Author

مشاريع الدولة - جرس إنذار

|
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تأخر أو تعثر مشاريع الدولة، سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو كبيرة أو عملاقة.. التي يقال إن قيمتها وصلت إلى أكثر من 400 مليار ريال سعودي، تعثر الكثير من هذه المشاريع بالرغم من التخطيط الجيد لها والتمويل المتوافر، ودعيت لها شركات متخصصة من قبل مكاتب استشارية معتمدة.. إلاّ أن الشكاوى من التأخير أصبحت حديث المجتمع ووصلت لدرجة أن خادم الحرمين الشريفين بنفسه (أطال الله عمره) قالها في مجلس الوزراء وكعادته بصراحة ووضوح بأن الناس متضايقة من تأخر المشاريع. الغريب في الموضوع أننا لم نسمع من أي وزير شكوى علنية من التأخير حول مشاريع وزارته أو أي مسؤول بالرغم من شكوى قائد هذه الأمة علناً أمام الوزراء في مجلس الوزراء.. لم نعرف السر حتى الآن؟! ومن هنا وجب أن نقرع جرس الإنذار، لعلّ وعسى أن يصحو النائمون قبل وقوع المأساة. إن المشكلة الأساسية أن كل وزير يعتقد أن التعثر حاصل فقط في وزارته وإنه يمكن التغلب عليها وإنهاء الأمر بسلام والحقيقة غير ذلك. إن تعثر المشاريع في هذه المرحلة التنموية المهمة، التي اتصفت بالوفرة المالية عامة في أكثر المشاريع لا عذر للمقاولين فيها، فحقوق المقاول تدفع مباشرة من وزارة المالية والدفعة الأولى والبالغة 20 في المائة من قيمة العقد تسدد بمجرد توقيع العقد.. والتمويل التجاري معد ومتوافر ما دامت حقوق المقاول المالية تحول مباشرة لحساب المقاول في البنك المموِّل. إذن ما المشكلة؟ قد يردد البعض بعض الأسباب التقليدية مثل تأخر تسليم المواقع أو صعوبة التعامل مع الاستشاري أو استقدام العمالة، والواقع أن هذه الأسباب غير موجودة في المشاريع الكبيرة والعملاقة.. وهي التي تمثل المشكلة المتوقعة. سببان رئيسيان يؤديان لفوضى التأخير والتعثر من قبل المقاول الرئيسي السبب الأول تصرف المقاول الرئيسي بأموال المشروع لتمويل مشاريع أخرى التزم بها مسبقا أو استثمارها في الخارج أو في الداخل في استثمارات مالية لا علاقة للمشروع بها.. فتتداخل الأمور وتتعقد ولا يستطيع المقاول الرئيسي حينها توفير الأموال لمشروعه الحكومي فتتعثر دفعاته للمقاولين من الباطن ويتردد الموردون في توفير المواد المطلوبة لعدم تسديد حقوقهم فتتوقف الأنشطة ويتأخر المشروع ويتوقف المقاولون من الباطن وهكذا.. وهنا أحياناً يضطر هذا المقاول إلى أخذ مشاريع أخرى بتكلفة رخيصة فقط لتوفير النقد من أموال المشروع الجديد لتغطية العجز في المشاريع السابقة وهكذا دواليك.. أما السبب الثاني فهو اعتماد هؤلاء المقاولين، خاصة ذوي الجنسية الأجنبية على مقاولين من الباطن غير مؤهلين.. ومن الملاحظ وجود ظاهرة انتشار أجانب يحملون شنطا في أياديهم مليئة بعقود موقعة لمشاريع من الباطن متعلقة بمشاريع حكومية تعرض لأجانب آخرين متستر عليهم أو حاملي ترخيص استثمار أجنبي بأسعار أقل بكثير مما قدمه المقاول الرئيسي للجهة الحكومية والمعتمدة من الاستشاري للمشروع نظير نسبة توزع بين المقاول من الباطن والسمسار وموظفي المقاول الرئيسي.. وعندما يبدأ المقاول من الباطن عمله يكتشف أن الاستشاري يتوقع منه عملا بتكلفة المتر للبناء مثلاً لا تقل عن 5000 ريال، حسب السعر المقدم من المقاول الرئيسي وهو انتهى به الأمر متوقعاً تقديم المتر بما لا يزيد عاى 3000 ريال فيسقط في أول أسبوع.. وتنتشر العدوى وتبدأ المشاكل القانونية وهكذا. اليوم وبكل وضوح وصراحة أكثر المشاريع التي أعطيت للشركات الأجنبية أو الأجنبية المشاركة مع السعوديين حتى بعض الشركات السعودية الصغيرة والمتوسطة مع الأسف متأخرة إلاّ القليل منها، وهي الكبيرة والمملوكة 100 في المائة للسعوديين والمعروفة في السوق. إنني أتمنى من خادم الحرمين الشريفين أن يطلب من كل وزير أن يرفع له تقريراً عن مشاريع وزارته التي تحت التنفيذ، خاصة ذات المبالغ الأكثر من 100 مليون ريال لمعرفة أين وصلت ومتى وقِّع العقد وموعد نهاية التنفيذ. وقناعتي الشخصية أنّ أهمّ سبب في هذا التأخير تلاعب المقاولين الرئيسيين بأموال المشاريع لأمور أخرى.. وهنا نتحدث عن المقاولين الذين لديهم عقود ببلايين الريالات واليوم الكل يعلم مدى المشاكل المالية التي يعانيها هؤلاء المقاولون، وعدم دفعهم حقوق المقاولين من الباطن أو الموردين، وكذلك عدم دفع رواتب عمالتهم مما أدى لتوقف الأعمال أو تأخرها، والخطر القادم هو في عدم مقدرة هؤلاء المقاولين الرئيسيين والمقاولين من الباطن على تسديد ديونهم للبنوك المحلية، التي تقدر بالبلايين. والعجيب أن الأمر واضح لجميع المواطنين وذوي الاختصاص، ولم نسمع أي تحرك من المسؤولين في أي إدارة حكومية حول هذا الخطر المتوقع.. فهل ننتظر حتى يقع الفأس بالرأس؟!.. وهو ليس ببعيد بالنسبة لبعض الشركات العملاقة. وإنني آمل من حكومتي أن تكلِّف فريق عمل لدراسة هذه الظاهرة التي يتحدث عنها الجميع لدرجة أن هناك نوعاً من التردد والممانعة من جميع الموردين السعوديين والمصنعين السعوديين من التعامل مع الشركات العاملة في الدولة دون تقديم ضمانات بنكية لهم مما سيؤدي لمشكلات أكثر لمشاريع الدولة. إن استمرار الدولة بترسية مشاريعها بالبلايين على شركات محددة ودون طرحها في مناقصات عامة حسب النظام يعد أمراً في غاية الخطورة. وما على الشركة المتعثرة إلاّ إعلان إفلاسها والخروج من الأزمة، خاصة إنها تسلمت الـ 20 في المائة مقدماً باعتبارها شركة ذات مسؤولية محدودة. فكل المشاريع ممولة من الدولة والبنوك المحلية والعالمية والموردين المحليين.. وكل المقاولين على علم بأن حكومتنا لن تترك مشروعاً متعثراً يسقط، وستحاول الدولة كل ما يمكن عمله لإنقاذ الموقف.. ولكن الضرر يكون قد حصل! والخسائر تحققت للاقتصاد الوطني ومؤسساته التمويلية ومصنعيه ومقاوليه من الباطن، لأن الدولة لن تعوض هؤلاء. والآن ما الحل المقترح لهذه المصيبة المتوقعة؟ وللمشاريع المستقبلية؟ أولاً: أرجو من خادم الحرمين الشريفين أن ينشئ مكتباً خاصاً في الديوان الملكي لمتابعة المشاريع شهرياً والرفع له ومعرفة أسباب التأخير، كما فعل- أطال الله عمره- مع كل من جامعة الملك عبد الله وجامعة الأميرة نورة، والمركز المالي في الرياض، مما خلق ضغوطاً نفسية على كل الجهات المسؤولة، سواء حكومية أو استشارية أو مقاولا، وكما فعلت وزارة البلديات في مشاريع تطوير المشاعر في مكة. إن وجود مثل هذا المكتب المتخصص للمتابعة في الديوان الملكي والمدار من قبل مجموعة من الشباب السعودي المتخصص والذين يخافون الله يعد أمراً مهماً للمتابعة، فكثير من المشاريع متأخرة، وتحاول الجهات الحكومية ذات العلاقة تغطية الأمور ومحاولة حلها بطرقها الخاصة. ثانياً: أرجو أن يصدر الملك- أطال الله عمره- أمراً واضحاً بألا يتم ترسية أي مشروع على أي شركة واحدة بمبلغ يتعدى المليار ريال، وعلى الجهة الحكومية تجزئة المشاريع لأكبر عدد من المقاولين السعوديين المؤهلين. ثالثاً: يجب أن تشترط وزارة المالية على كل مقاول يتسلم عقداً بمبلغ مائة مليون أو أكثر بأن يفتح حسابا خاصا في أحد البنوك المحلية يخصص للصرف على المشروع فقط، وتحت إشراف إدارة لجنة ثلاثية مكونة من المقاول والبنك الممول والاستشاري المشرف، وأن تتحمل هذه الأطراف الثلاثة مسؤولية التأكد من أن كل شيك يصدر من هذا الحساب يكون موجهاً لتنفيذ المشروع فقط، سواء لمورد أو مصنع أو مقاولين من الباطن أو للعمالة وهكذا.. وأن تحول في هذا الحساب كل المبالغ المتعلقة بالمشروع، سواء كانت الدفعة المقدمة أو القروض المأخوذة لصالح المشروع وفي النهاية وبعد تسلم المشروع يعطى المقاول المبالغ المتبقية مع تمنياتنا له بالربح الوفير. رابعاً: يمنع منعاً باتاً إعطاء الموافقة لأكثر من 50 في المائة من المشروع لمقاولي الباطن، وعلى أن يكونوا ذوي الاختصاص العالي وبموافقة الاستشاري والإدارة الحكومية عليهم، وأن يقدم لهم ضمانات بنكية من قبل المقاول الرئيسي. خامساً: التأكد من أن الشركة المدعوة لمشروع جديد قد نفذت بالكامل تعهداتها في المشاريع السابقة، وذلك بإبراز شهادات الجهة الأخرى ومستشاريها. إن ملكنا- جزاه الله خيراً- اعتمد المشاريع واعتمد الأموال الضخمة لها وغرضه الرئيسي استفادة المواطن وبسرعة، وليس استفادة المقاولين أو وكلائهم أو شركائهم. إن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو التجاوب الرائع من قبل قيادتي لاقتراحي في مقالتي في جريدة الاقتصادية يوم السبت 9 صفر 1429هـ الموافق 18 فبراير 2008م تحت عنوان (لنتعلم من دبي) حول إصدار قانون حسابات ضمان التطوير العقاري في دبي، الذي ينظم العلاقة بين المطور العقاري، وملاك الوحدات الذين اشتروا وحداتهم والمشروع على الخريطة وتحت التنفيذ.. واشتراط هذا النظام فتح حساب خاص لكل مشروع يصرف على المشروع نفسه بمراقبة لجنة ثلاثية، ونحمد الله ونشكره أن حكومتنا استمعت للنصيحة، وأصدرت بسرعة نظاما مماثلا في المملكة، حسب اقتراحنا مما أنقذ هذا السوق من ورطة كبيرة كادت تحدث في سوقنا مثل ورطة دبي العقارية، حيث هجم كل المطورين العقاريين الخليجيين على السوق السعودي بعد توقف مشاريع دبي. ومنذ أن صدر ذلك النظام وانسحاب هؤلاء المطورين غير المرحب بهم ونحن بخير، حيث لم يتقدم لتطوير المشاريع السكنية والمكتبية في المملكة إلا المطورون الجادون وهم من طبّق الشروط المطلوبة وفتح الحساب، وكلها شركات سعودية إلاّ ما ندر، وها نحن نعيش في أمن وطمأنينة فشكراً لقيادتنا.. واليوم وأنا أطلب من جميع المسؤولين في إدارة المشاريع الحكومية أن يكونوا أمناء مع أنفسهم، وأن يعترفوا أمام مسؤوليهم أن هناك مشكلة وحلها صعب ولا بد من مواجهتها بإجراءات وبنظام مماثل لإنقاذ مشاريعنا المقبلة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشاريعنا التي هي تحت التنفيذ، التي تتعدى قيمتها 400 مليار ريال سعودي، أغلبها لدى شركات محدودة. هذا وإنني أقولها بصراحة وأتوقع من إخوتي أعضاء مجلس الشورى متابعة هذا الأمر والتحقق منه لعلي أكون مجتهداً- إن شاء الله- وأن الأمور قد لا تستحق أي ضوابط جديدة. وكذلك أتوجه لإخوتي في لجنة المقاولين في مجلس الغرف متابعة هذا الموضوع وحماية المقاولين والموردين السعوديين أعضاء هذه اللجان.. وعليها جمع المعلومات من المقاولين من الباطن والموردين بسرية تامة والرفع للمسؤولين دون ذكر أسماء الشاكين لأن كل المقاولين من الباطن والموردين، سواء كانوا سعوديين أو أجانب يخافون الشكوى خوفاً من عدم تعامل هذه الشركات معهم مستقبلاً. وأخيرا أتوجه لكل إخوتي رجال الأعمال السعوديين من مقاولين بالباطن أو موردين أو مصنعين بألا يخاطروا بأموالهم، وألا يتفقوا مع أي مقاول رئيس لمشروع حكومي سعودي إلاّ بشرط فتح اعتماد بنكي، فالمقاول الرئيسي ممول تمويلاً كاملاً من الدولة ولديه تسهيلات بنكية كبيرة، وعليه أن يفتح الاعتمادات للجميع.. وإلاّ فأنصحكم أن تبقى بضائعكم في مخازنكم أفضل لأن المشاريع كثيرة- ولله الحمد- ونحن نعيش سوقا واعدا، والمشاريع المقبلة أكثر مما عرض حتى الآن في كل القطاعات، وكثيرون منكم قد مر بالتجربة ويحسب خسائره الآن، وهو بانتظار حقوقه المهدرة، وأذكركم بأن الجهات الحكومية غير مسؤولة عن أي عقود من الباطن مع المقاول الرئيسي. وأخيراً من أجل توطين الوظائف لا بد من توطين الأعمال. والله الموفق .. رئيس مجموعة الزامل - عضو مجلس الشورى سابقا
إنشرها