رعاية الجمعيات الخيرية للمشروعات الصغيرة مقدِّمة لحصولها على دعم البنوك الإسلامية
في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة الدين الأمريكية وارتفاع الأسعار والتضخم المستورد الذي تعانيه مجمل الأسواق العربية، كانت هناك دعوات عديدة لتفعيل الدور الأهلي في إنشاء الجمعيات الاستهلاكية والمشروعات الاقتصادية الصغيرة التي ستدعم الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي، خاصة أن هذه الاقتصادات تعمل وفقا للنظرية الاقتصادية الإسلامية، وتسهم في كبح جماح الغلاء الفاحش للأسعار، وتقدم خدمات للأهالي وتنعش العمل الاقتصادي الاجتماعي، وهو دور بدأت تتلمسه المصرفية الإسلامية وتستهدفه من خلال علاقات تعاون بين الجهات التمويلية والجهات الأهلية، وفي هذا الصدد يقول الخبير في المصرفية الإسلامية ياسر آل عبد السلام لـ ''الاقتصادية''، إن العلاقة بين المانحين والمقرضين والجمعيات تتجاوز توزيع الصدقات والزكوات إلى مجالات تجارية منظمة وفق ضمانات واضحة ومحددة، خاصة أن عائدات هذه العلاقة ستؤدي إلى تحقيق فوائد كبيرة للمجتمع وللفرد وبعد أن يحقق نجاحاً في مشروعه فإن البنوك حينئذٍ ممكن أن تسهم بدعمه.
وتمثل المشروعات الصغيرة أحد القطاعات الاقتصادية التي تستحوذ على اهتمام كبير من قبل دول العالم والمنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، كما تشكل محور اهتمام السياسة الاقتصادية الهادفة إلى تخفيض معدلات البطالة في الدول النامية والمتقدمة، حيث تلعب هذه المشروعات دورا فاعلا في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في معظم دول العالم، ولدورها المحوري في الإنتاج والتشغيل وإدرار الدخل. وفي ظل حاجة الدول العربية إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي ومواجهة مشاكل البطالة تبدو أهمية الاهتمام بالمشروعات الصغيرة، حيث تشير الأرقام إلى أنه لا يوجد دولة عربية واحدة محصنة ضد البطالة بشكل عام، حيث يصل عدد العاطلين في العالم العربي إلى قرابة 18 مليون عاطل يمثل الشباب منهم 60 في المائة، وهو ما دعا منظمة العمل العربية للقول إن على البلدان العربية ضخ نحو 70 مليار دولار، ورفع معدل نموها الاقتصادي من 3 إلى 7 في المائة، واستحداث ما لا يقل عن خمسة ملايين فرصة عمل سنويا، كي تتمكن من التغلب على هذه المشكلة، كما أشار البنك الدولي إلى حاجة المنطقة العربية إلى تدبير 74 مليون فرصة عمل خلال الـ 20 عاما القادمة.
#2#
وحيث إن علاقة التمويل المتناهي الصغر تكون مباشرة بين المقرض والمقترض الذي يحتاج إليه، ويشير خبراء في قطاع التمويل إلى أن هذا النوع من التمويل يعتبر الأقل من حيث وجود المخاطر كما يتميز بالعائد الثابت، وفي الوقت الذي تعتمد فيه البنوك على الضمانات البنكية والرهون فإن شركات التمويل المتناهي الصغر تعتمد على التحليل الجيد والدراسة المسبقة للمشروع، وتكشف دراسات أن التجربة العالمية والعربية تؤكد أن السداد في تلك المؤسسات يفوق 99 في المائة مقارنة بشركات الاستثمارات والتمويل الأخرى.
وتقوم فكرة التمويل متناهي الصغر على تقديم القروض الصغيرة للطبقة الأفقر في المجتمع بغرض إنشاء مشروعات صغيرة تدر على أصحابها دخلاً يتمكنون من خلاله من إعالة أنفسهم وأسرهم، ويتميز هذا النوع من التمويل بالتعدد والتنوع بما يوفر أساليب تناسب كل الظروف والأحوال، إضافة إلى ابتعاده عن الفوائد الربوية المحرمة شرعا، كما أن جميع أساليبه تضمن استخدام التمويل في الاقتصاد الحقيقي وتوجيهه لإنتاج وتوزيع السلع والخدمات التي تصب في التنمية الحقيقية وزيادة الرفاهية.
في هذا الصدد أكد ياسر آل عبد السلام المتخصص في المصرفية الإسلامية لـ ''الاقتصادية'' أهمية تمويل المشاريع والمنشآت الصغيرة لتحريك وتقوية الاقتصاد والمساهمة في تنمية المجتمع والتخفيف من معدلات البطالة، وقال إن البنوك كذلك تستفيد على المدى البعيد بل والقريب من دعم هذه المشاريع بتحقيق أرباح من التمويل لهذه المنشآت وتحقيق شراكة مع هذه المشاريع طويلة المدى تستفيد منها البنوك كل ما قويت هذه الشركات، مشيرا إلى أن التجربة اليابانية واضحة للعيان حيث يشكل التمويل للمشاريع الصغيرة النصيب الأكبر في عمليات الإقراض البنكية، ولهذا بدأت مؤسسة النقد في توجيه البنوك نحو هذا الاتجاه وقد اتجهت البنوك فعلاً نحو هذا الاتجاه عن طريق برنامج كفالة المدعوم من صندوق التنمية الصناعي.
إلا أن آل عبد السلام أشار إلى أن البنوك من حيث الأساس تعتبر جهات ربحية تتاجر بأموال المودعين ولهذا تهتم دائماً بالعائد من عمليات التمويل وكذلك تحسب المخاطر وخاصة التعثر في السداد، مما يجعلها تتشدد في عملية التمويل وخاصة في مجال الضمانات، وقال إنه يحسن بالجمعيات الخيرية أن تلتفت نحو تمويل مثل هذه المشاريع كما في المثل ''لا تعطيني سمكة كل يوم وإنما علمني كيف أصطاد السمك''، فكون الجمعيات الخيرية تنتقل من توزيع الصدقات والزكوات إلى دعم المبتدئين في مجال التجارة وفق برنامج منظم ويكون خيريا من غير فوائد ووفق ضمانات معتبرة فإن في هذا فوائد كبيرة للمجتمع وللفرد وبعد أن يحقق نجاحاً في مشروعه فإن البنوك حينئذٍ يمكن أن تسهم بدعمه.
وما زالت المصرفية الإسلامية مغيبة عن التمويل متناهي الصغر رغم قدرتها على النجاح ووجود عدد من النماذج والتجارب الناجحة والمتميزة، حيث لم تتجه المؤسسات المالية الإسلامية إلى دعم حقيقي واستثماري للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بل اكتفت بتسميته دعما للمشاريع في حين أنه ما زال كما هو على أساليب التمويل الأخرى المعتمدة على الأساليب المعهودة في التمويل والمديونية والسداد، ويقول آل عبد السلام إن البنوك الإسلامية تقدم أشكالا مختلفة من التمويل تلبي احتياجات المؤسسات الصغيرة من التمويل وعادة تقدم بطريقة مجازة من الهيئة الشرعية للبنك ولكن هناك من ينتقد التمويل الذي تقدمه البنوك الإسلامية نظراً لاعتماده على المديونية ويطالب بالمشاركة بين البنك وأصحاب المشاريع الصغيرة مثلاً إلا أنه يصعب إلزام البنوك بصيغة محددة إذا كان الصيغ التي تطبقها مجازة من هيئتها الشرعية، خاصة وأن المؤسسات الصغيرة تحتاج إلى تمويل يساعدها ويسهم في تطوير أعمالها والصيغ التي تقوم على المديونيات مثل التورق والمرابحة والمرابحة للآمر بالشراء والتقسيط وغيرها مما يلبي احتياجات المؤسسات الصغيرة ولكن محور النقاش هل هذه الصيغ شرعية أم ليست شرعية؟ وهل تطبيقها يتم بطريقة شرعية أم لا؟ فإن كانت شرعية وتطبق بطريقة شرعية فلا إشكال من التوسع فيها وتطبيقها بشكل أوسع.
وفي وقت سابق، أوضح حسين الشهري مدير دائرة المؤسسات التجارية بالبنك الأهلي أن إيرادات المصارف السعودية من قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة ستتضاعف خلال الخمس سنوات المقبلة، مضيفا أن معدل النمو التراكمي في الودائع قد تضاعف بنحو 106 في المائة، حيث بلغ معدل النمو التراكمي لمحفظة التمويل 66 في المائة خلال خمس سنوات. وقال الشهري إنه مع تزايد المنافسة في القطاع الخاص أصبح من المهم وجود مناطق نمو جديدة، حيث إن 80 في المائة من التوزيع الجغرافي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة تتمركز في المناطق الرئيسية الثلاث، وأضاف أن أكثر من 60 في المائة من قطاعات أعمال المنشآت الصغيرة والمتوسطة تتركز حول أعمال التجارة والمقاولات.
ويعتبر برنامج كفالة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة الذي كُلف صندوق التنمية الصناعية السعودي بإدارته منذ خمسة أعوام من الأفكار الرائدة للتغلب على معوقات تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة الناتجة من عدم توفر الضمانات المطلوبة لجهات التمويل المختلفة، حيث أكد محمد بن عبد المنعم حمودة رئيس البرنامج أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تستحوذ على نسبة كبيرة من الأيدي العاملة في المملكة، فالمنشآت الصغيرة التي يعمل بها أقل من خمسة عمال تسهم في توفير 54.4 في المائة من إجمالي فرص العمل في قطاع المنشآت العاملة في المملكة، بينما تسهم المنشآت التي يعمل فيها من 5 - 59 عاملا في توفير 42 في المائة من إجمالي فرص العمل في قطاع المنشآت، والمنشآت التي يعمل فيها أكثر من 60 عاملا تسهم بنحو 3.6 في المائة فقط من إجمالي فرص العمل في قطاع المنشآت، ما يؤكد أهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة ودورها في توفير فرص العمل والتوظيف.
وخلال الاجتماعات السنوية لمحافظي البنك الإسلامي للتنمية في جدة خلال حزيران (يونيو) الماضي، أعلن خالد العبودي الرئيس التنفيذي لمؤسسة تنمية القطاع الخاص التابعة للبنك الإسلامي، إطلاق صندوق لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الدول الأعضاء، مبيناً أن قيمته ستكون مليار دولار، منها 100 مليون دولار حصة المؤسسة التي ستقدمها. وأضاف العمل جار على جلب 400 مليون دولار خلال المرحلة الأولى بما يمكن الصندوق من الانطلاق ومن ثم يواصل المراحل المتبقية مستقبلاً.