أم فهد .. رحيل الإنسانة الكبيرة

منذ سنوات بعيدة ..
لا يأتي بين الناس ذكر الأميرة الراحلة سلطانة السديري إلا وتأتي الدعوات لها بالعون والتوفيق والصبر والاحتساب.. لقد كانت الأم الصابرة على فواجع الأيام عندما خطف منها القدر اثنين من أبنائها فأصبحت مع سلمان بن عبد العزيز، رجل البر والخير والإحسان الكبير، يربيان الأيتام..
كما ظلت الإنسانة الصابرة على أوجاع المرض وتقلبات السرير..
والأهم أنها رغم مسيرة الألم كانت الإنسانة التي تضع يد المعروف والبر في مواضع كثيرة، تبني المساجد وتنشئ مراكز الإحسان وتتفقد أحوال الناس بالذات البسطاء..
لقد رحلت وهي مطمئنة أن جزءا أصيلا منها سيظل يكبر وينمو مع أبنائها وأحفادها الذين زرعت فيهم مع والدهم الوفي الكبير سلمان بن عبد العزيز رائد الإحسان حب الخير ونبل المقصد والقرب من الناس.. بالذات بسطاء الناس وضعفائهم.
لن يكون سهلا ويسيرا رحيلها بالذات لمن هم كانوا تحت ظل عطفها وحنانها.. يتلقون دعواتها وبركاتها وسؤالها في الصباح والمساء..
أيضا لن يكون سهلا علينا جميعا تقبل رحيل أي إنسان من ذلك الجيل الكبير الذي عاش تاريخ هذا البلد وتلمس مسيرته الأولى الصعبة.. فهذا الجيل الذي يرحل يأخذ معه أشياء كثيرة.. يأخذ معه جزءا من تاريخنا، من ذاكرتنا، من معاناتنا، من أحلامنا، وشيئا كبيرا من روحنا.
رحيل كل إنسان من ذلك الجيل الكبير يترك فينا وجعا خفيا مؤلما، لأنه رحيل اللاعودة، ليس إنسانا يغادر وترتجى عودته، بل هي الرحلة التي تأخذ الأشياء الجميلة التي نعرف أنها لن تتكرر، ذهبت ولن تعود لأنها من خصوصيات هذا الجيل.. ويكون الألم أكبر عندما يكون ذلك الراحل كبيرا في حضوره، كما هي الراحلة الأميرة سلطانة السديري.
ندعو الله أن يرحمها ويتقبلها في الصالحين ويجزل لها الثواب على صبرها واحتسابها عبر السنوات الطويلة، حيث أثقلها المرض وأتعبتها فواجع الأيام وتبعات الأحزان.
الأميرة الراحلة تقدم النموذج الإيجابي الرائع للكثير من الأمهات في بلادنا.. الأمهات اللواتي يضعن روحهن ووقتهن وجهدهن لرعاية الأبناء وتربيتهم والعناية بهم، وهذه الرعاية هي التي تزرع فيهم الاستواء النفسي، وتقربهم من الخير، وترقق مشاعرهم، وتقرب قلوبهم إلى الله ــــ سبحانه وتعالى.. والحمد لله أن هؤلاء الأمهات يجنين ثمرة هذا التعب بزرع الخير في الأبناء والبنات حين يحتاج إليهم الناس أو تحتاج إليهم بلادهم .. أو حين يحتجن هن إليهم في لحظات ضعفهن وانكسارهن وقلة حيلتهن.
عند أقدام هؤلاء الأمهات يخضع الأبناء والبنات مهما علا شأنهم وكبر مقامهم، يصبحون ويمسون خانعين لهن خافضين أجنحة الذل من الرحمة، ينتظرون أي إشارة لأمر أو طلب، هؤلاء العظيمات ليس كثيرا عليهن هذا الخنوع وهذا الاستسلام والعطف.
رحم الله الأميرة سلطانة .. وندعو الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ أن يعين كل من فقدها، ندعو الله أن يعين الأمير سلمان على فراقها.. لقد كانت رحلة عمر، والأمير سلمان يبقى كبيرا دائما في الأفراح والأتراح، إنه قدر الرجال الكبار، يتحملون الآلام والمواجع وحدهم، وندعو الله أن يرزق أبناءها البررة الذين كانوا يلازمون سريرها ويتناوبون على العناية بها، آلامها هي آلامهم.. هؤلاء فاجعتهم كبيرة، فندعو الله أن يعينهم ويصبرهم على فقدها، والحمد لله على كل حال، وصدق الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ الذي قال: (لقد خلقنا الإنسان في كبد).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي