الأراضي البيضاء.. عذاب التنمية!

■ في حينا أرض بيضاء كبيرة جميلة..
تعلن عن حضورها الجميل كل يوم بما تبثه في الطرق الأربعة التي تلتف عليها من غبار وتراب.. وتقوم بدور (وطني) يخدم حيّنا المسكون بالناس حينما تفتح ذراعيها لاستقبال نفايات البناء، وتخدم مخلوقات الله الضعيفة عندما تكون مرتعا لها لكي تتكاثر وتتوالد.. وهذه تضاف إلى الخدمة الكبرى لمن يملك الأرض (الله يزيده)، فالأسعار تتضاعف بقدر ما ينساها ويُعرض عنها، فلا خدمات تشغيل ولا ضرائب.. إنها (نعمة) الاستثمار في العقار التي لا توجد إلا لدينا!
الأراضي البيضاء لم تعد عبئا على تشغيل وصيانة المدن، بل هي عبء على التنمية وعائق لها، ولا يوجد مسؤول في قطاع خدمي إلا ويشتكي من عائق الأرض، فالمشاريع متأخرة بسبب غياب الأرض، وحتى وقت قريب كان الحديث حول هذه الإشكالية مملا ولا يحمل جديدا!
الجديد في الموضوع جاء أمس في مطالبة مجلس الشورى للحكومة بضرورة فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن. هذه المطالبة التي نتمنى أن نجد من يسمع لها هي خطوة مهمة في سبيل إصلاح الخلل الكبير في إدارة التنمية، ونحن نتفاءل بهذه المطالبة لأنها جاءت من مجلس الشورى.. والمجلس في توصياته وقراراته يعكس إجماعا وطنيا نتفق جميعا على غاياته ومقاصده، حتى لو كان يتعارض مع مصالح فئة في المجتمع، المهم هو رأي ومصالح الأغلبية.
وبما أن مجلس الشورى أوجده ولي الأمر ليكون مصدرا للتشريع وملتقى الإجماع الوطني، المجلس في السنوات الماضية أنجز العديد من الأنظمة التي خدمت المصلحة العليا، وتبنى وأطلق مشاريع ومبادرات على المستوى الوطني، وولي الأمر كان الداعم الأول لكل ما يصدر عن المجلس، لذا نحن نتفاءل بأن يتم اتخاذ خطوات حاسمة تجاه الأراضي البيضاء، بعد أن تأكد إضرارها بالتنمية وتحولها إلى مصدر عائق للمشاريع الحيوية للناس.
إذا تعطل بناء المستشفيات والمدارس والمساكن والمشروعات التي تخدم الناس بسبب عدم توافر الأراضي، وإذا الناس تسمع عن هذا العائق وهي ترى الأراضي البيضاء تشكل أكثر من ثلث مساحات المدن، فإننا هنا إزاء مشكلة خطيرة قد تهدد الاستقرار والإجماع الوطني.. أي المشكلة كما نقول (وصلت العظم)، وهنا يجب أن يتدخل الحكماء وأهل البصر والبصيرة ليدفعوا بالحلول التي يجب أن نضحي لها جميعا.. ونحمد الله أننا في وطن يستحق التضحية، وما هو مطلوب بسيط جدا وقد لا يرقى إلى التضحية.. فالأراضي ترتفع أسعارها بمعدلات تفوق ما قد يفرض من رسوم عليها.. ولا أعتقد أن الدولة مبدأها الإضرار بمصالح الناس، ولكن المطلوب هو تحقيق المصالح العليا بأقل التكاليف.. وهنا تأتي براعة وكفاءة أجهزة التشريع والتنفيذ في الدولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي