الميزانية والموازنة .. مساحة شاسعة بين الانضباط والارتجال

الميزانية والموازنة .. مساحة شاسعة بين الانضباط والارتجال

يبدو الفرق صغيرا بين مصطلحي الموازنة والميزانية، إلا أن أهل الاختصاص في اللغة يعتقدون أن الأولى أقرب إلى الارتجال الذي تفرضه المفاجأة في الظروف الطارئة فيما الثانية مربوطة بوقت محدد وتعلن في ظروف عادية لفترة محددة سلفا في حين يفسر أهل الاقتصاد هذين المصطلحين بشكل أكثر تعقيدا.
يعتقد الاقتصاديون (أو بعضهم على الأقل) أن الموازنة تعني الآلية أو الكيفية التي يتم على ضوئها توقع المصروفات والإيرادات، فيما يشار للميزانية باعتبارها التخطيط المستقبلي (عادة لمدة عام) لموازنة إيرادات الدولة أو المنشأة مع مصروفاتها، في حين يفسر آخرون معنى ''الموازنة العامة للدولة'' بالخطة المستقبلية من خلال الأرقام التقديرية للإيرادات والمصروفات للفترة المالية المقبلة، فيما تعني ''الميزانية'' قائمة حساب للمركز المالي يبين للمهتمين الوضع المالي خلال تاريخ محدد يكون في العادة نهاية الفترة المالية المقدرة عادة بعام واحد.
ويدعو الدكتور راشد أبانمي الباحث في القضايا الاستراتيجية إلى موازنات أقل ارتجالا فيما يتعلق بالموازنات العامة للسعودية التي يعتمد اقتصادها في 90 في المائة من موارده المالية على النفط، ما يقود الموازنة المالية عادة إلى توقع أسعار مختلفة للطاقة تتردد في طيف عال من الارتفاع والانخفاض.
ويقود الحديث عن أسعار الطاقة المترددة ارتفاعا وهبوطا المراقبين السعوديين إلى التفكير بجدية في إيجاد بديل اقتصادي متين للاقتصاد المحلي لا يكون النفط عماده الرئيس، إذ يشير أبانمي إلى الشكل الاقتصادي الحالي للبلاد بأنه ريعي يعتمد فكرة أن الدولة تبني اقتصادها من موارد تدر دخلا تصرفه، في المقابل على مواطنيها دون تدوير لحركة الإنتاج، إلا أن ''نموذجنا من الاقتصاد الريعي'' لا مثيل له كما يقول الباحث السعودي كون الموارد المدرة لهذا الاقتصاد الريعي هي موارد استهلاكية ناضبة لا تشبه بحال الموارد الزراعية أو التجارية المتجددة.
ويبدو الأمر أكثر قتامة في ضبط التوقعات للموازنات القادمة بالنظر إلى الموارد الناضبة مع الزيادة العالية في أعداد السكان ما يعني ضغطا أكبر على موارد محدودة كما يشير عدد من المراقبين الذي لفتوا إلى أن منطقة الجزيرة العربية المعروفة بمحدودية الموارد الطبيعية لم تشهد طوال تاريخها السابق تجمعا سكانيا في جهاتها كافة يفوق مليون نسمة، فيما هي الآن تناهز أضعاف أعداد السكان مع بداية القرن الماضي.
وبالعودة لمفهوم الانضباط والارتجال الذي يفسره اللغويون للفرق بين الميزانية والموازنة ــــ كما يقول زيد العنزي المراجع اللغوي ـــ يبدو الجميع في السعودية بانتظار ميزانية منضبطة كعادتها منذ عقود لكنها أيضا موازنة تراعي ارتجالية النمو السكاني والاجتماعي لدى السعوديين وارتجالية السعر المتردد لبرميل النفط عند ''وول ستريت'' وأخواتها.

الأكثر قراءة