فقهاء: القوانين الوضعية تهدد مستقبل الصكوك الإسلامية
أثارت مسألة إصدارة الصكوك الاستثمارية جدلاً فقهياً ونقاشاً حاراً بين العلماء والفقهاء المتخصصين في الصيرفة الإسلامية في الآونة الأخيرة.
وألقت هذه الاختلافات في مشروعية إصدار الصكوك بظلالها على الإصدارات السابقة ومدى توافقها مع الضوابط الشرعية، إلى جانب مستقبل الصكوك خلال الفترة القادمة.
وكانت النقطة المحورية التي دار حولها الكثير من النقاش أن الصكوك تمثل حصة شائعة في موجودات من الأعيان أو المنافع أو الخدمات، أو خليط منها مع نسبة من الديون والنقود، ويترتب على ذلك تطبيق مبدأ الغنم بالغرم. كما يجب انتفاء كل ما يخل بملكية حملة الصكوك للموجودات التي تمثلها وتجنب الصورية، ولا يجوز لمصدر الصكوك أن يضمن رأسمال الصك أو ربحاً محدداً سواء كان ذلك بالتزام أم تعهد أم وعد ملزم، كما لا يجوز التعهد من مصدر الصكوك ومديرها بشراء أصل الصكوك أو استبدالها بالقيمة الاسمية عن إطفائها.
إلا أن هنالك تجاوزات ومخالفات تحدث عند عملية إصدار الصكوك وفقاً لفقهاء تحدثوا لـ"الاقتصادية" مبينين أن هذه التجاوزات مفروضة على صناعة المال الإسلامية، ولا يمكن تفاديها في الوقت الراهن بسبب القوانين الوضعية التي لا تعترف بالمعايير الشرعية.
وأشار المختصون إلى أن عملية إصدار الصكوك وإن تمت طبقاً للشريعة الإسلامية، إلا أنها تصطدم بأكثر من جدار يقف عائقاً أمام اكتمال شرعيتها، فالرأي القانوني الذي لا تصدر من دونه أي ورقة مالية لا يحتكم للشريعة في قراراته وإنما للقانون الوضعي.
إضافة إلى المدققين والمراقبين الماليين الخارجيين الذين يسيرون وفقاً للمعايير الدولية والبنوك المركزية التابعة للحكومات، التي تستند في الأساس إلى القوانين المطبقة أصلاً للبنوك التقليدية.
كما أن عملية إصدار الصكوك تواجه أيضاً صعوبات في عمليات التصنيف من قبل وكالات التصنيف العالمية المعروفة التي لا تعترف أصلاً بالشرع في عمليات تقييمها وإنما المعايير الوضعية.
ومع ذلك، رأى الفقهاء أن التجاوزات التي حدثت وتحدث في عملية إصدار الصكوك الإسلامية لم تعد بذلك الحجم الذي كان يحدث في الماضي بعد مرور 12 سنة تقريباً على بداياتها، وقيام العديد من الندوات والمحاضرات وحلقات النقاش المستفيضة لبحث وتحليل الموضوع.
وطالب المختصون بممارسة مزيد من الضغوط على الحكومات والسلطات الرقابية في الدول الإسلامية للقبول بقواعد اللعبة التي ارتضوها أصلاً، فطالما رخصوا للبنوك الإسلامية بالعمل، لماذا لا يعاملونها وفقاً للشريعة، ولماذا لا يرغمون المدققين الخارجيين ووكالات التصنيف العالمية على محاسبة البنوك الإسلامية وفقا لطبيعتها.
وشدد الدكتور حسين حامد حسين رئيس هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بنك دبي الإسلامي، وعضو هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في البنك الإسلامي للتنمية، على التأكد من أن حملة الصكوك طالما دفعوا الثمن لا بد من نقل الملكية إليهم؛ لأن عدم نقل الملكية وأخذ عائد على الصكوك يصبح قرضاً بفائدة وليس أجرة.
ولفت حسان إلى أن ما يحدث أن البعض فكر عند إصدار الصكوك بأنه من الممكن إصدارها دون نقل الملكية، ويأخذ حملة الصكوك الأجرة أو العائد، مضيفاً "بهذه الطريقة يعطيهم المنفعة وليس الأصل، ولهذا حكمنا على هذه الصكوك بالبطلان ما لم تنتقل ملكية الأصل لحملة الصكوك".
الأمر الثاني، لا يجوز ضمان رأس المال لحملة الصكوك أو أرباح معلومة، وقال "إصدار صكوك بدلا عن القرض تعني أخذ الأموال بصفة مضارب، المبالغ أخذت تسمى (رأسمال المضاربة أو المشروع) الشريعة تقول ما دامت العملية استثمارية لا يمكن ضمان رأس المال ولا أرباح معلومة، وفيما لو ضمن إرجاع رأس المال أو عائد محدد دخلنا في القرض".
واستبعد الدكتور حامد أن أخطاء كبيرة ما زالت ترتكب في الصكوك بعد 12 سنة من الخبرة في هذا المجال، معللاً ذلك بكثرة الندوات والمؤتمرات والبحوث التي تطرقت لهذا الأمر، سواء في ملكية حملة الصكوك أو ضمان رأس المال.
إلا أن الفقيه المعروف أكد وجود مخالفات وتجاوزات ترتكب في الصكوك كغيرها؛ لأن الصناعة جديدة وتجربة تعيش في ظروف قاسية جدا جدا على حد قوله.
وقال "الصكوك تصدر من الناحية الشرعية سليمة، لكن لا يمكن أن تصدر الصكوك بدون رأي قانوني الذي لا يمكن صدور أي ورقة مالية بدونه، يطلب القانونيون تعديل فقرات على اعتبار أنها مخالفة للقانون (الوضعي) الذي يحكمنا جميعاً، ولا يمكن مخالفة قانون الدولة".
وتابع "إما ألا تصدر الصكوك ولا نجد صناعة مالية إسلامية، وإما أنه تحت الضرورة الملحة (قرار سيادي) لا يمكنك تجاوزه، نسير على القوانين سواء المطابقة للشرع أو المخالفة".
وأوضح حسان بمشكلات أيضاً تواجهها الصكوك من قبل المدققين والمراقبين الخارجيين الذي يتبعون المعايير الدولية وقوانين البنوك المركزية والحكومات، وقال "لا يستطيع الخروج عند عمل تدقيق على الصكوك عن المعايير الدولية، وليس المعايير الشرعية، عند إصدار الصكوك لا بد من إرجاعها لتطبيق القوانين الوضعية، فماذا نفعل، هل أقول لهم الشريعة لا تسمح بذلك؟!! في وقت نحاول دخول المعترك في الصناعة المالية الإسلامية وتقويتها شيئا فشيئاً".
"ثم نأتي لوكالات التصنيف الائتماني لتصنيف الصكوك التي تمثل قيمة في ثمن الصكوك، الوكالات تقول إن لديها معايير عالمية وليست لها علاقة بالشرع، وأن عملية التصنيف تتم وفقاً لمعاييرها".
من أجل ذلك، أكد الدكتور حسين حامد حسان أن الفقهاء والعلماء دعوا إلى عقد ورشة عمل تضم ذوي العلاقة بإصدار الصكوك من الشرعيين والقانونيين والمصرفيين والمراجعين الخارجيين وممثلين لوكالات التصنيف والجهات الرقابية الإشرافية، وذلك بقصد توحيد قواعد وضوابط إصدار الصكوك وتداولها واستردادها وإطفائها.
وصف الصورة: