي من المتوسطات المسجلة في دول مجموعة العشرين.
كما أشار أعضاء مجلس الصندوق إلى أن المملكة نجحت في تجاوز التباطؤ العالمي، وأعربوا عن رأيهم بأن آفاق الاقتصاد مواتية على المدى القريب، وأشادوا بدور المملكة للاستمرار في العمل على تحقيق استقرار الأسواق النفطية.
كما أثنوا على الإصلاحات التي أجرتها الحكومة في السنوات الأخيرة في مجالي التنظيم والرقابة في القطاع المصرفي.
بالإضافة إلى تقرير البنك الدولي عن مناخ الاستثمار لعام 2012، والذي صنف المملكة في المرتبة الـ12 من بين 183 دولة تم تقييم الأنظمة والقوانين التي تحكم مناخ الاستثمار فيها.
وهنا أيضا أوضح لـ"الاقتصادية" اقتصاديون سعوديون، أن الميزانيات السعودية خلال الأعوام الثلاثة الماضية وميزانية 2012 تؤكد أن الوضع الاقتصادي السعودي مطمئن، وأن المملكة لديها قدرة مالية كبيرة على تجاوز الأزمة العالمية في أسوأ حالاتها.
يقول عبد المحسن البدر، اقتصادي سعودي وعضو جمعية المحاسبة البريطانية: إن الأزمة الاقتصادية خرجت إلى العالم في نموذجين، الأول انكشاف قطاع المال والأعمال كما حدث في أمريكا، وقد اضطر ذلك الولايات المتحدة إلى كسر نظرية الرأسمالية، عندما لجأت إلى السحب من مخزوناتها النقدية لسداد وإنقاذ الشركات، فيما كان النموذج الثاني انكشاف الحسابات الجارية للدول من خلال ديونها كما حدث مع منطقة اليورو، والمملكة لا تعاني تداعيات أي من النموذجين.
ويؤكد البدر، أن استثمارات المملكة المتحفظة واتباعها سياسة نقدية متزنة جنّبها النموذج الثاني (الأوروبي)، فيما أسهم إصرارها على تطبيق سياسة نقدية محافظة على القطاع المالي وضغطها على البنوك لعدم الانكشاف على القروض الاستهلاكية، في تجنيبها النموذج الأول (الأمريكي)؛ وهذا ما جعل تأثير الأزمة العالمية على الاقتصاد السعودي لا يكاد يذكر.
ويضيف البدر "ميزانية 2012 والتي صدرت اليوم (أمس)، ورغم أنها كانت متحفظة، حيث أظهرت البيانات الفعلية زيادة بنحو 106 في المائة، على ما كان مقدر، واعتمدت على منتج أحادي هو النفط بواقع 93 في المائة من الإيرادات، إلا أن بقاء أسعار النفط مرتفعة حتى خلال الأزمة مكن الاقتصاد السعودي من أن يصبح الأفضل عالميا".
وبيّن عضو جمعية المحاسبة البريطانية، أن التقييمات الدولية وخصوصا تقييم " فيتش" يعتمد على معطيات وحقائق مالية؛ لذلك هي بالفعل تعكس متانة الاقتصاد وقدرته، ويؤكد بالفعل أن السعودية تجاوزت مسألة التباطؤ العالمي حتى مع مرور ثلاث سنوات من الأزمة المالية الطاحنة.
#2#
الدكتور عبد الوهاب أبو داهش، مستشار اقتصادي، يشدد من ناحيته أن أرقام الإنفاق الحكومي القياسية خلال السنوات الماضية والسنة الجارية كانت عاملا مهما لتجاوز التباطؤ العالمي، وتعززت برفع الإنتاج النفطي وزيادة الأسعار، إلى جانب تنامي الاحتياطيات النقدية والتي تعد ملاذا آمنا لأي مصاعب اقتصادية محتملة.
وتابع: "كل ذلك جعل من تداعيات الأزمة الاقتصادية على المملكة غير مؤثرة في السابق وأيضا خلال العام المقبل 2012، رغم أن الصورة عن الاقتصاد في السنة الجديدة لا تزال غامضة بسبب القلق في العراق وإيران وتبعات الربيع العربي إقليميا لا تزال حاضرة، بالإضافة إلى الأجواء السيئة التي تخيم على الاقتصاد الأوروبي والأمريكي، إلا أن "الوسادة المالية" التي لدى السعودية ستدعمها خلال العام المقبل".
ويرى أبو داهش أن السياسات المالية التي انتهجتها الحكومة خلال سنوات الأزمة بالاستمرار في الإنفاق الضخم وخفض الدين العام جعل قدرتها على إصدار سندات في حال هبطت أسعار النفط أو حدث خلل اقتصادي ما، قائمة، مشيرا إلى أن خفض الدين العام إلى نحو 6.7 في المائة بالنسبة للناتج الإجمالي، بحيث باتت المملكة من أقل دول العالم مديونية، سيمكنها من إصدار سندات لتمويل إي مفاجآت طارئة في 2012.
ويرى المستشار الاقتصادي، أن الميزانية الجديدة تؤكد أن الحكومة عازمة على مواصلة الإنفاق والإقراض، حيث نما الإنفاق مقارنة بالعام الماضي بنحو 7 في المائة فيما رصد أكثر من 86 مليار ريال كقروض لصالح صناديق التنمية، بغض النظر عن أي ركود عالمي محتمل.
ويضيف: "حتى في أسوء الاحتمالات ستظل المملكة قادرة على دعم اقتصادها".