Author

اكفل عاطلاً أو أكثر تدخل النطاق الأخضر (2 من 2)

|
في الجزء الأول من هذا المقال تطرقنا للمشكلة الأولى التي تواجه جهود توطين الوظائف في السوق السعودية، وتكمن في استراتيجية التوطين المستخدمة خلال العقود الثلاثة الماضية وما فيها من اجتهادات وتجارب لم تنجح في معالجة البطالة حتى الآن، وفي هذا الجزء من المقال نتطرق للمشكلة الثانية التي تواجه برنامج نطاقات الجديد، الذي ولد - مع الأسف الشديد - في البيئة السابقة نفسها، لذا بني على الاستراتيجية القديمة نفسها. إن المشكلة الثانية التي تواجه برنامج نطاقات الطموح هي بيئة المعلومات الناقصة أو المضللة في بعض الأحيان، خاصة فيما يتعلق بالحد الأدنى من التفاصيل الضرورية لقوة العمل الوطنية لاتخاذ أمثل القرارات الممكنة، حيث يستند هذا البرنامج حاليا إلى مصدرين فقط هما وزارة الداخلية فيما يخص العمالة الوافدة والمصدر الثاني التأمينات الاجتماعية فيما يخص العمالة الوطنية، ويمكن التسليم بصحة هذه المصادر من حيث الأرقام (عدد الوافدين والمواطنين العاملين في القطاع الخاص)، لكنها تختلف بالتأكيد جوهريا عن الواقع، بمعنى أن كثيرا من العمالة الوافدة تعمل في أماكن أخرى غير تلك المسجلة لدى وزارة الداخلية بنظام الإقامة، كما أن هناك عددا كبيرا من المخالفين لنظام الإقامة أو الهاربين أو حتى غير مسجلين على الإطلاق مثل التسلل عبر الحدود بطرق غير نظامية، وهذه أعداد كبيرة لا يمكن تجاهلها، والمنطق نفسه ينطبق على العمالة السعودية، حيث إن كثيرا من المسجلين يعملون في أماكن أخرى أو طلاب أو لا يعملون على الإطلاق، إنما هي صورة أو أكثر من بطاقة الأحوال أو دفتر العائلة فقط، وفي الغالب لا يوجد عقد بين الطرفين ولا يوجد طرف ثالث يوثق عقد العمل، والحقيقة أن مشكلة نقص المعلومات لدى برنامج نطاقات أكبر من هذا بكثير، ولهذا السبب وفي ظل هذه البيئة يمكن تبرير - ولو بشكل جزئي - الفشل لكثير من المحاولات والجهود والتجارب السابقة المتعلقة بتوطين الوظائف في السوق السعودية. ولن يختلف اثنان على أن برنامج نطاقات يهدف في الأساس لمعالجة مشكلة البطالة - ومن المفارقات والمتناقضات أن هذا البرنامج الطموح لا يعرف الكثير عن البطالة مثل حجمها الحقيقي أو نوعيتها من حيث الجنس أو المؤهل أو مدى فترة البحث عن العمل عند العاطلين والتنقل من فرصة إلى أخرى أو من منشأة إلى أخرى أو من مدينة إلى أخرى. (لقد كشف وزير العمل المهندس عادل فقيه في الشهر الماضي عن نية الوزارة الإعلان عن حجم البطالة في السوق السعودية قريبا)، بل إن هذا البرنامج لا يعرف شيئا عن قوة العمل الوطنية الأخرى مثل الطلاب والطالبات وهم في سن العمل لكن خارج قوة العمل بسبب الدراسة، وذلك من أجل تخطيط عملية دخولهم لسوق العمل بخلق فرص عمل جديدة مجدية اقتصاديا. ومع الأسف أن المصدر الوحيد الرسمي الذي تعتمد عليه الوزارة هو أرقام مصلحة الإحصاءات العامة التي تخرج أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون من النساء وهن في سن العمل خارج حسابات البطالة بحجة أنهن ربات بيوت ولا يرغبن في العمل خارج المنزل (أي خارج قوة العمل الوطنية)، ومع قرار دفع تعويضات للباحثين والباحثات عن عمل سيتضح جزء مهم من الحقيقة، حيث لن يستطيع أحد أن يقول إنهن لا يرغبن في تعويضات البطالة، ومن هذا المنطلق تبدأ بعض المعلومات والأرقام الصحيحة في الظهور وإحراج بعض الإحصائيات القديمة التي كنا وما زلنا نعتمد عليها في التخطيط واتخاذ بعض القرارات المهمة منذ أكثر من 30 سنة مضت من الاجتهادات والتجارب. إن البنك المعلوماتي المقترح للموارد البشرية الوطنية يجب أن يصنف كل مواطن أو مواطنة إما داخل قوة العمل وإما خارجها ويحدد الأسباب بطرق آلية، مع البيانات والمعلومات المتاحة لدى الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى المختلفة، وفي الوقت نفسه وبالآلية نفسها يصنف كل من هم داخل قوة العمل إما عامل وإما عاطل، ويحدد الأسباب بكل وضوح وشفافية - بعيدا عن التقديرات أو التخمينات أو التوقعات أو الاجتهادات التي تخلقها الذمة والضمير البشري - وهذه الحقائق الكاملة عن سوق العمل التي ننتظر إعلانها بمبادرة طموحة قريبا ستخدم اتخاذ القرارات التي تعالج مشكلة البطالة وتقدم حلول عاجلة. لذا نجزم بأن الخطوة الأولى في خريطة الطريق العملية لتوطين الوظائف في السوق السعودية يجب أن تبدأ أولا بإنشاء قواعد معلومات وطنية إلكترونية متكاملة وحصرية عن قوة العمل الوطنية مربوطة بفرص العمل الحقيقية والمنشآت والسجلات التجارية حتى المواقع الجغرافية وتشمل من هم داخل ومن هم خارج قوة العمل وتحديد أسباب الخروج من هذه القوة (مثل التقاعد، الدراسة، الاستقالة، الرعاية الاجتماعية، أو غيرها)، وكذلك تحديد أسباب الدخول لقوة العمل الوطنية (العاملون والباحثون عن العمل) ومعظم هذا التحديث والتوثيق يجب أن يفعل بطرق آلية إلكترونية (مثل عقود العمل الموثقة والموقعة من الطرفين أو انتقال نسخة إلكترونية من الشهادة والسجل الأكاديمي للطالب أو الطالبة المتخرجين في الجامعات إلى هذه القواعد .. وهكذا)، ومنها أيضا طرق أخرى تقليدية وبهذا تكوين سجل تاريخي وظيفي موثق لكل مواطن داخل سن العمل سواء كان عاطلا أو عاملا، ومن المؤكد أن هذه القواعد المتكاملة ستكون أفضل وسيلة عادلة لتحديد من يستحق ومن لا يستحق تعويض البطالة – على سبيل المثال - كما أنها ستكون القاضي العادل لدعم ونجاح وتطوير برنامج نطاقات في المستقبل، بل إن هذا المركز أو البنك المعلوماتي عن الموارد البشرية الوطنية سيكون الذراع الأساسية لأي برنامج آخر يتعلق بتطوير أو تنمية أو حلول مشكلات عنصر العمل الوطني، كما يحقق أيضا مزيدا من العدالة والإنصاف والشفافية في التوظيف الحكومي. ومن نافلة القول أن توفير التفاصيل لهذه المعلومات عن قوة العمل الوطنية سيكون المرجع الأول والأهم لأي تخطيط مستقبلي على مستوى الاقتصاد الكلي سواء على مستوى الخطط الخمسية أو الميزانيات السنوية أو أي برامج أخرى جديدة ليتمكن المخطط ومتخذ القرار دوما من الربط بين الاقتصاد الوطني (طبيعته، موارده، ونموه) والموارد البشرية المتاحة كما وكيفا مثل التنسيق أو المواءمة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل والأمثلة والتطبيقات العملية لا نهائية في الاقتصاد.
إنشرها