تهم التحايل على العملاء باسم المصرفية الإسلامية.. الأسباب والحلول (4 من 4)
تحدثت في المقالات الثلاث السابقة عن أبرز اعتراضات المشككين في التعاملات المالية الإسلامية، وسأختم سلسلة هذه المقالات بالحديث عن التهمة الموجهة لمنتجات المالية الإسلامية، على أنها صورية، حيث إنه على الرغم من اتفاق السواد الأعظم من المتخصصين والقائمين على المصرفية الإسلامية على أنها متجهة نحو الأفضل إلا أن مشكلة التهمة بالصورية في المنتجات المالية الإسلامية تبرز بين الفينة والأخرى عبر الندوات والمؤتمرات حتى وسائل الإعلام ما بين متخوف منها ومؤكد وجودها وآخر مبالغ في اتهامه لها.
بداية يمكن تحديد مفهوم الصورية في المنتجات المالية الإسلامية، على أنها وجود منتجات تكتمل فيها السلامة الشكلية، لكن في حقيقتها لا تتضمن المتطلبات الشرعية ويختلف ذلك بحسب المنتجات والعمليات، ويتجاوز بعض الباحثين هذا التعريف، حيث يرون أن المنتج وإن التزم بالمتطلبات الشرعية إلا أن بعده عن الاهتمام بالسلامة المقاصدية يجعله منتجا صوريا، لذلك فهم يرون أن أغلبية تطبيقات التورق والمرابحة، وإن وجدت فيها سلع حقيقة، إلا أنها سلع أوجدت للسلامة الصورية للمنتج من أجل الحصول على النقد، وهذا المفهوم لا يسلّم به العاملون في المصرفية الإسلامية، لكونهم يتفقون بما في ذلك أعضاء الهيئات الشرعية على أن الأصل في المعاملات المصرفية الإسلامية سلامتها من الصورية.
في جانب آخر يتعلق بصورية منتجات المالية الإسلامية يعتقد البعض أن عمليات الصكوك في المصارف الإسلامية، هي أيضاً عمليات صورية لكونها مجرد صورة أخرى للسندات التقليدية، والدليل على ذلك، هو تعثر بعض منها، وفقدانها جزءا من قيمتها. وللرد على من يعتقد بصورية الصكوك الإسلامية، فقد أوضح الدكتور حسين شحاتة الأستاذ في جامعة الأزهر، أن تأثر القيمة ليس بدليل على عدم وجود الأصول، لكون أن قيمة الأصل يمكن أن تطرأ عليها زيادة أو نقص، كما أن الوقائع والأحداث أظهرت في عديد من العمليات وجود أصول حقيقية. ويؤكد الدكتور شحاتة أن الفرق بين المصرفية الإٍسلامية الحقيقية والصورية قد يكون أدق من شعرة لا يمكن أن يعرفه إلا العلماء والمتخصصون.
ولتفادي تهمة الصورية الموجهة للمصارف الإسلامية، بما في ذلك التشكيك في سلامة المنتجات، لعلي أتفق تماماً مع ما ورد بمجلة المصرفية الإسلامية في العدد الرابع، بضرورة نشر الوعي بمفاهيم تلك الصناعة والتوعية بمدى أهليتها، كي تكون البديل للأنظمة المصرفية التقليدية الربوية. كما يجب في هذا الإطار أن يتم تقديم كل ما يتعلق بتلك الصناعة بشفافية وموضوعية كي يتمكن العميل من فهم آلية العمل بها فيقتنع من ثم بجدواها وأفضليتها. ويجب ألا يقتصر الأمر على الأفراد فقط، بل يجب نشر الوعي على مستوى الدول، بأن تدرك الحكومات أهمية تلك الصناعة ومدى الفوائد التي ستجلبها، كما يجب ألا تتخوف الحكومات من هذا النمط الاقتصادي، ولا سيما أن نظام الرأسمالية غير المنضبط قد تسبب في حدوث مشكلات وكوارث اقتصادية عديدة أدخلت الاقتصاد العالمي في متاهات، يصعب التنبؤ بعواقبها الوخيمة، ولعل أكبر دليل على ذلك تفجر الأزمة المالية العالمي في منتصف عام 2008، التي تسببت في دخول الاقتصاد العالمي في نفق اقتصادي مظلم للغاية، يصعب التكهن بنتائجه، ولا سيما أن العالم لا يزال يعيش تبعات وتداعيات تلك الأزمة حتى يومنا هذا.
خلاصة القول، إنه على الرغم من النمو والتطور الكبير، الذي شهدته التعاملات المالية الإسلامية على مستوى العالم، إلا أن البعض لا يزال يشكك في مصداقية ذلك النوع من التعاملات، ويوجه إليها العديد من الانتقادات، التي من بينها على سبيل المثال، صورية المنتجات، لكونها من وجهة نظرهم، لا تختلف في الواقع العملي عن المنتجات التقليدية التي تقدمها البنوك التجارية التقليدية لعملائها، التي تستند في تعاملاتها إلى الفائدة الصريحة، ما يدخل التعاملات الإسلامية في دائرة التعاملات الربوية.
من هذا المنطلق وبغرض التغلب على تلك الشكوك، فإن الأمر يتطلب من القائمين على تقديم الخدمات المالية الإسلامية، نشر الوعي بين أفراد المجتمع بماهية عمل المنتجات الإسلامية، وبأسلوب تنفيذها في الواقع العملي، بهدف تبديد تلك الشكوك والتغلب عليها، بالشكل الذي يولد القناعة الكافية لدى المتعاملين بها على أنها منتجات إسلامية، تستند في الحقيقة إلى فقه المعاملات في الشريعة الإسلامية، ولا سيما أنه يسبق وضعها في السوق والترويج لها، اعتمادها من قبل هيئات شرعية متخصصة لها مكانتها الدينية والعلمية.
كما أن الأمر يتطلب من القائمين على تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية، بما في ذلك المنتجات، التعامل مع التحديات العديدة التي تواجه نمو الصناعة، التي من بينها على سبيل المثال، إيجاد فرص جديدة ومتنوعة للنمو، بما في ذلك ابتكار أدوات جديدة وتعزيز مهارات وخبرات وقدرات مواردها البشرية، بحيث تكون قادرة على التعامل مع التحديات، وبالذات في مجال نشر الوعي، وإدارة المخاطر والسيولة. والله من وراء القصد.