حضارة الشعوب لا تقاس بالفخامة

حضارة الشعوب لا تقاس بالفخامة

سعادة رئيس جريدة «الاقتصادية»
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قرأت مقالة الكاتب بندر بن عبد العزيز الضبعان المتميزة عن العادات السبع المتخلفة لمجتمعنا السعودي وقد أعجبني هذا الطرح الصريح والواقعي للأسف والذي لخصه الكاتب في مقالته. وإذا كان لي من إضافة إلى ما سطره الأخ بندر بقلمه الرائع فإني أقول إن حضارة الشعوب وتقدمها لا تقاس بفخامة سياراتهم أو الساعات التي يلبسونها أو كم غرفة في منزلهم أو.. أو.. إلخ، وإنما تقاس بما يملكون من علم وخلق وأدب ورقي، ففي عالم التجارة كم من تاجر أورث أبناءه الثروات الطائلة ونسي أن يورثهم العلم والأدب والفضيلة، فضاعت الثروات في لمح البصر، وفي المقابل كم من أناس بسطاء ولكنهم ذوو رؤية، ورثوا أبناءهم تلك الصفات التي أسميتها SOFT SKILLS وكانت سببا بعد توفيق الله في تكوينهم ثروات من العدم.
ويقول سيدنا علي رضي الله عنه:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا
يغنيك محموده عن النسب
فليس يغني الحسيب نسبته
بلا لسان له ولا أدب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي
ولنا في شعوب مثل اليابان وكوريا خير مثال، فهم لم يولدوا في بلاد غنية بل بالعكس شحيحة في كل شيء، سواء الثروات المعدنية أو الحيوانية أو الزراعية، هذا إضافة إلى الكوارث الطبيعية من زلازل وأعاصير خاصة فيما يخص اليابان، ولكنهم مشبعون بالثقافات السلوكية الحميدة من احترام للوقت واحترام الآخرين وثقافة الإبداع والجودة والتخطيط والالتزام وغير ذلك. وأصبحت تلك العادات ثقافة مجتمعية كاملة وجزءا من طبيعة وتصرف وتعامل تلك الشعوب والشذوذ هو من يخرج خارج هذا الإطار وليس العكس.
إن تغلغل تلك العادات السيئة في مجتمعنا وبتسارع مخيف ليقلب موازين الحق والعدل والرؤية السديدة والحكيمة للأمور رأسا على عقب، وتصبح ممارسة تلك العادات هي العرف وممارسة السلوكيات الحميدة والتي حثنا عليها ديننا الحنيف هي الشذوذ ولن تتعدى ممارساتنا لديننا حدود المسجد، والكارثة إن توارثها جيلا بعد جيل يجعلها تضرب أطنابها في سلوكياتنا وتتسرب إلى العقل الباطن ويصبح العلاج بعدها صعبا للغاية ومكلفا ويحتاج إلى أجيال لتصحيحه.
كما ذكرت أخي الكريم نحن نحتاج إلى برنامج وطني ضخم وأن يكون له راع رسمي وتشارك فيه كل الجهات الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني وتوجه رسائله وبرامجه إلى كل طبقات المجتمع وبكل قنوات التواصل الممكنة من مدارس ومساجد ومراكز أحياء وإعلام، وأن تكون بلغة بسيطة يفهمها الأمي والجامعي ويشارك في إعدادها إخصائيو السلوك البشري وعلم النفس وتكون ضمن برنامج زمني واضح ومتدرج يبدأ بالتوعية والإرشاد والتدريب ويتدرج إلى تطبيق العقوبات في المخالفات السلوكية والتي تقع ضمن المحظورات السلوكية في الأماكن العامة، كما هو مطبق في الدول المتحضرة، فالأماكن العامة ملك للدولة واحترامها واحترام مرتاديها هو احترام للدولة وهيبتها.
ولدي هنا التفاتة سريعة للتأكيد على أهمية الحزم والجدية في تطبيق الأنظمة وأهمية ذلك في توجيه السلوك البشري والارتقاء بمستوى الفكر والحداثة، فلدينا هنا مثالان واقعيان وناجحان لتجربتين حكوميتين ساعدتا في تهذيب السلوك البشري وتوجيهه لأن يكون سلوكا حضاريا.
التجربة الأولى: ''ساهر''، فمن يتخيل أنه بتطبيق هذا النظام سنحمي أرواحا لا يقل عددها عن ألفي شخص سنويا بحول الله، وقد يزيد هذا الرقم مع تطبيق المراحل الأخرى من ساهر، إضافة إلى الكثير من حالات الإعاقة والهدر المادي المصاحب لتلك الكوارث.
والتجربة الأخرى هو نظام ''سمه'' فلقد كنا فعلا من قلائل دول العالم التي لا يحترم فيها الشيك ما ولد سلوكيات شاذة وسوء استغلال وقضايا نصب وتحايل الشيء الكثير، ولكن مع تطبيق هذا النظام أصبح الفرد أكثر وعيا وإدراكا لمسؤولياته.
الخلاصة: ما نحن فيه حاليا ليس بغريب على كثير من الدول التي مرت بمثل تلك الدورات الحضارية والسلوكية، ولكنها لم تدفن رأسها في التراب بل أقرت أولا أن هناك فعلا مشكلة وواجهتها ثانيا بمختلف البرامج والخطط.

عبد الله على المجدوعي

الأكثر قراءة