الأزمة الأوروبية تجبر خطوط الملاحة البحرية على توجيه استثماراتها نحو الخليج
ألقت تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية المتلاحقة بظلالها على نشاط شركات خطوط الملاحة البحرية، دفع البعض منها الخروج من دائرة المنافسة في هذا المجال، بعد أن تكبدت خسائر مالية تراكمية منذ 2009. في حين بدأت شركات أخرى إعادة هيكلتها واستراتيجياتها حتى تتلاءم مع تطورات الوضع الاقتصادي الراهن، وهو ما لوحظ أخيرا حيث بدأت هذه الشركات توجيه أنظارها بالفعل نحو منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الخليج باعتبارها الملاذ الآمن وتشهد استقرارا نسبيا في أجور الشحن ونموا ملحوظا في حركة البضائع بين دول المنطقة؛ مما يعني أنها ستشهد استيرادا ذاتيا "إقليميا" في مجال التبادل التجاري.
وحسب مصادر مطلعة، فإن الأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية عجلا بخروج عدد من شركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في مجال الملاحة البحرية، بعد أن عجزت عن تعويض ما لحق بها من خسائر مالية منذ 2009. كما توقعت استمرار تزايد هذه الخسائر خلال العام المقبل بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية؛ الأمر الذي يعني خروج مزيد من الشركات المنافسة في هذا المجال في حال استمرت التداعيات السالبة للأزمة الاقتصادية التي تواجه عددا من الدول الأوروبية في الوقت الراهن.
وتابعت المصادر ذاتها: فقد شهدت الفترة ما بين عامي 2004 و2006 انتعاشا ملحوظا في نشاط خطوط الملاحة البحرية العاملة في نقل البضائع والسلع بين مناطق رئيسة تشمل منطقة الشرق الأوسط، الشرق الأقصى، أوروبا، وأمريكا؛ مما أدى إلى ارتفاع أجور الشحن، وبالتالي تحسن إيرادات وأرباح شركات خطوط الملاحة البحرية، الأمر الذي دفعها إلى توسيع أسطولها البحري بشراء بواخر وسفن ذات أحجام كبيرة لمواكبة الطلب المتزايد على خدمات النقل البحري. ولكن سرعان ما واجهت هذه الشركات مصاعب مالية منذ عام 2009 والذي شهد انخفاضا كبيرا في أجور الشحن بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي كبدت هذه الشركات خسائر مالية أجبر البعض منها على مغادرة السوق، في حين ظل البعض منها غارقا في خسائر مالية متتالية.
أمام ذلك، لفت طارق عبد الرحمن المرزوقي، نائب رئيس اللجنة الوطنية للنقل البحري، إلى أن وكلاء الملاحة البحرية في مختلف دول العالم باتوا يخشون على مستقبل استثماراتهم في قطاع النقل البحري بسبب تطورات الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار النفط، وهما عاملان مؤثران للغاية في تدني أسعار النقل البحري إلى دون التكلفة الأساسية؛ مما يعني تكبدهم خسائر مالية في حال استمرار الوضع على ما هو عليه منذ 2009، حيث عانت شركات خطوط الملاحة البحرية خسائر مالية لم تستطع شركات الملاحة تعويضها حتى الآن، مبينا أن هناك شركات ملاحة بحرية ستضطر لمغادرة السوق خلال العام المقبل في حال استمرار الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على قطاع النقل البحري. وبيّن المرزوقي، أن شركات عاملة في قطاع النقل البحري اضطرت للخروج من سوق المنافسة بسبب خسائرها المالية، في حين لجأت شركات كبيرة للاندماج فيما بينها للتصدي لهذه التحديات التي تواجهها جراء الأزمة الاقتصادية، حتى أصبحت هذه الشركات المسيطر الأول على سوق التنافس العالمي في الوقت الحالي.
#2#
من جهته، أكد إحسان عبد الجواد، رئيس مجلس إدارة شركة الخدمات البحرية، ما ذهب إليه المرزوقي، بأن الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار النفط أجبرتا عددا من شركات الملاحة البحرية للخروج من المنافسة في هذا المجال، في حين فضّل البعض منها إعادة استراتيجيتها؛ حتى تتمكن من تخطي تداعيات هذه الأزمة على نشاطها الذي تأثر كثيرا بسببها واستفحل تأثيرها بشكل كبير خلال العام الجاري. وقال: إن نشاط شركات الملاحة البحرية يعتمد على مناطق رئيسة تشمل منطقة الشرق الأوسط، وخاصة منطقة الخليج والشرق الأقصى وأوروبا وأمريكا. والآن بعد أن أصبحت منطقة اليورو في مواجهة حقيقية مع الأزمة المالية وما تعانيه اليونان وإيطاليا وبقية الدول الأوروبية من مشكلات اقتصادية، فإن شركات الملاحة البحرية تواجه تحديا أكبر في ظل الركود الذي سيلازم نشاطها في منطقة اليورو؛ مما يدفعها للبحث عن مناطق أخرى بعيدة قدر الإمكان عن تداعيات الأزمة الاقتصادية في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن منطقة الخليج تعتبر الملاذ الآمن لهذه الشركات التي بدأت أنظارها تتجه بالفعل نحو منطقة الشرق الأوسط، وخاصة منطقة الخليج التي تشهد استقرارا نسبيا في أجور الشحن ونموا ملحوظا في حركة البضائع بين دول المنطقة؛ مما يعني أن المنطقة ستشهد استيرادا ذاتيا "إقليميا" في مجال التبادل التجاري، لافتا النظر إلى أن ذلك يمكن يساعد شركات الملاحة الدولية تعويض جزء من الخسائر التي لحقت بنشاطها في منطقة اليورو. وتوقع أن تركز شركات النقل البحري نشاطها خلال العام المقبل على منطقة الخليج لحين تحسن الأوضاع الاقتصادية لدى دول أوروبا وعودة الانتعاش لسوقها بعد انفراج الأزمة الاقتصادية، وحتى ذلك الحين فإن شركات الملاحة البحرية الدولية ستعمل جاهدة على استثمار الوضع المستقر في منطقة الخليج.
وهنا يعود المرزوقي ليشير إلى أن الهاجس الأكبر الذي يتخوف منه ملاك شركات خطوط الملاحة البحرية، استمرار أسعار النفط في الارتفاع نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية؛ الأمر الذي يؤثر سلبا على حجم البضائع المنقولة عبر هذه الخطوط. وقال إن المستثمرين في مجال الملاحة البحرية ينظرون بحذر وترقب شديدين للتطورات الاقتصادية في منطقة اليورو وانعكاساتها على قطاع النقل البحري، حيث يمثل هذا القطاع أبرز وسائط النقل العالمية المستخدمة في عمليات التبادل التجاري بين دول العالم، مشيرا إلى أن أي تأثير سلبي في عملية التبادل التجاري سيلقي بظلاله على مستقبل شركات خطوط الملاحة.