أزمة الشعير .. أنموذج لغياب العلاقة السوية بين التاجر والمستهلك
في حلقة من برنامج الساعة الثانية الذي يقدمه الإعلامي داود الشريان عبر إذاعة MBC FM كان الحديث عن التلاعب بأسعار الشعير من قبل بعض التجار والعمالة التي تدير هذه التجارة، وشد انتباهي أحد المتصلين الذي اشتكى من التلاعب الذي يشهده سوق الشعير، وقال نريد أن تكون الدولة هي التي تبيع علينا، حتى لو باعت علينا الكيس بـ 100 ريال.
هذه الجملة التي نطق بها المواطن بعفوية بالغة، وأثناء انفعاله، تبين مدى العلاقة بين الدولة والمواطنين، وهي علاقة جعلت من الدولة السند والمعين ومصدر الأمن والاستقرار، وجعلت كل مواطن على يقين بأن الدولة لن تظلمه، بل ستسعى إلى رفع الظلم عنه.
العلاقة بين الدولة والمواطن، أمر مهم جداً، وتعزيز هذه العلاقة لا يحتاج إلى إعلام يطنطن، ولا إلى تصريحات تكرر في كل مناسبة، بل تُبنى عبر سنوات من التعامل الذي يحفظ للمواطن حقه وكرامته، ويحفظ للدولة هيبتها.
في إحدى القنوات الفضائية، كان أحد المحللين يتحدث عن معاناة مواطني دولة عربية، تشهد حالياً اضطرابات ومواجهات بين مواطنيها وقوى الأمن المتعددة فيها، وقال إن المواطنين الذين يواجهون رصاص رجال الأمن بصدور عارية، يعيشون أوضاعاً تتساوى فيها الحياة مع الموت، وأشار إلى أن بعض أصدقائه من مواطني تلك الدولة المقيمين في الخارج، حين يذهبون لزيارة أهلهم يوصونه بمتابعة قضيتهم إذا لم يعودوا، لأنهم قد يتعرضون للاعتقال بسبب تقرير لأحد أجهزة الأمن، وقال إن مواطني تلك الدولة يعيشون في أوضاع غير إنسانية، فمن يريد أن يفتح بقالة عليه إحضار موافقة من أجهزة الأمن، ومن يريد الزواج عليه إحضار موافقة من أحد تلك الأجهزة، وكل أمر من أمور الحياة العامة خاضع لمراقبة أجهزة الأمن.
إذاً العلاقة التي تربط المواطن بالدولة، إذا ما كانت سوية، وقائمة على التكافل والتعاضد، فهي صمام أمان لحماية المجتمع، وهي من أسباب تحقيق السلم الاجتماعي.
تبقى العلاقة بين المواطن والتاجر، وهي علاقة مع الأسف مضطربة بسبب جشع بعض التجار، وجشع العمالة التي تدير بعض القطاعات التجارية، وعبّر عن هذه العلاقة المواطن الذي طالب بأن تكون الدولة هي من يبيع عليه الشعير، حتى ولو وصل سعر الكيس إلى 100 ريال.
وأزمة الشعير أنموذج لغياب العلاقة السوية بين التاجر والمستهلك، وتدخل وزارة المالية لوضع حد لاستغلال هذه الأزمة المفتعلة، أمرٌ يجب أن يكون حافزاً لترميم هذه العلاقة بين المواطن والتاجر، وهذا لا يمكن أن يتم عبر مقالات يكتبها البعض، لإقناع المواطنين بأن ربح التاجر لا يتجاوز 1 في المائة، بل عبر منظومة عمل متكاملة، تحارب كل مستغل، وتكشف كل متلاعب، وتطارد كل دخيل يبحث عن الثراء الفاحش السريع، عبر استغلال كل حدث أو مناسبة، وأن يتكاتف رجال الأعمال، وغالبيتهم يحملون من الوطنية ما لا يحتاج إلى تدليل، لمعالجة تلك الطفيليات التي دخلت هذا القطاع، سواء عبر التستر، أو عبر الاستثمار.