العنف الأسري.. اتجار بالبشر

حديثي هنا لا يتناول كل مظاهر العنف داخل الأسرة وأفرادها، من الأب والأم والأولاد أو الأقارب، بل إن الحديث سينحصر تحديداً ـــ وبكل أسف ـــ في مظاهر العنف داخل الأسرة، الموجه ضد خدم المنازل أو عاملات المنازل الذين أصبحوا جزءا أساسياً من الأسرة السعودية.
ويخشى أن يضاف هذا النوع من العنف إلى العنف الذي يمارس على بعض عمال القطاع الخاص في بعض القطاعات ذات العمالة الكثيفة مثل المقاولات والصيانة، ومن ثم يتحول إلى ظاهرة تستفحل آثارها إلى خارج المملكة بحسبان أن هؤلاء من جنسيات أجنبية لدول صديقة عربية وإسلامية تدخل مع بلادنا في اتفاقيات ومعاهدات دولية تتضمن حسن المعاملة المتبادلة بين رعايا كل دولة، وعلينا الحماية والحفاظ على رعاياهم وحسن معاملتهم حتى نطالب بالمعاملة بالمثل لرعايانا.
ومن الظاهر والواضح أن هناك نوعا من التعامل السيئ والشاذ أحياناً من بعض النفوس الضعيفة مع تلك الطائفة من البشر الذين تركوا بلادهم وذويهم لأجل لقمة العيش في بلادنا بلد الحرمين الشريفين، فيتم تعذيبهم تارة أو ضربهم ضرباً جسيماً يُفضي إلى موتهم أحياناً أخرى، أو على أقل تقدير إساءة معاملتهم والحط من كرامتهم، فكان لزاماً أن أفصح عن ذلك نصحاً وإرشاداً وتحذيراً.
وحديثي هذا يخرج منه هؤلاء الذين يحسنون معاملة خدم المنازل ويعطفون عليهم، بل يعاملونهم كأفراد الأسرة في المأكل والملبس والمشرب والتعليم والترفيه والسفر والترحال في تعامل إسلامي إنساني وأخلاقي.
أقسام الشرطة وهيئة التحقيق والادعاء العام، وبالتالي الصحف اليومية، تشير إلى أحداث وحوادث إجرامية جديدة على مجتمعنا، ألا وهي العنف الجسدي على خدم المنازل، والتقارير الطبية للمصابين وكذلك تقارير الصفة التشريحية لجثثهم تشير بوضوح إلى أن أسباب العاهة الجسدية أو أسباب الوفاة هي الجروح الغائرة والجسيمة في جسد المجني عليهم، الذين غالباً ما يكون فتاة أو امرأة، بل إن تلك الإصابات لو تمت كتابتها في هذا المقال لأحدثت في النفوس غصة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والتحذير الواجب هنا هو أن هذا العنف الجسدي الجسيم على تلك الطائفة، يمكن أن يندرج تحت نظام مكافحة الاتجار بالأشخاص رقم (م/40) وتاريخ 21/7/1430هـ، حيث نص في مادته الأولى على أن الاتجار بالأشخاص هو استخدامهم من أجل إساءة الاستغلال، بل إن المادة الثانية حظرت الاتجار بأي شخص أو استخدامه بقصد إساءة استغلاله بأي شكل من الأشكال، أو إساءة سلطة ما عليه، أو استغلال ضعفه، أو حتى إعطاء مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على آخر من أجل الاعتداء الجنسي أو الخدمة قسراً أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو بالاستعباد أو نزع الأعضاء أو إجراء تجارب طبية عليه.
وعاقب النظام السالف في مادته الثالثة من ارتكب جريمة الاتجار بالأشخاص بالسجن مدة لا تزيد على 15 سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معاً.
وجمعت المادة الرابعة الظروف المشددة للعقاب في بعض الحالات من بينها إذا ما ارتكبت الجريمة ضد امرأة أو استخدم مرتكبها سلاحاً أو هدد باستعماله، أو إذا ترتب عليها إلحاق أذى بليغ بالمجني عليه أو إصابته بعاهة دائمة.
وقد يسعى بعض الجناة إلى محاولات خفية أو قسرية تجبر المجني عليه على التنازل عن حقوقه أو التصالح المكتوب تهرباً من العقاب، لكن هيهات، فقد نصت صراحة المادة الخامسة على عدم الاعتداد برضا المجني عليه في أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، فلا تفيد الاتفاقات الجانبية فليس لها أثر بحكم النظام.
وأخيراً .. إنني لا أتخيل أن يشاهد أطفالنا في منازلهم فنون التعذيب والتنكيل والسباب تمارس يومياً من الأب أو الأم على الخدم كجرائم يومية، ثم نطالب أطفالنا باحترام الغير وحسن معاملتهم، إننا نعلمهم كيف يكونون قساة القلب ومتوحشين، وهذا هو من أهم أسباب العنف الأسري الذي يجب علينا مكافحته بكل أنواعه ومظاهره وأشكاله وأساليبه المادية والمعنوية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي