طُلِب من ستراوس خلع ملابسه وأن يجلس القرفصاء في انتظار دوره
لن يتمتع دومنيك ستراوس-كانْ بأي من المتع الفاخرة والبذخ أثناء وجوده في السجن. ربما يتلقى معاملة أفضل قليلاً من النزيل المشتبه به في عملية اغتصاب مثلاً، ولكن ليس إلى حد كبير. هذا هو السجن، وليس فندق سوفيتل، كيث كانت الإقامة تكلف ستراوس- كانْ ثلاثة آلاف دولار في الليلة. ليس هناك خبز الكرواسان أو القهوة الفرنسية بالحليب.
بعد أن رفضت القاضية مليسا جاكسون طلباً للإفراج عنه بكفالة وصلت إلى مليون دولار، لم يعد ستراوس-كانْ من الناحية الفعلية الرئيس التنفيذي (العضو المنتدب) لصندوق النقد الدولي، المرشح لانتخابات الرئاسة الفرنسية فقد أصبح تابعاً لمصلحة السجون في مدينة نيويورك. لقد ترك "العالم الحقيقي" ودخل النظام.
ويروي أحد النزلاء: أنا أعرف هذا الشعور، لأنني قبل سنة كنت نزيلاً تابعاً لمصلحة السجون في مدينة نيويورك. ومثل ستراوس- كانْ دخلت النظام في سجن جزيرة رايكرز. ومن خبرتي الشخصية أؤكد أن الليلة الماضية كانت أسوأ ليلة تمر على ستراوس-كانْ طيلة حياته البالغة 62 سنة. ما لا شك فيه أن أسوأ ليلة بالتحديد وأسوأ يوم في فترة السجن هو اليوم الأول. ولا أعني بذلك عطلة نهاية الأسبوع التي يقضيها ستراوس-كانْ في زنزانة احتجاز في مانهاتن. إن رايكرز سجن حقيقي.
#2#
تستغرق الرحلة من وسط مانهاتن إلى جزيرة رايكرز نصف ساعة على الأقل، حسب حركة المرور. وأهم نقطة في الرحلة هي عبور الجسر، البالغ طوله 1280 متراً، الذي يصل بين منطقة كوينز والمنطقة التي يصفها بعضهم بأنها أكبر مستعمرة للعقاب على ظهر الكرة الأرضية. يبلغ عدد السجناء في المتوسط في الأوقات العادية نحو 14 ألف سجين، وبضع مئات من النساء. وحين تعبر الجسر، تستطيع أن ترى الطائرات وهي تقلع وتهبط في مطار لاجوارديا، والقوارب الذاهبة أو القادمة من منطقة لونج آيلاند ساوند. والواقع أن هذا المشهد آسر، وأتذكر أنني حين رأيته قلت في نفسي: "هذا المشهد هو مثال لمدينة نيويورك بالتمام والكمال."
حين عبر ستراوس-كانْ ذلك الجسر، تم تسليمه إلى قسم استقبال السجناء. ويمضي السجين ساعات تتسم بالملل الشديد والوقت الطويل، والعمليات التي لا تنتهي من تسيير المعاملات والأوراق الرسمية والروتين، إلى درجة أنك تتشوق بقوة إلى اللحظة التي ينتهي فيها كل ذلك. لكن حين ينتهي كل ذلك تصبح من الناحية الرسمية في السجن. لا بد لكل شخص من المرور على قسم استقبال السجناء. وتؤخذ صور لكل شخص، وبصمات أصابعه، وقياس طوله ووزنه، وتؤخذ عينة من بوله. أما اختبار التأكد من فيروس الإيدز فإنه اختياري.
لا بد كذلك من أنه طُلِب من ستراوس- كانْ أن يخلع جميع ملابسه وأن يدير ظهره لموظفي السجن ثم يجلس القرفصاء، ويرفع أسفل قدمه العارية ليعاينها الموظف المسؤول. وأخيراً، بعد بضع ساعات من الوصول إلى الجزيرة، يقاد السجين إلى زنزانته. ولا بد أن ستراوس-كانْ حمل معه بطانية رمادية رقيقة، وقطعتين من البياضات، ومنشفة صغيرة، ولوح صابون تمت صناعته في السجن، وفرشاة أسنان بلاستيكية غير قاسية وقابلة للانثناء، وأوراق الحمام.
وفقاً للمتحدث باسم مصلحة السجون في مدينة نيويورك، ستيفن موريلو، سيوضع ستراوس-كانْ في الحجز الوقائي أثناء وجوده في رايكرز. وهذا يعني أنه سيوضع في زنزانة انفرادية، وحين يتنقل ضمن مبنى السجن سيكون بصحبته شخص من مصلحة السجون. وفي حالة إدانة ستراوس-كانْ وصدور الحكم عليه وإرساله إلى سجن آخر سيكون من غير المرجح نهائياً أنه سيحصل على معاملة وقائية هناك.
حياة ستراوس-كانْ في جزيرة رايكرز خلال الأيام القليلة المقبلة ستكون بسيطة، وأشبه بحياة الزهاد. تقدَّم وجبه الإفطار في وقت مبكر، بين الخامسة والسادسة صباحاً. وتجد على قائمة الطعام بنوداً مثل: خبز أسمر، ومربى العنب الحلو، وعلبة حليب، وصحن حبوب أو رقائق يؤكل مع الحليب. أحياناً تحصل على رقائق الذرة، أو ربما رقائق الحنطة. ويتلقى السجين كل أسبوع أو نحو ذلك قطعة من الفاكهة، مثل برتقالة أو تفاحة أو الخوخ أو البرقوق.
وتُحضَر وجبة الغداء إلى الزنزانة، وهي حجرة يبلغ طولها 3 أمتار وعرضها 2.40 متر، في نحو الحادية عشرة قبل الظهر. وفي معظم الحالات يكون الطعام مؤلفاً من ساندويتش من الخبز الأسمر وقطع مرتديلا وربما بعض الخردل. ويكون إلى جانب ذلك صحن من سلطة المعكرونة الباردة مع قطع مخلل الخيار أو بعض الفاصوليا الباردة. وتقدم وجبة العشاء في الخامسة مساء، وهي تتألف من لحم معلب أو معالج، وخضراوات معلبة، وربما سلطة الملفوف ومزيد من الخبز الأسمر. أما الشراب فهو كوب من عصير كول إيد خفيف التركيز. ولا تقدم في السجن أطباق الحلوى.
وسيُسمح لستراوس-كانْ بالاستحمام مرة واحدة على الأقل كل يوم. وإذا أراد ممارسة بعض التمارين الرياضية، فسيعطى كذلك ساعة يومياً في ساحة السجن.
على الأرجح فإن ستراوس-كانْ الآن شهد وسمع أموراً لم تدر بخلده في يوم من الأيام. في ليلتي الأولى التي أمضيتها في رايكرز، كنت أنظف أسناني، ورفعت رأسي وشاهدت رجلين يقتسمان غليوناً محلياً لتدخين خام الكوكايين الرديء. (أما كيف استطاعا إدخال المادة الممنوعة فإن هذا أمر يفضل ألا يعرفه القارئ. لكنني أقول إن السجن مملوء بالمخدرات).
سيكون ستراوس-كانْ آمناً ولكن ليس وحيداً فحتى في الحجز الوقائي، لا يتمتع الإنسان بالخلوة فهناك زنازين من جميع الجهات تحيط بالسجين، والرجال الموجودون داخل تلك الزنازين في حالة توتر دائم. هذا المكان مملوء بالضجيج دائماً، حتى بعد إطفاء الأنوار في الحادية عشرة مساء. والواقع أن هذا هو أكثر الأوقات العصيبة في اليوم، حيث يقوم السجناء بالصراخ على بعضهم بعضاً، أو يغنون، وأحياناً يصرخون بأصوات حادة، حتى الهزيع الأخير من الليل.