الماء زلزالنا!

■ أي تطور في أداء القطاع العام تجاه رفع كفاءة التعامل مع المياه يجب أن نحتفي به ونقدره، فنحن في وضع لا نحسد عليه في أوضاع المياه.. فنحن نمارس (العبث) مع هذا المصدر الحيوي، والتبذير في استخدام هذا المورد لا يوازيه إلا العبث بالمصدر الحيوي الآخر (النفط)، أهم عنصرين لحياتنا ودخلنا، انظروا ماذا نفعل بهما!!
آخر التطورات الإيجابية اتجاه شركة المياه الوطنية إلى استثمار المياه عبر إعادة بيعها، والشركة تتوقع في العامين القادمين بيع مليون متر مكعب يوميا من المياه المعالجة، وهذا سوف يحقق أربعة مليارات ريال، وطموح الشركة في الـ20 عاما القادمة هو الوصول إلى معالجة أربعة ملايين متر مكعب يوميا.
هذا إنجاز يستحق أن نحتفي به ويشكل بداية جادة لتطوير اقتصاديات صناعة المياه في المملكة، ونتمنى أن يعزز بمشروع وطني لترشيد استخدام المياه والتقليل من النفقات الحكومية الكبرى التي تذهب إلى هذا القطاع الذي يفتقد السياسات الوطنية الصارمة التي تعالج مشاكله الرئيسية.
من أبرز هذه المشاكل مشكلة التسربات في الشبكات التي تصل الآن إلى 20 في المائة، والشركة تعمل على خفضها لتصل في المعدل إلى 5 في المائة. كذلك هناك مشكلة مواصفات مواد البناء التي لم يهتم أحد بتطبيقها وقد بنينا مئات الوحدات السكنية ونخطط لبناء مليون وحدة سكنية في السنوات الخمس القادمة!! كذلك لم نفعل ضوابط استخدام المياه في الأماكن العامة، وما هو بارز في هذا الإطار جهود الشركة في الفترة الأخيرة حيث تبنت حملة مهمة للتوعية بأهمية ترشيد المياه في (المساجد) وأثمرت عن خطوات عملية أدت إلى مبادرة القائمين على المساجد بوضع مرشِّدات استخدام المياه (لدينا أكثر من 80 ألف مسجد).
نحن كمجتمع أمامنا الكثير لإنجازه في موضوع المياه، وجهود شركة المياه محدودة ولن تحقق ما هو مطلوب لرفع كفاءة إدارة قطاع المياه، فالجهد يجب أن يكون جماعيا، وهذا لن يتحقق إلا بتطبيق الآليات والأنظمة الفعالة التي تضمن الاستخدام الأمثل للمياه، وأيضا (عدالة) توزيع المياه بحصص متساوية لجميع المواطنين.
وتحقيق عدالة التوزيع لن نصل إليه إذا بقي التعامل يتم بطرقنا الحالية بالذات في التسعيرة المقررة وبأساليب الوعظ والإرشاد! موضوع المياه يرتبط بمقومات وجودنا ويؤثر بقوة في الأمن الوطني، والتجمعات السكانية الكبرى في وسط الصحراء لا يمكن أن تظل بأمان وهي في بيئة لا تتوافر فيها المصادر الأساسية للمياه رغم أن عدد السكان ينمو فيها وعادات استهلاك المياه السلبية تتكرس بالذات لدى الأجيال الجديدة التي ستواجه المستقبل.
في دراسات سابقة لوزارة المياه كشفت أن السعوديين رغم أنهم يأتون في أعلى الدول استهلاكا للمياه إلا أنهم ليس لديهم تصور عن خطورة المشكلة، فقد ذكر 82 في المائة ممن تم سؤالهم أنهم لا يطبقون أي إجراء لترشيد المياه وتوفيرها، 99 في المائة طبعا لا يعرفون تكلفة إنتاج ونقل المتر المكعب من المياه، و93 في المائة لا يعرفون سعر الماء بالمتر المكعب!
إن أوضاع المياه في المملكة غير مريحة ومقلقة، ويبدو أننا في غياب تام عن خطورتها في المستقبل، فنحن الآن لدينا الملاءة المالية التي تجعلنا نتحمل تكاليف المياه الرهيبة.. ولكن ماذا عن المستقبل.
أتمنى أن تتبنى وزارة المياه الدعوة إلى (أسبوع المياه) يخصص كل عام، ويكون حدثا وطنيا تقطع فيه المياه عن البيوت، وعبر هذا الأسبوع يتم تدريب الناس على كيفية الاستعداد لانقطاع المياه، وكيف يتم تدبير الاحتياطات، ويكون مجالا للحديث عن القضايا الحيوية للمياه.
يجب أن ندرب الناس لكي تتعامل بالأسلوب الحضاري مع المياه.. في الرخاء والشدة، يجب أن ندربها على ألا تشعر بالأمان من أوضاع المياه.. كما هو الحال في اليابان، يدربون الناس على التعامل مع الزلازل بشكل مستمر، يجب أن يكون وضع الماء لدينا مثل وضع الزلازل في اليابان!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي