المعاهد الصحية.. الكارثة القادمة!!
بعد تحول المعاهد الصحية إلى كليات وهي الخطوة التي جاءت بعد اشتراط المؤسسات الصحية العامة الحصول على شهادة البكالوريوس للتمريض، ترتفع المخاوف من كارثة قد تترتب على تخرج أكثر من 50 ألف طالب وطالبة.. هؤلاء ربما يتم رفضهم لضعف تأهيلهم قياسا على حالة من سبقوهم حيث لم يتجاوز أغلب الخريجين الحاليين الاختبارات العملية، والتشدد في القبول ضروري جدا لخطورة عمل هذه الفئة.
لذا يجب أن نخشى من كارثة مستقبلية تفاقم الوضع، خصوصا أننا الآن إزاء قضية وطنية وإنسانية قائمة، فخريجو المعاهد الصحية الذي انتهى أغلبهم إلى قائمة البطالة.. هؤلاء لهم قضية تستحق أن نقف معهم فيها لأهمية القطاع الذي تأهلوا لأجل العمل فيه.. ولأنهم ضحية ضعف المعاهد التي خرجتهم حيث لم يصمدوا أمام الاختبار الحقيقي، إذ حصل أغلبهم على تقييم متدن لا يسمح بالمخاطرة بوضعهم في مؤسسات حساسة وخطيرة مثل المستشفيات والمستوصفات، وبالتأكيد هم أول من لا يقبل أن يكون سببا في المشاكل للناس.
المؤسسة العامة للتعليم الفني تشاركت مع وزارة الصحة منذ سنوات بالترخيص لهذه المعاهد في إطار طفرة التعليم الفني والمهني، وبما أن التجربة في بداياتها لذا لم يتم الالتفات إلى أهمية الجودة في المخرجات وهذه مسؤولية نظامية وأخلاقية يتشارك فيها الطرفان الحكومة والقطاع الخاص، فالحكومة تساهلت في تطبيق المعايير والاشتراطات، والقطاع الخاص دخل التجربة وهدفه النهائي الأرباح ثم الأرباح.. وربما قلة من المعاهد هي التي التزمت معايير الجودة وأسست سمعة في السوق.
الآن بعد الموقف الحازم لكل من وزارة الصحة والمؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني الواجب علينا النظر في وضع الخريجين والبحث عن مخرج لهم عبر إعادة تأهيلهم.
فوزارة الصحة الآن لا تلام لعدم قبولهم، فهي تجني مخرجات القطاعات الأخرى، وربما نلومها بشدة إذا تساهلت في معايير السلامة، في التشخيص والعلاج وهي مطالبة برفع الإجراءات لأجل تقليل الأخطاء الطبية.
أيضا المؤسسة العامة للتدريب المهني تُشكر على موقفها عندما قررت وقف الترخيص لهذه المعاهد وأحالت مسؤوليتها إلى الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، فهذا هو الإجراء السليم، فالمعاهد متخصصة في التأهيل الصحي والأولى أن تكون الهيئة هي التي ترخص لأنها هي التي تعتمد شهادات وخبرات العاملين في القطاع، وتَخلّي المؤسسة عن الترخيص خطوة إيجابية وسنة حسنة، فالمعروف أن الأجهزة الحكومية تنزع إلى الاحتفاظ والإصرار على الصلاحيات حتى لو كانت بعيدة عن مجالها.
نحن نتحدث عن قضية أكثر من 60 ألف خريج وخريجة وهؤلاء أبناؤنا وبناتنا وبما أنهم قطعوا خطوة التأهيل الأولى في مجال التمريض، وبما أن أغلبهم دفعوا مبالغ تعد كبيرة بالنسبة لأوضاعهم المالية يفترض أن تكون هناك حلول لأوضاعهم. هؤلاء لم يدرسوا في معاهد مجهولة بل درسوا في معاهد مرخصة من الحكومة.
المراجعة للوضع القائم يفترض أولا أن تراجع المعاهد التي تحولت إلى كليات، فالمعاهد التي لم يوظف أو يقبل خريجوها بسبب ضعف التأهيل عند نسبة 50 في المائة هذه يفترض أن تسحب تراخيصها ويغرم أصحابها ويجبروا على دفع جزء من تكاليف إعادة تأهيل الخريجين.
ثانيا: مراجعة إمكانيات الكليات التي تحولت من الوضع السابق وهذه مسؤولية وزارة التعليم العالي وهيئة مكافحة الفساد وديوان المراقبة وهيئة الرقابة والتحقيق، هذه يجب أن تقوم بواجباتها ولا تتفرج على الوضع القائم.
أيضا يجب أن تشمل المراجعة أوضاع كليات المجتمع التابعة للجامعات فحتى هذه مخرجاتها ضعيفة ولم يجتاز نصف خريجيها الاختبارات الأولية لدخول العمل. أن أوضاع الكليات تتطلب فريق عمل حكوميا يدرس آلية جديدة للتراخيص فالوضع السابق فتح المجال للتجار للاستثمار في المعاهد والآن غيروا اللوحات القديمة من معاهد إلى كليات في يوم وليلة!! من سمح بهذا الوضع؟
مراجعة الوضع هذا هو إحدى آليات التطوير والإصلاح ومحاربة الفساد في المجتمع.. الخريجون العاطلون هم أبناؤنا وبناتنا وليس من العدل أن نتركهم يواجهون ظروفهم وحدهم وهم ضحية للتقصير والفساد وسوء التدبير من القطاعين العام والخاص.