مجلس التعاون .. ترتيب الجبهة الخارجية
يهمنا كثيرا ترتيب الأوضاع في مجلس التعاون في الحقبة القادمة على مختلف الأصعدة .. وبالأمس تناولنا البيئة الإعلامية وأهمية مراجعتها، بالذات فيما يمس الجوانب الحساسة للأمن الوطني، وكذلك ما يهم تنمية الموارد البشرية وتعزيز الفرص الاستثمارية في هذا القطاع المخطوف .. وهذا مهم لأجل ترتيب أوضاع البيت الخليجي من الداخل حتى ينسجم الأداء الخارجي.
بعد الدعوة لانضمام الأردن والمغرب عاد الحديث للأهمية السياسية والاقتصادية لمجلس التعاون، وإذا نحن ننظر إلى هذه الدعوة على أنها نقلة سياسية جديدة في أداء المجلس تعكس إدراك قيادات المجلس أهمية الأوضاع الدولية والعربية القادمة .. فإن هذا التوجه يفترض أن يدعم بالعمل على إيجاد انسجام قوي داخل دول المجلس حتى ينعكس على السياسة الخارجية .. وهذه بداية ضرورية لكي يكون المجلس تجمعا للتعاون والسلام في المنطقة وقادرا على (إنتاج الحلول) وقيادة المبادرات.. وليس مجرد مؤسسة تتعامل مع ردود الأفعال! هناك مقترحات لتحقيق هذا التوجه منها، أولا، ضرورة العمل على تجاوز مرحلة الأزمة النفسية الناتجة عن جدلية الأخ الأكبر والأخ الأصغر، وهذه مسؤولية جميع الأطراف، فالنضج السياسي يفترض أن يكون قد دخل مرحلة جديدة مع الصدمات والتحديات التي تتعرض لها وتواجهها المنطقة.
كذلك يجب أن يعزز عمل المجلس بمراكز متقدمة للدراسات والأبحاث تساعد على توجيه السياسة الخارجية، بالذات المراكز المتخصصة، فمثلا لا أعرف أن هناك مركزا متخصصا في الشأن الإيراني رغم حساسيته للمنطقة.
يجب كذلك إعادة تعريف الأبعاد الجيوسياسية والجيوثقافية والجيواقتصادية للمنطقة لتعزيز وتوسيع نفوذ دول المجلس وربط مصالحه بالتكتلات الإقليمية والعالمية.
كذلك يجب العمل على إنشاء منظومة إعلامية متكاملة، إذاعة، تلفزيون، صحافة، تكون مخصصة لدعم المصالح العليا للمجلس، وتركز على الجوانب الثقافية والرياضية والاجتماعية وتركز على البعد الإخباري الذي يبرز الحراك على مختلف الأصعدة، وتدار هذه المنظومة بذهنية تخدم المصالح العليا، ويكون تمويل التأسيس من الحكومات، ويدار المشروع على أسس تجارية وتدور الأرباح في المشروع.
هذه التطلعات تتطلب وجود (أمانة عامة) تقود التغيير وليس مجرد أمانة لإصدار البيانات وتمرير المعاملات، وربما الخطوة الأولى لتفعيل دور الأمانة الحالية نجدها في أهمية إنشاء فريق للعمل الوطني الخليجي في كل دولة، على أن تضع الأمانة العامة آليات العمل وشروط انتقاء أعضاء الفريق ويكون أعضاء الفريق متفرغا ويعمل في مقر دائم في كل دولة، وتقوم الأمانة العامة بعقد دورات وورش عمل مكثفة لهذا الفريق على حدة، ثم للفرق جميعا.
مما نعرفه أن هناك عدم تواصل فاعل بين الموظفين المتخصصين في متابعة أعمال المجلس في الوزارات المختلفة في دول المجلس، وتتفاوت مستويات التأهيل والقدرات الإدارية والقيادية بين العاملين، وهذا له أثره على انسجام العمل.
إن إعادة تأهيل الفرق العاملة مهمة لأنهم هم الذين يتصدون للأعمال التنفيذية الضرورية وحتى لا تتأثر المسيرة بالتصورات الذهنية لدى هؤلاء، وليس غريبا أن تسمع من بعض هؤلاء في مختلف دول المجلس تصورات سلبية عن المجلس ويعبرون أحيانا عن آراء متشائمة في مستقبل التعاون، وهذا له أثره على السلوك، فقد يعرقل المبادرات ويحد من الإبداع في العمل.
إن تجربة المجلس في حقبتها الجديدة تحتاج إلى آليات جديدة وتصورات ذهنية تنظر للمستقبل وترتفع عن حساسيات الحاضر، والأجيال القادمة مستقبلها مرهون بمدى براعتنا في نقل العمل إلى مستويات جديدة، أو بمدى قلة حيلتنا وسوء تدبيرنا!