دارة الملك عبد العزيز .. والدور المنتظر (2 من 2)
في المقال السابق أشرت إلى ما حققته دارة الملك عبد العزيز من إنجازات، وما بنته من سمعة طيبة، كجهة علمية وبحثية معنية بتاريخ وتراث المملكة والجزيرة العربية، وأشرت إلى أن المرحلة الحالية تحتاج إلى دور آخر يُنتظر أن تضطلع به الدارة.
هذا الدور يتمثل في نقل هذا المخزون التاريخي والثقافي الكبير الذي بنته الدارة عبر 40 سنة إلى المتلقي عبر وسائل الاتصال الحديثة، وإتاحة الكتب والمراجع التي تزخر بها الدارة للمتلقين عبر هذه الوسائل، ومتطلبات المرحلة الحالية، وما تعيشه منطقتنا العربية من صراع سياسي وفكري، يجعل من المهم أن ننافح عن تاريخ وثقافة وسياسة بلادنا بطريقة نستطيع من خلالها المواجهة، وبيان الحقائق، بدلا من ترك الساحة لطرف آخر يديرها كيف يشاء، ويشكل الرأي العام حسب رغبته، دون أن يواجه بمن يصحح معلومة، أو يدافع عن تاريخ.
ضعف أمتنا العربية جعل منها مطمعاً لقوى أجنبية عديدة، من بينها قوى رأت في هذا الوضع ما يحقق أحلامها في التوسع، فسخرت كل طاقاتها، بل واستخدمت الدين لخدمة أهدافها السياسية، واستطاعت أن تدخل إلى المنطقة العربية عبر وسائل عديدة، من بينها الإعلام، وما يندرج تحته من قنوات فضائية ومواقع إنترنت، تبث برامج ومسلسلات باللغة العربية لتشويه أحداث التاريخ الإسلامي، وتشويه مواقف من يعارض توجهاتها من دول، ولأن المملكة العربية السعودية بما تتمتع به من مكانة إسلامية متميزة، وسياسة متوازنة، تقف سداً منيعاً في وجه تلك الأطماع، فقد سخرت تلك القوى آلتها الإعلامية والدعائية للإساءة إلى المملكة، فزورت وقائع وأحداث التاريخ، بل واختلقت كتباً نسبتها إلى شخصيات لم تكن موجودة على أرض الواقع، وقامت بنشرها عبر مختلف هذه الوسائل، رغبة في الإساءة إلى المملكة، والتشكيك في تاريخها، ومنطلقات تأسيسها الدينية، كما قامت باستكتاب كل من هو على استعداد لبيع ضميره، وأنفقت على هذا الأمر مليارات الدولارات.
كل هذه الأعمال لا نريد أن نواجهها بدعاية إعلامية مماثلة، تعتمد على الكذب وتزوير الحقائق وشراء الذمم، بل نريد أن نبسط الحقائق للناس، ويكون ذلك بشكل مستمر وواضح، عبر آلية إعلامية توصل الحقيقة الموثقة إلى المتلقي، عبر مواقع الإنترنت المختلفة، من منتديات وفيس بوك وتويتر ويوتيوب، وعبر قناة فضائية تاريخية تديرها الدارة.
وهذا الأمر لا يمكن أن تقوم به دارة الملك عبد العزيز بإمكاناتها المادية والبشرية والتقنية الحالية، بل يحتاج إلى دعم مالي كبير، يُسهل عليها هذه المهمة، بحيث تكون منارة علمية وإعلامية، قادرة على بسط الحقائق، ومواجهة كل تزييف.
ولعل ما أشار إليه الدكتور فهد السماري الأمين العام للدارة في تصريحه المنشور في صحيفة "الاقتصادية" يوم السبت الماضي عن مركز التاريخ السعودي الرقمي الذي تسعى الدارة من خلاله إلى توفير المعلومة التاريخية للباحثين عبر الإنترنت بداية تحقق ما يطمح إليه الجميع، من انتقال الدارة بجهودها المتميزة إلى الفضاء الإلكتروني الواسع، وتفاعلها مع مختلف ما يطرح عبر هذا الفضاء بشكل سريع ومؤثر.