مع مرور 47 عاما على تهجيرهم .. النوبيون يراودهم حلم العودة لبلاد الذهب
يحتفل النوبيون في مصر هذه الأيام بذكرى مرور 47 عاما على انتهاء عملية تهجيرهم من بلاد النوبة القديمة، التي بدأت في تشرين الأول (أكتوبر) 1963 وانتهت في حزيران(يونيو) 1964.
وبرغم مرور هذه السنوات الطويلة على التهجير إلا أن قلوب النوبيين مازالت متعلقة ببلادهم القديمة التي تركوها في واحدة من أروع قصص التضحية والوفاء تجاه الوطن.
ويطالب النوبيون بحق العودة إلى بلاد النوبة القديمة التي كانت تشتهر باسم بلاد ''الذهب '' ويعتبرون أن هذه العودة هي أبسط حقوقهم بعدما ضحوا بالغالي والنفيس لمصر من أجل بناء السد العالي في فترة الستينيات من القرن الماضي.
يقول الدكتور أحمد سوكارنو عميد كلية الآداب في أسوان وأحد أبناء النوبة إن معاناة أهل النوبة بدأت بعد إنشاء خزان أسوان في عام 1902 ففي كل مرة كان يتم فيها تعلية الخزان كان أهالي بعض القرى يضطرون إلى الهجرة للشمال وأقاموا مجتمعات عمرانية في مدن قنا والأقصر وإسنا ودراو. وأضاف أن بناء السد العالي في فترة الستينيات من القرن الماضي واكبه سيل من تصريحات المسؤولين بأن مصر سوف تشهد نقلة كبرى نحو الرخاء والتنمية لذا وافق أهل النوبة علي مشروع التهجير إلى المنطقة الواقعة بالقرب من كوم أمبو وبدأ هذا المشروع في تشرين الأول (أكتوبر) 1963 حتى حزيران(يونيو) 1964.
وأضاف أن الحكومة بما تملكه من إمكانات هائلة تعهدت بتوفير حياة كريمة لنحو 17 ألف أسرة نوبية، كما تعهدت بإنشاء تسعة آلاف منزل للنوبيين المغتربين الذين لم يحصلوا على مساكن أثناء فترة التهجير ولكن الحكومة لم تقدم سوى خمسة آلاف منزل فقط رغم مرور أكثر من أربعة عقود متتالية حتى الآن .
وأشار إلى أن عددا كبيرا من المساكن التي أقام فيها النوبيون بعد التهجير في مركز نصر النوبة شمال مدينة أسوان لم تتحمل عوامل التربة ما عرضها للتصدع والتشقق، كما أن المبالغ المخصصة لعمليات الترميم والإحلال لم تكن تكفي سوى لإصلاح 2000 منزل فقط من إجمالي 4600 مسكن.
وأكد سوكارنو أن التعويضات التي قدرتها الحكومة المصرية للنوبيين خلال فترة التهجير كانت هزيلة للغاية حيث قدرت تعويضات المساكن بمبلغ مليون و886 ألف جنيه لعدد 35 ألفا و966 منزلا، أي أن تعويض المنزل الواحد بلغ نحو 5ر52 جنيه. أما بالنسبة للأراضي الزراعية التي كانت مساحتها تبلغ 15 ألفا و757 فدانا فقد قدرت التعويضات عن الفدان بواقع 135 جنيها، أما السواقي والآبار التي كان يبلغ عددها 10064 فقدرت بمبلغ 21 جنيها للساقية الواحدة.
وأشار إلى أن كل من كان يجهر بمطالب النوبة قبل ثورة 25 يناير الأخيرة كان يتم اتهامه بأنه يسعى إلى إقامة دولة نوبية على غير الحقيقة وكان توجيه هذا الاتهام السخيف يهدف لإسكات الأصوات المطالبة بحقوق النوبيين المشروعة.
وأكد سوكارنو أن مطالب النوبيين تتمثل في ضرورة الاتفاق على وجود جهة واحدة لتكون حركة وصل بين الحكومة والشعب، والاتفاق على تعويض النوبيين عن أراضيهم في مواقع في البيئة نفسها، التي اعتادوها على ضفاف بحيرة ناصر، وسرعة الانتهاء من بناء مساكن النوبيين المغتربين وإحلال وتجديد المساكن المتصدعة، إضافة إلى إعادة دائرة نصر النوبة الانتخابية كما كانت قبل ثورة تموز( يوليو) عام 1952، وعدم تجاهل مطالب النوبيين المهجرين أثناء بناء خزان أسوان.
وقال الباحث النوبي سيد الحسن محمد خير إن النوبة القديمة كانت تنقسم إلى ثلاث مناطق جغرافية هي المنطقة الشمالية التي يسكنها النوبيون الكنوز وتشمل 17 قرية ويتحدثون اللغة الماتوكية، والمنطقة الوسطى ويسكنها العرب وتضم ست قرى ويتحدثون اللغة العربية إلى جانب تعلمهم النوبية والمنطقة الجنوبية ويسكنها النوبيون الفاديجا وتضم 19 قرية.
وأوضح أن بلاد النوبة كانت تمتد بطول 350 كم وكان الأهالي يشعرون بالراحة النفسية ويعيشون في جو صحي لدرجة أنه لم يكن في النوبة سوى مستشفى قروي واحد في عنيبة، إضافة إلى نحو ثلاث عوامات كانت تنتقل بين قرى النوبة ولم تكن هناك حالات مرضية مستعصية وكان النوبيون يعتمدون في علاجهم على الأعشاب الطبية، التي تنبت بكثافة في البلاد القديمة.
وأشار إلى أنه كانت توجد مشاريع زراعية ومحطات لرفع المياه في بعض قرى النوبة القديمة، خاصة في قرى بلانة وعنيبة وأرمنا والدكا وكانت تنتج محاصيل زراعية عالية الجودة لأنها كانت قائمة على طرح النيل ذي الأرض الخصبة، أما باقي القرى التي لا توجد فيها مساحات زراعية فكانت تعتمد على أبنائها، الذين يعملون في القاهرة والوجه البحري حيث كانوا يرسلون لهم مصروفات شهرية، علاوة على أن التكافل الاجتماعي في قرى النوبة كان في أروع صوره وكان الجميع يتعاونون مع بعضهم بعضا لدرجة أن الفقير لا يشعر بحاجته للمال.
واستطرد قائلا: إن عملية التهجير بدأت بتشكيل لجنة دائمة للتهجير من بعض القيادات النوبية في عام 1960 وجاءت هذه اللجنة إلى مركز كوم أمبو للتعرف على هذه المنطقة الجديدة التي سيتم تهجير النوبيين إليها ثم بدأ بعد ذلك بناء المساكن فيها.