مشروع العفو عن الرقاب
خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ منذ سنوات تبنى إطلاق روح التسامح والعفو وإشاعة روح الإخاء بين المواطنين، بالذات في موضوع مهم وهو حالات القتل، وقد كان ــ حفظه الله ــ يحث الناس على العفو وطلب الأجر والمثوبة من الله أو المطالبة بالقصاص والحق الشرعي، وولي الأمر ملزم بالتنفيذ على الكبير والصغير والقوي والضعيف دون تهاون.
الملك كان يعبر عن انزعاجه للحالة التي شاعت بين بعض أصحاب الحقوق، حيث أخذوا يطلبون (المبالغ المليونية) الكبيرة مقابل العفو، وكان يرى هذه نزعة غير أخلاقية وطارئة ولا تعكس روح المجتمع السعودي، لذا كان هو المبادر انطلاقا من مسؤولياته تجاه شعبه لتبني إشاعة روح العفو وتشجيع الناس على هذا التوجه.
الشعب السعودي وانطلاقا من تقديرهم وحبهم لخادم الحرمين الشريفين تجاوبوا مع هذه الدعوة، وقد شاهدنا أمس الأول تسع عائلات تعلن عفوها بين يدي خادم الحرمين الشريفين .. وكان الملك عبد الله الأكثر سعادة وفرحا وهو يرى جهود الخير تنتهي إلى حقن الدماء وتأليف القلوب وجمع الناس.
إن حب الناس وتقديرهم للملك عبد الله يضع المجتمع السعودي أمام فرصة تاريخية كبيرة لإعادة إطلاق (مشروع وطني) يعمق الوحدة في النفوس عبر آليات التفاهم والحوار بدل النزوع إلى العنف.
من الضروري أن نتوجه للأجيال الصغيرة لنساعدها على إعادة تعريف مفاهيم الأمن والسلم الاجتماعي .. فعدد حالات القتل يجب أن يأخذنا إلى التفكير الجدي لمراجعة الوضع.
يجب أن نسأل: لماذا تنزع الناس للعنف وتلجأ للسلاح لتسوية خلافاتها؟
هل توافر الأسلحة بين الناس يتسبب في شيوع هذه الظاهرة؟
هل نحتاج إلى مراجعة لوضع امتلاك وتداول السلاح بين الناس؟
هل المبررات السابقة التي ترى السماح بتداول الأسلحة الخفيفة بين الناس ما زالت سارية وتدعم الأوضاع القانونية النظامية التي تجيز امتلاك الأسلحة؟
هل هناك ظروف اجتماعية ونفسية جديدة ساهمت في نمو الظاهرة؟
أجزم بأن هناك كثيرين في مجتمعنا يقلقهم السماح للناس بامتلاك وتداول الأسلحة الخفيفة. الذي نحتاج إليه هو مراجعة الوضع القائم، فمن مصلحة مجتمعنا إصدار أنظمة صارمة وقاسية تحرم وتجرم امتلاك وحمل الأسلحة .. خبراء الأمن والجريمة يؤكدون أن حمل السلاح لأغراض الدفاع عن النفس قد يأتي بآثار عكسية خطيرة .. وربما يكون هذا موضوعا وطنيا يستحق المناقشة لهدي الناس إلى السبل المثلى للتعامل مع الأخطار التي تهدد النفس والمجتمع.
لقد تبنى خادم الحرمين الشريفين تأصيل روح الإخاء والتسامح في مجتمعنا، وهي روح ربانا عليها ديننا العظيم، فمبدأ إحياء النفس والمحافظة عليها وعدم إزهاقها إلا بالحق هو أساس إعمار الأرض .. و(من أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعا).