روسيا وإندونيسيا بين «أوبك» والوكالة الدولية للطاقة

جذب انتباهي خبر منشور في جريدة ''الاقتصادية'' يوم الإثنين 18/7/1432هـ الموافق 20/6/2011، ومفاده أن الوكالة الدولية للطاقة دعت روسيا ودولاً أخرى منتجة للنفط للانضمام إلى الوكالة. وقال مديرها العام تويو تاناكا في حديث لصحيفة ''أوبزرفر'' البريطانية الصادرة يوم الأحد 19/6/2011، إن منتجي ومستهلكي الطاقة لديهم جميعاً مصلحة مشتركة، مضيفاً: لا يمكن النظر إلى النفط بطريقة منعزلة عن أمن الغاز وفعالية الطاقة والطاقة المتجددة. وأكد علينا جميعاً التصدي لمشكلات أمن الطاقة والتغير المناخي بصورة جماعية، ونعتقد أن بإمكان روسيا ودول أخرى من المنتجين الأساسيين الاستفادة كثيراً من تجربة الوكالة الدولية للطاقة. وسلم تاناكا الدعوة إلى روسيا عبر نائب رئيس الوزراء الروسي أيفور سيتشين، معتبراً أن هذا الأخير قد يتوجه إلى الاجتماع الوزاري المقبل للوكالة الدولية للطاقة في تشرين الأول (أكتوبر). ويأمل تاناكا أن تصبح روسيا عضواً كاملاً. مؤكداً أن دولاً مثل إندونيسيا والمكسيك تسعى أيضاً إلى دخول الوكالة التي يوجد مقرها في باريس. وجدير بالذكر أن أعضاء الوكالة الدولية للطاقة هم جميعاً أعضاء أيضاً في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
وعندما سألته ''الأوبزرفر'' حول موعد انضمام موسكو، أجاب تاناكا: لا أعلم متى سيتم ذلك، فقد يتم في يوم وقد يتطلب سنوات لكن بإمكان روسيا أن تستفيد أكثر من تجربتنا.
وهنا لنا وقفة للتعليق على هذا الخبر فنقول ما يلي:
أولا: تعتبر روسيا ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم بعد السعودية، لكنها تعد في الوقت الحاضر أكبر دولة منتجة للنفط الخام، حيث تعدى إنتاجها منذ أيلول (سبتمبر) 2009 عشرة ملايين برميل يومياً، متجاوزة بذلك السعودية التي أدى تقيدها بحصتها الإنتاجية المقررة من قبل منظمة الأقطار المصدرة للبترول ''أوبك'' إلى تراجعها إلى المركز الثاني، حيث بلغ الإنتاج السعودي من النفط الخام في آذار (مارس) 2011 نحو 8.96 مليون برميل يومياً، بيد أن السعودية تملك طاقة إنتاجية فائضة تقدر بنحو 3.5 مليون برميل في اليوم، يمكن استخدامها في حالة حدوث أي نقص في الإمدادات العالمية، أي أن السعودية تستطيع أن ترفع إنتاجها النفطي إلى الحد الأقصى من طاقتها الإنتاجية التي تبلغ 12.5 مليون برميل يومياً إذا احتاجت السوق الدولية للنفط إلى مزيد من الإمدادات.
يضاف إلى ذلك أن حجم الاحتياطي النفطي السعودي يقدر بنحو 265 مليار برميل، بينما يقدر الاحتياطي النفطي الروسي بنحو 80 مليار برميل. ومن ناحية أخرى، تملك روسيا أكبر احتياطي للغاز الطبيعي وتعد أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي في العالم.
ثانياً: ليس من مصلحة روسيا الانضمام إلى عضوية الوكالة الدولية للطاقة التي أنشئت كمنظمة دولية للدفاع عن مصالح الدول الصناعية الرئيسة المستوردة للنفط، فروسيا كدولة منتجة ومصدرة للنفط تتماثل مصالحها في المجال النفطي مع مصالح دول منظمة ''أوبك''.
فالدول المستوردة للنفط الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة تهتم أساسا بأمن تدفق إمدادات النفط، بينما تهتم دول منظمة أوبك بأمن الطلب على النفط حتى تستطيع الإنفاق على الاستثمارات القائمة والجديدة وضمان استمرار الإمدادات، كما أن الدول المستوردة للنفط ترغب في أن تكون أسعار النفط أقل من تلك التي تعتبرها دول ''أوبك'' والدول الأخرى المنتجة للنفط أسعارا معقولة وعادلة.
ثالثاً: إن حقيقة تماثل المصالح النفطية لروسيا مع مصالح دول منظمة أوبك في مجال أمن الطلب على النفط وتسعيره تسعيراً عادلاً أدت إلى إقامة علاقة بين الطرفين بهدف التشاور والتنسيق. وفي الواقع إن العلاقة بين روسيا و''أوبك'' تعود إلى منتصف الثمانينيات من القرن الـ 20 الميلادي وبدأت في إطار سعي منظمة أوبك إلى التعاون مع المنتجين خارجها لوقف تدهور سعر النفط الذي شهدته تلك الحقبة، ومنذ ذلك الوقت دأبت روسيا على حضور اجتماعات ''أوبك'' بصفة مراقب، ولم يكن تعاون روسيا مع المنظمة في مجال خفض الإنتاج لوقف تدهور أسعار النفط مشجعاً، إلا أنه نتيجة لتبادل الزيارات بين مسؤولي المنظمة والمسؤولين المختصين الروس، فقد تطورت العلاقة بين الطرفين وبدأ المسؤولون الروس يتحدثون عن ضرورة تنسيق الجهود بين الطرفين لتحقيق استقرار السوق النفطية الدولية في بيئة ملائمة.
رابعاً: أجازت المادة السابعة من دستور ''أوبك'' لأي دولة تصدر النفط الخام بكميات وفيرة ولها مصالح تتماثل أساساً مع الدول الأعضاء في المنظمة أن تصبح عضواً كامل العضوية في المنظمة إذا ما وافقت على طلب الانضمام أغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء كاملي العضوية بما في ذلك جميع الأعضاء المؤسسين. ورغم أنه تتوافر لدى روسيا شروط الانضمام إلى عضوية منظمة أوبك إلا أنها لم تقدم طلب الانضمام، ولعل ذلك يرجع إلى أن انضمامها إلى عضوية منظمة أوبك سيجعلها تدخل ضمن نظام المنظمة الخاص بالحصص الإنتاجية وهي لا ترغب في وضع قيد على حريتها في رفع إنتاجها أو خفضه. ولذلك يبدو من غير المنطقي أن تقبل روسيا الدعوة إلى الانضمام إلى عضوية الوكالة الدولية للطاقة والتزامها بالتالي بأهداف الوكالة المناقضة لمصالحها كدولة كبرى مصدرة للنفط، ومنها تخفيف الاعتماد على النفط وتطوير مصادر الطاقة البديلة وإنشاء مخزون استراتيجي لمواجهة حالات اضطراب الإمدادات أو انقطاعها، وبرمجة اقتسام النفط بين الدول الأعضاء في الحالات الطارئة وغير ذلك من الأهداف، أي أن الأعباء والالتزامات المترتبة على عضوية الوكالة أكبر من الأعباء والالتزامات المترتبة على عضوية منظمة ''أوبك''.
ولعل مما يؤكد تنافر مصالح روسيا في مجال النفط والغاز مع أهداف الوكالة الدولية للطاقة أن روسيا بوصفها أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي في العالم، كانت القوة الدافعة الرئيسة لإنشاء منتدى الدول المصدرة للغاز الذي في إطاره يتم التشاور بين الدول الأعضاء وتسعى روسيا إلى تطويره ليكون منظمة دولية على غرار منظمة أوبك تهدف إلى التعاون بين الدول الأعضاء والدفاع الجماعي عن مصالحهم المشتركة حيال مستوردي الغاز، وقد انتقدت الوكالة الدولية للطاقة نشوء تكتل مصدري الغاز واعتبرته ضاراً بأمن الطاقة العالمي.
يضاف إلى ذلك أن الانضمام إلى عضوية الوكالة سيضع قيداً على قدرة روسيا على استخدام النفط والغاز كسلاح في علاقاتها الدولية، إذ سبق أن استخدمت روسيا هذا السلاح، وأسوق على ذلك مثالاً قطع روسيا إمدادات الغاز عن أوكرانيا في آخر عام 2005 وبداية عام 2006 بعد خلاف نشب بينهما حول سعر الغاز، وأدى ذلك إلى انخفاض تدفقه إلى أوروبا عبر الأنابيب المارة في الأراضي الأوكرانية وأدت الضغوط الأوروبية إلى إنهاء الأزمة بإبرام اتفاق يحفظ ماء الوجه لكلا الطرفين. فإذا انضمت روسيا إلى الوكالة فإن التزاماتها بموجب اتفاقية إنشاء الوكالة ومواثيقها الأخرى ستمنعها من استخدام النفط والغاز كسلاح في العلاقات الدولية، وهذا القيد يتعارض مع استراتيجية روسيا بأن تستعيد من خلال الطاقة مكانتها الدولية كقوة عظمى ينبغي أن يحسب حسابها في الشؤون الدولية.
أما بخصوص احتمال انضمام إندونيسيا إلى الوكالة الدولية للطاقة، فلا بد من الإشارة إلى أن إندونيسيا انضمت إلى عضوية منظمة أوبك عام 1962، ولم يكن إنتاجها المتواضع يسمح لها أن تؤدي دوراً كبيراًً في السوق الدولية للنفط، وقررت منظمة أوبك في مؤتمرها الذي انعقد في الفترة من 9 إلى 10 أيلول (سبتمبر) 2008 تعليق عضوية إندونيسيا بناء على طلبها لأنها لم تعد دولة مصدرة للنفط بعد أن انخفض إنتاجها انخفاضاً كبيراً وتحولت إلى دولة مستوردة للنفط الخام. ورغم أن دستور ''أوبك'' لم يتضمن أحكاماً خاصة بتعليق العضوية، وإنما عالج فقط الانسحاب من عضوية المنظمة، إلا أن مؤتمر المنظمة قرر تعليق عضوية إندونيسيا أي تجميدها حتى تتمكن في المستقبل من تفعيلها إذا استطاعت زيادة حجم إنتاجها النفطي وتحولت إلى دولة مصدرة للنفط. وتعليق العضوية لا يعني من الناحية القانونية زوال العضوية، وبالتالي فإن الدولة التي يتم تعليق عضويتها تظل ملتزمة خلال فترة التعليق أو التجميد بالمبادئ والأهداف التي أنشئت من أجلها المنظمة الدولية، ولذلك فإن منظمة أوبك لا بد أن تتخذ قراراً بإنهاء عضوية إندونيسيا إذا انضمت إلى عضوية الوكالة الدولية للطاقة لأنه لا يمكن الجمع بين العضوية في المنظمة والعضوية في الوكالة لاختلاف أهدافهما ومصالحهما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي