أهالي القطيف الشرفاء .. هل يرضيكم هذا التخريب؟!

أحداث الشغب والتخريب في محافظة القطيف في المنطقة الشرقية مؤسفة ومخجلة وغير مقبولة، وهي بلا شك خروج عن النظام العام وتشويه للإجماع وتصرف أحمق تحركه المرجعيات في الخارج ويؤيده بعض المحسوبين على الوطن بدافع الحقد والكراهية والمذهبية البغيضة. السؤال الذي يوجه لتلك الشرذمة من الجهال المخربين: هل يرتضون ويؤيدون حكما مثل النظام الإيراني الذي يقمع الناس ويكمم أفواههم ويصادر حرياتهم ويتعدى على حقوقهم ويشنق معارضيه في الشوارع دون محاكمات؟ وإذا كان جوابهم بـنعم، فهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يهاجروا إلى إيران التي يوالونها ليعيشوا في كنفها إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، أو يرتضوا أن يعلقوا على حبال المشانق كما تفعل الدولة الإيرانية بمواطنيها، خاصة في الأحواز العربية. لو فكر هؤلاء مليا قبل أن يخونوا بلدهم ومجتمعهم ونظروا نظرة واقعية وموضوعية وعادلة لأدركوا أن السعودية التي تحكم بشرع الله تعامل جميع مواطنيها بالعدل والمساواة دون تمييز فئة على حساب أخرى، بل إن نهج المساواة يصب في مصلحة الأقلية الشيعية، فنسبة رجال الأعمال وكبار الموظفين وطلاب الجامعات مقارنة بعددهم تفوق بمراحل نسبتها عند الفئات الأخرى في المجتمع.
إن الحديث عن التمييز الفئوي بكل أشكاله أمر مرفوض جملة وتفصيلا؛ لأنه يصيب الإجماع في مقتل ويصنع شرخا كبيرا في بنية المجتمع. لم نعتد في السعودية مثل هذه الأطروحات والنقاشات النشاز المبنية على التفرقة والتمييز العنصري أو المذهبي أو المناطقي بين المواطنين، بل إن منظومة قيمنا الاجتماعية والسياسية المبنية على مبادئ الإسلام العظيم والتقاليد العربية الأصيلة تلفظها قولا وعملا وتجعلها من المحرمات. لقد عاش أبناء المملكة العربية السعودية كأسرة واحدة متحابين متكاتفين تظلهم راية التوحيد، معتصمين بحبل الله إخوانا يقفون صفا واحدا خلف قيادتهم الشرعية التي تحكم بما أنزل الله ببيعة شرعية على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر، وعدم منازعتها الأمر وتفويض الأمور إليها. ولذا كان هناك أدب سياسي وثقافة حكم في السعودية مبنية على الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم. وما سياسة الباب المفتوح إلا عنوان كبير ينضوي تحته قيم المصارحة والشفافية والعدل وحرية التعبير والحوار. وهو ما يجعل النظام السياسي السعودي أكثر قدرة على استيعاب حقيقة التفاوت في الآراء والتباين في احتياجات ومطالب الناس.
إن طبيعة الاجتماع الإنساني يكتنفها الكثير من الاختلافات بين أفراد المجتمع الواحد؛ لذا كانت الحاجة إلى من يسوسهم ويصنع القرار الجماعي أمرا ضروريا، وهو ما يحتم تنازل الأفراد عن بعض حرياتهم من أجل السلطة العامة. لتكون مهمة السلطة العامة استيعاب هذه المطالب وتحويلها إلى سياسات ومشروعات تلبي احتياجات المواطنين. وصناعة القرار العام ليست بالأمر السهل، ورضا العموم في كثير من الأحيان غاية لا تدرك، فلا تستطيع أي حكومة على وجه الأرض تحقيق الرضا التام لدى مواطنيها لاختلاف أذواقهم وتفاوت احتياجاتهم، ليكون من الواقعية البحث عن صيغ توافقية تحقق الحد الأدنى من الرضا عند جميع الأطراف في المجتمع. هذه حقيقة يجب أن يعيها الجميع، خاصة أولئك الذين ينظرون بعين النقد والمتابعة والتدقيق في الخدمات الحكومية ويبحثون عن الهفوات ويصطادون في الماء العكر؛ ولذا كان الحوار أمرا مشروعا لتقريب وجهات النظر والتفاهم بين الأطراف المتداخلة في عملية صنع القرار العام انطلاقا من الأرضية المشتركة وتحقيقا للمنفعة الاجتماعية. لذا ليست المسألة متعلقة بمقدار الاختلاف في المجتمع، إنما أن يكون ذلك في دائرة المصلحة الوطنية ومن خلال الثوابت المتفق عليها وداخل إطار القيم الاجتماعية المشتركة. عندها فقط لا يفسد الاختلاف للود قضية ولا يفرق جمعا ولا يفرز عداوة ونزاعا ومشاحنة وبغضاء، إنما يكون رحمة يقود نحو التعاون والتكامل والنظر للأمور من زوايا مختلفة ورؤى متباينة لتتلاقح الأفكار وتتضافر الجهود لتحقيق الأفضل من أجل الوطن. هذه التفاعلات والتجاذبات في المجتمع أمر محمود، بل مطلوب وهو سنة الله في خلقه (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) والدفع هنا دفع أهل الطاعة والإيمان والصلاح لأهل المعصية والمفسدين والخوارج؛ لينضبط المجتمع المسلم على الصراط المستقيم ويمضي متوازنا محققا لخيرية الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في معناه الواسع يطول جميع نواحي الحياة ويقننها أن تميد الأمة عن جادة الصواب لتلتزم الوسطية ونهج السلف الصالح ليتحقق بعد ذلك الأمن والأمان والرخاء الاقتصادي والتقدم الصناعي والإسهام الحضاري.
هناك من يطالب بالإصلاح من خلال الفوضى والشغب وخيانة الوطن! لتكون مناداتهم بالإصلاح كلمة حق تخفي وراءها دوافع خبيثة وعلاقات مشبوهة مع أعداء الوطن. التخريب وترويع الآمنين وإفساد الاجتماع لم تكن في يوم من الأيام أسلوب ونهج دعاة الحقوق والعدل والمساواة، إنما على العكس من ذلك تماما هم سلميون تحركهم دوافع الخير والنوايا الصادقة ليظهر ذلك في تصرفاتهم وطبيعة مطالبهم، فهم ينشدون الخير للجميع، ويقدمون المصالح العليا والمنافع الجماعية على مصالحهم الذاتية الضيقة. ولنا في إمام المصلحين رسول الله - صلى الله علية وسلم - القدوة الحسنة، الذي أدّبه ربه فأحسن تأديبه، حين كان مطلبه هداية الناس لخيري الدنيا والآخرة ودعوته بالتي هي أحسن، ومنهجه الخلق العظيم. وفي بلاد الحرمين ما أحرانا أن نتبع سنته - صلى الله عليه وسلم - في إدارة الاختلاف في أن ندفع بالتي هي أحسن فيما بيننا ونحسن الظن ببعضنا ليحول ذلك دون العداوة والبغضاء. لكن الإشكالية في أولئك الذين لا يرتضون التقارب ولا يحبذون التعايش السلمي وقد ملئت صدورهم بالكراهية وراحوا يستجيبون للنعيق من الخارج متخلين عن المروءة بلؤم وإنكار للجميل وإساءة للوطن. هؤلاء يجب أن يؤخذ على أيديهم بدءا من أقاربهم ومجتمعهم المحلي، فهو تشويه لسمعتهم ودرء لمظنة موافقتهم على فعلهم التخريبي والخروج عن النظام. يتوقع من النخب في المجتمع القطيفي أن يهبوا جميعهم للتصريح باستنكار هذه الأفعال قولا صريحا وعملا ميدانيا لضمان عدم تكرارها عبر تثقيف العموم بحقوق المواطنة الصالحة. يجب أن يتذكر الجميع أننا نعيش في السفينة نفسها، وأن جميعنا يؤثر ويتأثر بأفعال الآخر، إن كان خيرا فخيرا وإن كان شرا فشرا. لذا تقع المسؤولية على الجميع أفرادا وجماعات ومؤسسات بعدم السماح لأي كان أن يعبث بأمن واستقرار الوطن ولحمته ومقدراته الوطنية. ويبقى التساؤل: هل يرضي أهالي القطيف الشرفاء هذا التخريب؟! في انتظار الجواب قولا وفعلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي