رفقاً بالآراء!

الزخم الإعلامي الذي واكب عملية انتقال سعد الحارثي إلى نادي الهلال زاد عن حده كثيراً هذه الأيام، وبما أن هذا الانتقال يعد الأول في تاريخ الصفقات الاحترافية من النصر إلى الهلال، فقد يكون من المقبول أن نقرأ أو نستمع إلى رؤية هادئة عن هذا التحول الملحوظ في عملية الاستقطاب بين المتنافسين التقليديين، وتأثير ذلك في اللاعب المنتقل، وعلاقات الجارين الحالية والمستقبلية، وربما كان من المستحسن أيضاً تقديم طرح إعلامي مقنع يحلل هذه الصفقة من حيث نجاحها من عدمه، وفق اعتبارات ومسببات كثيرة، ولا تثريب في ذلك.

لكن المفاجئ والغريب في الأمر، وخلال هذه المدة الوجيزة على انتقال سعد، ما صاحب هذه الضجة الإعلامية من تحول آرائي حاد في وسائل الإعلام القديم والجديد، وسبحان مغير الأحوال! فالنزعة الإقصائية السابقة تبدلت، وألقاب الحارثي التي كانت تشيع على ساحات المنتديات أصبحت تتصدر عناوين بعض الصفحات الرياضية، والموهبة التي كان يملكها سعد في صفوف فريقه السابق غابت، وسط تأكيدات بتدفق شلالها مع فانلته الجديدة، والفريق الذي كان لا يملك لاعباً يستحق شرف الانضمام إلى قائمة المنتخب، سيجد لاعبه السابق الفرصة سانحة له للعودة للأخضر عبر بوابة فريق آخر، أما الأغرب من ذلك، فهو دخول إحدى القنوات الرياضية على خط هذا النسق المتقلب، لأخذ نصيبها هي الأخرى من هذه الكعكة الإعلامية الصاخبة، وكأن المشاهد مطالب بأن يتابع هذه الصفقة الجديدة بكل تفاصيلها الدقيقة، حيث شاهدنا إسهاباً يغوص في أعماق التاريخ ويستعرض كيفية اكتشاف معلم التربية البدنية لموهبة سعد أيام دراسته في المرحلة الثانوية، بدءا من كيفية لبس "البوت" الرياضي ومرورا بعملية الانتقال من الملعب الترابي إلى المزروع، وانتهاء بمقابلة المدرس للاعب!

لست بصدد الحكم على نجاح هذه الصفقة من عدمه، لأن ذلك خاضع لعدة عوامل فنية وطبية ونفسية ومالية ومعنوية، لكن حشد هذه الآراء العُمْلاتية ذات الوجهين، وسبر أغوار تفاصيل تاريخ اللاعب الدقيقة كان من الأجدى أن ترى النور مبكرا، لأن المستفيد الأول والأخير من ذلك هو اللاعب ومنتخب الوطن، بغض النظر عن هذا النادي أم ذاك.

إن هذه الآراء وما تحمله من تكريس ميولي وانقلاب صريح في الطرح ومبالغة كبيرة، لا أعتقد أنها مفيدة لسعد الحارثي في هذا التوقيت بالذات، فاللاعب في مرحلة صراع داخلي لإثبات وجوده، وهو يقرُّ بحجم الضغوط التي تراكمت عليه طيلة تواجده في بيئة غير مناسبة لإظهار ما لديه من موهبة وقتالية ورغبة وطموح، لذا أرى أن أبرز دعم يمكن أن يقدمه الإعلام لسعد، يتمثل في قراءة سطور هذه الصفقة بتجرد وحيادية وإنصاف بعيداً عن أي تقلبات من شأنها أن تؤثر في مسيرة لاعبي هذا الجيل الذين باتوا - بحسب تصريحاتهم - مستسلمين للأحمال النفسية التي ربما كانت قاصمة لظهر نجوميتهم.

إن الإعلام الرياضي شريك أساسي وعنصر مهم من عناصر نجاح الرياضة والارتقاء بها، سواء على صعيد الأندية أو المنتخبات الوطنية، ولكي يبقى قائما بدوره ورسالته على أكمل وجه، فإن عليه أن ينأى بنفسه عن مزالق الآراء المتلونة، ويختار مسلك الوسطية والاعتدال والاتزان في طرح الآراء والقضايا والأفكار أو التعليق عليها بعيداً عن أن يكون الرابح خاسراً بالأمس، أو يكون الخاسر نفسه رابحاً اليوم بمجرد خلع القميص!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي