جمعيات زواج الشرقية: نظرة اجتماعية متدنية وشح مادي لغياب التجار عن دعمها
رغم مرور 20 عاما على بدء نشاطها, ما زالت مؤسسات الزواج الجماعي في المنطقة الشرقية تعاني من نظرة المجتمع المتدنية، وكذا عزوف شبه جماعي من رجال الأعمال عن دعمها ما جعلها تعاني شحا ماليا.
''الاقتصادية'' بحثت مع عدد من مسؤولي هذه المؤسسات في المنطقة واقع ومستقبل هذه المؤسسات, التي يبدو أنها حسبما ما ذكروا تناضل في سبيل تعزيز دورها ونشر ثقافتها لتحقيق أهدافها ورسالتها بين أفراد المجتمع بعد أن ساهمت في تأسيس كيانات أسرية جديدة تعززها ثقافيا واجتماعيا بهدف محاربة ظاهرتي العنوسة والطلاق.
وكشف مسؤولو تلك المؤسسات عن تزايد عدد الراغبين في الزفاف الجماعي في محافظتي الأحساء والقطيف، الذي تنظمه هذه المؤسسات, تليهما الدمام, فيما لا تزال محافظة الخبر بحكم الشريحة التي تقطنها تتحفظ على الفكرة التي تعتبر وليدة في مجتمعها.
من جهته، يرى محمد العبد القادر الأمين العام لجمعية ''وئام'' لرعاية الأسرية بالمنطقة الشرقية، أن حفلات الزفاف الجماعي لها دور كبير بالتخفيف من تفاقم مشكلة العنوسة في المجتمع تبرز من خلال تحريك الجو الاجتماعي, فمثل هذه الحفلات الجماعية والتي تكون بالمئات, لا شك أنها تعزز روح المسؤولية والرغبة في الارتباط في الطرف الآخر بالزواج.
وأضاف, حينما نخفف تكاليف الزواج على الشباب نكون ساهمنا في خفض العنوسة، فجوهر حفل الزفاف الجماعي تخفيف التكاليف المادية على الشباب, مبينا دور البرامج التي تطلقها هذه المؤسسات بهدف التأهيل الأسري الذي تقدمه للمقبلين على الزواج.
وعن مدى تقبل المجتمع لهذه الفكرة وتفهم دورها, يقول العبد القادر''إن مثل هذه المناسبات بأهدافها النبيلة يجب أن تنجح كما نجحت في مناطق أخرى من المملكة لما لها من انعكاسات إيجابية على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي والتنموي, والمجتمع بدأ يتقبل دورها، وأعتقد أن تغطية 100 عريس خلال أسبوعين فقط من إعلان الجمعية الحفل مؤشر حقيقي للنجاح في تقبله لها, فالأعداد تتزايد.
وحول دور صناديق الإقراض في دعمها، يشدد العبد القادر على ضرورة ربط المساعدة الخاصة بالزواج بالحصول على برامج إثرائية في الحياة الزوجية حفاظا على هذا الاستثمار البشري ورأس المال الهام للمجتمع, وأهمية تحويل قروض الزواج لجمعيات الزواج لأنها الجهة ذات الاختصاص التي تعمل لخفض الطلاق وضمان بناء أسرة مستقرة نطالب بحصر مساعدات الزواج من جمعيات الزواج فقط.
كما دعا رجال الأعمال إلى ضرورة دعمهم المالي للمقبلين على الزواج بهدف دفع عجلة أعمال هذه المؤسسات وأنشطتها في مجال رفع سقف الزيجات الجماعية وتغطية مصاريفها وتكاليف المخصصة بتثقيفهم أسريا, للإسهام في تقليل الطلاق والعنوسة والخلافات الأسرية والعنف الزوجي, بجانب تعاون الأجهزة والقطاعات الحكومية والخاصة إلى التعاون من خلال عقد الشراكات الهادفة إلى دعم استقرار الأسرة وبنائها على أسس سليمة، فالعائد المادي مجد والعائد الاقتصادي قوي على المدى البعيد, ومن هنا جاء التوجه الحديث حول المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة وأصبحت الشركات تقيم على أساس رعايتها لموظفيها أولا في شمول وتكامل، ثم ما تقدمه للمجتمع من خدمات تصب في مصلحته.
وأكد على دور التمويل في تحقيق عدد من الإنجازات لجمعيتهم في أقل من عامين، حيث استطاعوا من خلال هذه المساعدات المالية, تأهيل 1400 شاب وفتاة للحياة الزوجية, ومساعدة 1300 شاب وفتاة ماديا بمبلغ خمسة ملايين و400 ألف ريال, إضافة إلى عقد برامج تثقيفية لمجتمع حول الأسرة والتربية وفن الحوار حضرها قرابة أربعة آلاف.
من جانبه، اعتبر أحمد الفريدان المدير التنفيذي لمراكز التنمية الأسرية بالمنطقة الشرقية, أن الموارد المالية للزواج الجماعي رغم أنه عقبة لإقامة هذه الفعالية, إلى أن من أهم العقبات التي تواجه هذه الفكرة إضافة إلى العادات والتقاليد للمجتمع خاصة القبلية منها والتي لها عادات فيما يتعلق بالزواج والحفل المعد بهذه المناسبة التي تمنع أن يشارك الشاب مجموعة من الشباب في تنفيذ ليلة الزواج بشكل جماعي لدرجة أن بعض من يتقدم للمشاركة في الزواج الجماعي لمساعدته ماليا في تخفيف نفقات الزواج على أن يقيم في اليوم التالي أو الأسبوع التالي زواجا خاصا بذلك لا يتحقق الهدف من الزواج الجماعي.
ويؤكد الفريدان أن فكرة الزواج الجماعي ليست حديثة لكنها ما زالت في بداية طريقها نحو القبول في المجتمع ، إلا أن العادات والتقاليد تقف أمام نجاح هذه الفكرة، لذا نجدها تنجح نسبيا في منطقة دون أخرى, وتمكين الشباب من تخطي عقبة النواحي المالية لإتمام زواجهم, معتبرا أن الزواج الجماعي خطوة إيجابية تسهم بشكل جزئي في تقليل نسبة العنوسة, لكنها تسهم في حل مشكلة مجموعة كبيرة من الذين يقف العامل المادي حائلا دون الزواج.
ويقول الفردان: ''شح المورد المالي كإشكالية مازالت تعانيها بسبب قلة الموارد وتوجه رجال الأعمال لدعم البرامج الإغاثية التي تمس الحاجات الأساسية من طعام وملبس ومسكن، ولذلك فإن أي جهة تنظم هذه الفعالية تعاني كثيرا حتى تقييم هذه المناسبة''.
ويضيف أنه رغم ذلك فالمساعدات التي تدعم دورنا تمكنا من خلالها تيسير الزواج للشباب المقبلين على الزواج حسب أوضاعهم المادية والوظيفية، وتم خلال العشر سنوات تقديم ما يزيد على 36 مليون ريال مساعدة مالية وعينية تم صرفها لأكثر من 11 ألف شاب وفتاة من المقبلين على الزواج, كما أن المركز يسعى من خلال قسم تنمية الموارد إلى دعوة التجار ورجال الأعمال والشركات والجهات الخاصة إلى دعم خدمات كي تسهم في تنمية المجتمع من الجانب الأسري.
ويرى الفردان أيضا أن دور هذه المؤسسات ليس فقط منحصرا في تسهيل زواج الشباب والفتيات ماديا, إنما الوصول إلى هذه الشريحة من المجتمع واستقطابها لتعزيز دور البرامج التثقيفية والوقائية بهدف الحد من ظاهرة الطلاق أيضا, منوها إلى دور مراكز التنمية الأسرية التابعة لجمعية البر بالمنطقة الشرقية, حيث تقدم خدمات أسرية مثل الاستشارات الأسرية, والعديد من الخدمات التي يتعرف عليها أفراد المجتمع من خلال برنامج مساعدات الشباب في الأعباء المادية, ليكتشفوا أن السيولة المالية وإن توفرت لابد من تقوية كيان الأسرة الجديدة من خلال هذه البرامج التوعوية, منوها إلى أنهم يسعون أيضا لإصلاح ذات البين وهي تهدف إلى حل الخصومات التي تقع بين أفراد الأسرة قبل الوصول للتفكك أو الطلاق.
ولفت أن هذه المؤسسات تعمل على تطوير عملها لتواكب المستجدات والتقنية التي باتت شغل الشباب، فقسم التدريب والتطوير بالتوفيق بين راغبين في تلقي الطلبات وإدخالها في برنامج حاسوبي مخصص للتوفيق بصورة مستمرة ومتكاملة, حيث تم تسجيل 1798 استمارة توفيق للرجال وللنساء, وتم التوفيق في أكثر 272 حالة زواج.
ويؤكد هاشم الشرفا رئيس جمعية الصفا الخيرية والرئيس السابق لمهرجان الصفا للأعراس والمدير التنفيذي لصندوق الزواج الخيري في القطيف, على دور الزواج الجماعي في محاربة غلاء المتطلبات الزوجية في مرحلتها الأولى.
ويقول ''لكي نكون أكثر شفافية بالنسبة لموضوع الزواج الجماعي الذي يقام في المملكة فكل ما يقوم به هذا المشروع إقامة حفل ضخم تكون فيه الدعوة لجميع أهل المدينة, بمقابل مبلغ رمزي, ومن هنا تأتي فائدة الزواج الجماعي في تخفيض تكلفة حفل الزواج الذي من المفترض أن يدفعه المتزوج في حال تزوج بمفرده.
ويذكر الشرفا, أنه بعد تجربة دامت 20 عاماً منذ انطلاق هذه المؤسسات في عدة مناطق في المملكة تباين نجاحها من منطقة إلى أخرى اعتمادا على المستوى المعيشي الاقتصادي لأفراد تلك المنطقة, ويضيف ''أن معظم المناطق قبلت المشروع كنشاط اجتماعي ترفيهي ولكن كمشروع للزواج لم يلق دعماً للزواج فيه في المناطق التي تحظى بمستوى معيشي جيد؛ ففي منطقة الأحساء على سبيل المثال حيث المستوى الاقتصادي أقل ما زالت الزواجات الجماعية فيها بالمئات ولكن على العكس في منطقة القطيف والدمام فهي قليلة جدا''.
وأفصح الشرفا عن عدد من التحديات التي قد تعوق مسيرة هذه المؤسسات متمثلة في عدم فهم المجتمع بضرورة وجود هذا المشروع من الناحية الاقتصادية, إضافة إلى أن المجتمع يشعر بأن هناك بعض الخصوصيات يفقدها المتزوج في الزواج الجماعي، بينما تتجلى هذه الخصوصيات جلية في الزواج الفردي مما يسهم في عزوف الشباب عن الانضمام للزواج الجماعي.
ويرى الشرفا أن المشكلة الأساسية التي تواجه هذه المؤسسات, تكمن في ثقافة عدد من شرائح المجتمع حول هذه الجمعيات، فالنظرة العامة عنها أنها للفقراء فقط, وهذا تفكير غير صحيح، وإنما الهدف الأساسي يكمن في القضاء على ظاهرة الإسراف في حفلات الزفاف الفردية, مشددا على ضرورة العمل بتغيير هذه الثقافة التي تدل على قصور في فهم الدين الذي يحذر من الإسراف, من خلال تعزيز هذه المفاهيم الدينية.