الدين حلال لهم.. حرام علينا!

ربما تكون عزيزي القارئ من بين الملايين الذين شاهدوا الزواج الملكي البريطاني قبل أسابيع..
كيف تم الزواج، وما الرسائل الخفية التي بعثها هذا الحدث عن السياسة والدين، وعن الدولة التي أرادت أن تقول إنها ما زالت إمبراطورية؟
لقد تم الزواج تحت ظلال الصليب، في قلب الكنيسة التاريخية، وست منستر، وفي هذه اللحظة التاريخية طغت الطقوس الدينية على المناسبة وغمرتها. إنها لحظة هيمنة الدين على الدولة.. بحضور نجوم السياسة والمال والفن والثقافة والرياضة!
ربما بعضنا طرح هذا السؤال: لو حدث أن إحدى العائلات الحاكمة أو الثرية في العالم العربي أو الإسلامي أجرت عقد قران في مسجد أو جامع ونقل الحدث حيا للعالم، كيف ستكون ردة الفعل الغربية؟
هذا الحدث سوف يصور بالطبع من الغربيين على أنه (نهوض) للدين، أو اتجاه للحكم باسم الدين، وسوف يصور على أنه تهديد قادم للحياة، أو مؤشر على الأصولية، وربما قال ذلك قبل الغربيين بعض أبناء جلدتنا ولساننا وهويتنا.. ممن أخذهم مسار التغريب إلى الوقوف في وجه الدين، وكأنه الشر المستطير!
هذا الحدث الملكي يعيدنا إلى هذا السؤال: هل الدين عنصر إيجابي أم سلبي للحياة؟ وإلى أي مدى يفترض أن نجعل الدين مؤثرا في الأطر العامة للحياة وتوجيه التفاصيل؟
إنه سؤال شائك وصعب وقد تتعدد الإجابات وتتلون وتختلط بالمشاعر والعواطف!
في الغرب منذ احتدام الصراع بين الدولة والكنيسة وبالرغم من انقلاب السياسة على الدين إلا أن العلاقة بقيت قوية بين الطرفين، فالحياة العامة انتقلت إلى التحرر من الدين ولكن المشاعر الإيمانية عندما تجد الفرصة تعبر عن ذاتها، والعبادات لم تنقطع رغم أنها في الغالب محصورة في الكنيسة.
طبعا هذا الوضع يتبدل الآن، فرغم المسار الطويل الذي قطعته المجتمعات الغربية لإبعاد الدين عن الحياة، إلا أن المناخ السياسي والاقتصادي يهيئ لعودة العلاقة القوية بين الدين والدولة، فالأحزاب اليمينية المتشددة التي تطرح الأجندة الدينية تنمو وتكبر وحضورها في الشارع بدا قويا وملموسا، وحتى السياسيون الذين تربوا في أحضان الكنيسة في أمريكا يدخلون السياسة بقوة ويترشحون للانتخابات الأمريكية، ومثلهم في أوروبا، فالتيار اليميني يتقدم، وهذا التطور للتيارات السياسية المحافظة هو استدعاء للدين ليكون مظلة قانونية وشرعية للأهداف والأطماع السياسية والإمبريالية. إنها عودة للاستعمار الذي أطلق قوة الغرب المتوحشة والتي اجتاحت العالم بحثا عن الموارد بأي ثمن وتحت أي مظلة أو عذر.
لنفس الأهداف ما زال الغرب يدعم بقوة إسرائيل رغم أنها دولة تقوم على الهوية الدينية البحتة.
الذي يجب أن نتأكد منه أن الدين إذا ابتعد عن السياسة ولم يفرغ من مضامينه العظيمة يبقى ضروريا للحياة ولا تقوم الحياة بدون روح الدين وغاياته وضوابطه، فهو منبع الأخلاقيات والسلام والأمن النفسي والاجتماعي.
الذي يجب أن نطمئن له هو أن الدين الإسلامي بأهدافه السامية وتكريسه مبدأ العدالة الاجتماعية وتوازنه الروحي لا يمكن أن يكون عائقا للتقدم والإبداع والمشاركة الإيجابية في الحياة، لذا نحن أولى أن نجعل الدين حاضرا وقويا في حياتنا.
في الوقت الذي يقبل فيه الغرب بل العالم على الدين، نحن نتراجع ونخاف، فقد أغلقنا جمعياتنا الخيرية وأوقفنا جهودنا الدعوية وراجعنا بتطرف مناهجنا الدراسية وبدون حكمة نراجع أسلوب حياتنا لنبعدها عن الدين.. أي انفصام في الشخصية الفردية والاجتماعية سوف نجني؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي